من أين أبدأ الكلام..؟ .. من حيث بدأ الحدث أم من حيث انتهى..؟ الأمر كله سواء والنتيجة واحدة، فبدايته انحراف عقدي ومنهجي وفكري، ونهايته ما شاهدناه جميعاً جريمة بشعة.. وفعل شنيع، ذهب ضحيته مسلمون أبرياء، بل أطفال ونساء، وذهبت أموال وممتلكات لا يعلم قدرها إلا الله، وروع بلد بأكمله في شهر العبادة والخيرات.
ليست هي المرة الأولى على تاريخ المسلمين، أن يواجه المسلمون الغلو والتطرف في الفكر والعقيدة، لكن أن يتعامل هؤلاء بمنطق التخريب والقتل فقط، أن يكون شرذمة صغارهم هم القاضي والحاكم والمنفذ، نهج غريب ومكر دخيل على ديارنا، غريب على مجتمعنا، غريب على عقيدتنا، بل غريب على عقول البشر وأنظمتهم..
وما حصل من حدث مروع في الرياض أمر يندى له الجبين بل تقف عنده جميع تعابير التنديد والاستنكار عاجزة رغم كثرتها عن التعبير عن حجم الجريمة وآثارها.
لقد أساء هؤلاء إلى أنفسهم وإلى أهليهم وإلى مجتمعهم وإلى بلادهم ودينهم، وأساؤوا إلى كل الناس، حيث جعلوا المسلمين هدفاً للقتل، وأموال المسلمين هدفاً للتدمير، وبلاد المسلمين ميداناً للتخريب والفتك بالناس.
ولو فكر عاقل مجرد بما قام به هؤلاء لما وسعه إلا استنكاره، ولما تردد في التبرؤ منه وشجبه واستهجانه، فالعقل السليم يقود إلى فكر سليم وقرار سليم وفعل سليم، وهؤلاء فقدوا العقل المجرد الذي يفرق بين الضار والنافع والمصلحة والمفسدة، والتمرة والجمرة- كما يقال -.
بأي عقل يفكرون وبأي دين يلتزمون، وعلى أي منهج يسيرون؟ إنه الانحراف الفكري والعقدي يورد صاحبه المهالك، ويجعل منه مطية لغيره ممن لا يريدون خيراً لهذا البلد ولا لأهله، بل يجعله مطية للشيطان الذي يزيده غياً وتطرفاً وانحرافاً مع الأيام.
ونحن على ثقة في أن القيادة الحكيمة وجهات الأمن قادرون على إيقاف هؤلاء عند حدهم، وردهم إلى طريق الصواب وتأديبهم والأخذ على أيديهم، ومعاملتهم بما يستحقون، وواجب على الأمة بكافة فئاتها أن تلتف حول قيادتها في هذه الملمة وتكون أكثر وعياً بما يجب وأكثر تقديراً وتقديماً للمصلحة العامة على الأهواء والنزعات الشخصية والآراء الفردية، كما يجب على كل فرد أن يكون عيناً مبصرة وعقلاً يفكر في الإبلاغ عن هؤلاء وابطال مخططاتهم وفضح أوكارهم ودحض حججهم الواهية، عسى الله أن يهديهم إلى جادة الصواب ويجنب المسلمين شرورهم..
نسأل الله تعالى أن يجنب المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يجعل بلادنا أمناً وأماناً ورخاء.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
*رئيس محكمة محافظة الرس |