أشعر بالخجل، وبضآلة عطائي كلما وقعت بين يدي عدة مؤلفات قيمة لكاتب من كتابنا الأجلاء، وكيف انه استهلك ساعات يومه في المفيد والمثري، وفي تقديم النتاج الثقافي والفكري الدائم له والخالد وان غادر الحياة.
ومصدر خجلي في كوننا لم نستعمل وقتنا الاستعمال الصحيح، ولم نستغل يومنا الاستغلال الذكي المتعقل.. وزهونا بأنفسنا حينما اعطينا عطاء بسيطا متواضعا.. ولم نعر ذلك العطاء الاهتمام الذي يستحقه من عدة اوجه لعل اهمها جمع الطيب منها وتضمينه في كتاب يوثق مرحلة مهمة من مراحل حياتنا.. «وكل مراحل حياتنا مهمة».. ويحفظ لاسمنا قدره ومكانته، لعلمي ان ما ينشر في وسائل الاعلام المقروءة كالصحف أو المجلات عرضة للضياع ان لم يمنح قدراً من الاهتمام.
هذا أمر..
والأمر الآخر ان الفرد منا ربما لا لم يعرف اعلاميا ككاتب ولكنه يمتلك مقومات الكاتب ولديه عصارة فكرية في علم او ثقافة معينة فيضن ويقصر في حق نفسه ولا يفرغ تلك العصارة المعرفية لا من خلال وسائل الاعلام المرئية والمقروءة والمسموعة ولا في دفتي كتاب سهل التناول.. خفيف الحمل.. ثقيل المحتوى.. ربما استهانة بقدراته.. او خوفا من عدم تقبل المتلقي له التقبل الحسن امام كثرة الاسماء الاعلامية المثقفة والادبية والمفكرة.. وكل ما ينقص هذا الشخص ثقة في نفسه والملكة التي وهبها الخالق له.. ثم تبني شخص ذي مكانة علمية له ليظهر ما بحوزته من علم وثقافة ويوثقه قبل ان يطوى بمجرد ان يغيب عن الحياة.
كل ذلك لا يمنع من شعوري بالخجل وشعور كل من هم على شاكلتي بالشيء نفسه لأننا نمتلك مقومات توثيق مرحلة مررنا بها ولم نفعل دون ايجاد المبرر.. لأن من وثقوا مراحلهم بكتب قيمة أضيق وقتا منا واكثر اعباء واعظم مسؤولية.
فمنهم الدكتور والاستاذ الجامعي والاكاديمي المتخصص ولم يشكل وضعهم هذا عائقا في سبيل اثراء المكتبات بالمؤلفات القيمة.. وسأتطرق لاحقا لشخصية فذة منهم.. في حين تقاعسنا عن اثراء المكتبات بكتيب لا بكتاب.
قد يقول قائل منكم العبرة بالكيف لا بالكم واوافقه الرأي على ألا نجعل من تلك المقولة حجة عند كسلنا عن اصدار المؤلفات .. ولا اظن كل ثري في اصدار المؤلفات اغلب مؤلفاته عقيمة المحتوى وينطبق عليها مسمى كم بدون كيف.. فالعبرة بالكيف لا بالكم مقولة صحيحة ولكن يجب ان لا تعمم فيترتب على تعميمها تقاعس الاغلب عن اصدار مؤلفاتهم.. اضف الى ذلك ان من ينشد الكمال والتميز والقمة يتعب ويتراجع كلما نوى اصدار مؤلفه لشعوره بضعف قيمته وان لم يكن كذلك.
ومن منطلق رؤيتي الخاصة ان من لديه مخطوطة كتاب ويشعر بشيء من الرضا عنه عليه ان يبادر بطباعته ولا يضع امامه العراقيل كمستوى قبول المتلقي له.. وخوفه من النقد الحاد والجارح له ولمؤلفه.. وخشيته من التقصير والاخفاق.. فكل هذه وساوس تعرقل وتقيد الارجل وتكبل الايدي.. وما يحتاجه جرعة خفيفة من الثقة بالنفس بصرف النظر عن التقبل او عدمه لتنوع المشارب واختلاف الاذواق.
ولكن المسألة ستصبح اكثر معضلة وصعوبة حينما يكون المتقاعس عن النشر والطباعة أديباً له وزنه الادبي والثقافي والمعرفي.. وبرزت اسهاماته الكتابية والمنبرية وبدت للعيان بصورة جلية.. حتى عُرف كقاص وروائي واديب لا يشق له غبار.. واعني به الاديب الاحسائي.. ابن مدينة العيون.. ناصر بن سالم الجاسم.. مؤلف «النوم في الماء» مجموعته القصصية الاولى الصادرة عن نادي القصة السعودي عام 1992م، ومؤلف روايته الاولى ايضا «الغصن اليتيم» الصادرة عن نادي ابها الادبي عام 1417هـ وقد كُتب خلف هذا المؤلف، ولديه اعمال اخرى مازالت مخطوطة وكان عام اصدار المجموعة 1418هـ ونحن الآن في أواخر عام 1424هـ.. «وما زالت مخطوطة».
لنتساءل لماذا؟
لماذا أيها القاص الروائي الكاتب الاديب المبدع.. الى متى ستستمر مخطوطة.. وما ذنب القارىء وانت تحجم عن نشر ابداعك وتتركه جائعا يتضور جوعا؟
الاديب ناصر بن سالم الجاسم كما نعرف حاصل على درجة الماجستير في تخصص الادب والنقد لعام 1420هـ وعنوان رسالته «صورة البطل في روايات ابراهيم الناصر الحميدان».. وهي حسب علمي ما زالت مخطوطة مع ان ناصر يكرم الاحسائيين يزود الادباء والاصدقاء بنسخ من نتاجه المخطوط ولم يبخل به عليهم.. حيث زودني شخصيا بنسخة من رسالته تلك المقدمة لاستكمال متطلبات درجة الماجستير بالاضافة الى اغلب مجموعاته القصصية ورواياته ومسرحياته وهي:
1- «العدو بالايدي» مجموعة قصصية لعام 1412هـ.
2- «العبور» مجموعة قصصية لعام 1412هـ.
3- «الموت في المدينة» مجموعة قصصية.
4- «هكذا يرفس الحب» مجموعة قصصية 1412هـ.
5- «العاصفة الثانية» رواية 1993م.
6- «الجنين الميت» رواية 1993م.
7- «عش النوري بنت مرة» مسرحية.
بالاضافة لقصص اخرى زودني بها متفرقة وقصص قصيرة جدا تستحق ان تكون مجموعتين اخريين.. فهل نرضى بأن يبقى ابداعه مخطوطاً.. ألم يأتِ من يؤثر به فيطلق سراحها لتلج بوابة المطابع؟
لا اظن ناصر سيجعل من انشغاله الحالي برسالة الدكتوراه حجة في عدم تفرغه لطباعتها.. فهي كما وصلتني جاهزة معدة للطبع.. لانه مهتم بها جمعا وتغليفا وتوثيقا تأريخياً.. فما المانع في عدم طباعتها؟
مهما كانت الموانع والعوائق فبالامكان تخطيها.. مادية.. اعلامية.. او خلاف ذلك.
يشهد الله اني اتألم كلما تأملت نتاجه امامي وتمنيت لو امتلك حرية التصرف به والامكانات الاخرى لاصداره.. نعم كان كريما.. ودودا.. اخا عزيزا عندما شرفني وزودني بها تباعا وحرص على وصولها بالمتابعة المستمرة.. إلا أن هذا لا يثنيني عن ان ارجوه رجاء خاصا بطباعتها دون ذكر حجج لأنها جميعا تمثل مراحل مهمة لابد من توثيقها.
فاكس - الدمام - 8435344-03 |