(1)
** يتوجه «الناسُ» بطبعهم إلى «الآتي».. مؤمنين أن «المستقبل» يحتاج إلى «إرادة» و«تخطيط» و«عمل».. بينما يستلقي «المتثائبون» ليجتروا ذكريات «الأمس».. فيندبوا «الحظ» العاثر.. إذ كانوا فصاروا.. وأمسوا فأصبحوا..!
** «اعتذاريةٌ» بين يديْ هذه «الأربعاوية» وما سبقها من «بكائيات».. وقفت أمام «الطّلل» -وهو قفر_ فتذكرته وهو قصْر.. وشاءتْ -في هذه «السلسلة»- أن تقرأَ «خطوطَه» التي عبث بها «التغيير» فارتدتْ إلى «الخلف».. ونسيت «الغد».. وتمنت العودة إلى أيام «التّراب» و«الطين».. فقد كان «هواؤها» أنقى.. و«بناؤها» أقوى.. و«ناسُها» أرقى.. لنحلم -دون الأمم- بالتقدم إلى الوراء..!
(2)
** مثّل صدور كتاب (مصطفى محمود) : (رحلتي من الشك إلى الإيمان) نقلة مهمة في تفكير بعض الشباب الذين «استمرأوا» طرح الأسئلة «الوجوديّة» دون حصولهم على إجابة شافية عنها..
** كان «مصطفى محمود» -قبل ذلك- مؤمناً أننا «في عصر الذرة ولسنا في عصر الصلاة» -كما كتبه في أحد مقالاته التي كان ينشرها بزاويته (اعترفوا لي) في «الخمسينيات الميلاديّة» -.. وقرأها صاحبكم -بعد ذلك بسنوات- في مكتبة «المعهد العلمّي بعنيزة» مما يوحي بأجواءٍ انفتاحيةٍ سادتْ خلال حقبة مهمة في تاريخنا المعاصر..!
** كان الطلبة يحملون تساؤلاتهم الكبيرة «جداً».. ومنها ما يمس بعض «الثوابت» و«الأصول» «لمشايخهم» في المعهد وعلى رأسهم العالم والمربي الجليل (الشيخ عبد العزيز العلي المساعد - توفي في شعبان 1411هـ -رحمه الله-) فلم ينكر.. ولم يزجر.. بل أجاب بفهم ووعي وأريحيّة وحسنِ خطاب.. مستوعباً الفترة الحرجة التي يمر بها الطلاب في مرحلة الانتقال «العُمْري» و«القومي».. !
** كان يخصِّص -في بداية كل درس- بضع دقائق لهذه الأسئلة «الخارجة» على القانون.. حاثاً إياهم على التعبير المباشر عن «هواجسهم»..و«التناقضات» التي تعيش بداخلهم في فترة مضطربة أعقبت «تصفية قادة الإخوان».. و«هزيمة حزيران».. وارتفاع وانخفاض رايات «الإسلاميين» و«البعثيين» و«القوميين» و«الناصريين» وحتى «الإلحاديين».. والصعود إلى «القمر».. وما أعقبه من سجالٍ عجيب بين فريقي «المكذِّبين» و«الناعين» عليهم..!
** رأوا «الفارق» كبيراً بين «بني أبينا» و«بني شانئينا».. فكانت «المفارقةُ» دافعهم للبحث والتأمل والمراجعة.. مُستعينين بمن «أفسحَ» صدره لضيقهم.. ولم يُعنوا «بتوجهه».. وإن أنصتوا «لتوجيهه»..!
** ظلّ ذلك إطاراً شاملاً يحكم علاقة «الطّلعة» «بالرواد»، فكان «المشايخ» و«الأساتذة» -في أغلبهم- قريبين من تلمّس احتياجاتنا.. والتطورات المتصلة بالتحول الفكري والسياسي والاجتماعي والثقافي الذي ولدته ظروف تلك المرحلة..!
(3)
** قرأنا «مصطفى محمود».. فأزال شبهة.. وتمعّنا في «محمد قطب» فأزال «شبهات».. وتسابقنا على كتابات (سيد قطب) من لدن (العدالة الاجتماعية).. وقوفاً عند (الظلال).. وانتهاء (بالمعالم).. ورددنا نصّه المعبر:
أخي أنت حُرّ بهذي القيود
أخي أنت حرٌ وراء السدود
إذا كنتَ بالله مستعصماً
فماذا يضيرُك كيدُ العبيد..
** ومثلما تابعنا أولاءِ و«عبد القادر عودة» ، و«محمد الغزالي» و«عبد العزيز البدري«» ، فلم نحجب عن أطروحات «عبد الله القصيمي» ، و«منيف الرزّاز» ، و«صادق جلال العظم» ، و«فؤاد زكريا«.. و«يوسف السباعي» و«إحسان عبد القدوس» و«نوال السعداوي»..فقادنا «العقل» المنطلق إلى فضاءاتٍ حُرّة.. لم تحكمها «إملاءات».. ولم يئدْها «حجر»..!
** هكذا ظلت «الدواخل» هادئة رغم اضطراب «الخوارج».. وجاءت أحداث «79 و1980م» لتثير «الغبار».. ثم حرب الخليج الثانية (90-1991م) لتُحرِّك الزوابع..!
(4)
** لم يقتصر تأثيرُ «حادثة الحرم» والثورة الإيرانيّة على المجتمع «الخليجي» أو «العربيّ» القريب.. وحتى البعيد.. بل تجاوزه إلى «المغتربين» في الولايات المتحدة.. فكان «التحولُ» نقطة بدايةٍ راقبها من اهتم.. ورأى بوادر «اختلاف» طالت حياةَ الطلاب «المبتعثين» وأسرِهم ومواقفَهم وأشكالَهم..!
** يذكر-فيمن يذكرهم- شاباً «وسيماً» يتأنق بمظهره.. يراهُ - في معهد اللغة- مُدِلاّ.. مدللاً.. سيارتُه فارهة ، وملابسه صاخبة ، ترافقه -كلُّ يوم- فتاةٌ.. يجدِّدها بأخرى أو بأخريات.. ورغم أن «صلاة الجمعة» تضمّ «الملتزم» و«المتساهل» فلم يعهده بين معتادي «الصالة» المستأجرة الواقعة على جانب شارع «الكهون» في «سان دييغو».. !
** مضى الحال إلى أمد رآه بعده يتردد على «المسجد» و«الجامع».. ثم يستبدل بالبدلة «الجُبّة».. ويعتمر «العمَّة».. ويتحول -بعد ذلك- إلى أحد «الدعاة».. متنازلاً عن كل مظاهر «المتعة» و«الثراء»..!
** وإلى جانب هذا آخرون سلكوا النهج ذاته.. ومنهم أحدُ أصدقائه ممن درس الثانوية والجامعة والماجستير في «أميركا».. ولم يكن يعبأُ «بفرض» بله «نافلة».. ولا يتورع عن «محرم» بله «مكروه«.. ثم بدأ في شراء بعض الكتب والأشرطة والمجلات الإسلامية التي يبيعها «أبو جورج» صاحب البقالة العربية الشهيرة في المدينة آنذاك.. ولاحظ -مع الأيام- رغبة عميقة صادقة لديه في سلوكٍ «منضبط» يكفِّر به عن ماضيه «المنفلت«.. وبدأ نشاطه بدعوة «الختيار» الفلسطيني (أبي جورج) دون أن يملك أسباب الدعوة.. أو يظفر بإشارات الاستجابة.. (وهو ما يطرح موضوعاً مهماً ينادي به مسلمون في بلاد الغرب بأن تترك «الدعوة» لأبناء البلاد «الأصليين».. فهم مَنْ يفهم تركيبة المجتمع ولغته وخفاياه.. ويوفر وقت «الموفدين» وجهدهم وأموال بلدانهم لصرفها على بني قومهم..)..!
(5)
** ازدادت «الشُّقُة» بعد «حرب الخليج الثانية» ، وهو ما يمكن للباحث رصده عبر «الكتب» و«الأبحاث» و«المنتديات» و«الأشرطة» التي تحتاجُ إلى قراءةٍ موضوعية هادئة بعيدة عن «التحيُّز» و«المذهبيّة» و«الهوى»..!
** أعادتْه الصورةُ إلى أيام قريبة سبقت «بعثته» حين ساكن صديقاً له في بيت مستأجر بأحد أحياء الرياض القديمة.. وكان شاباً «منفتحاً» على أنماط الحياةِ الملونة «بالسهر» و«السفر».. وغادره وهو على «عبثه».. وحين عاد - بعد ثلاث سنوات- وجده قد انضم إلى إحدى الجماعات «الدينيّة» التي ترتحل في سبيل «الدعوة» وتبذل من أجلها..!
** مرت على المجتمع سنوات طويلة عاشها آباؤنا وأجدادنا في «وسطيةٍ» نادرة.. فكما يشبُّ الفتى يشيخ.. دون أن يُغيِّر «مظهره» أو «مخبره».. ودون أن تبدو عليه -ومجايليه- علاماتُ الانقلاب «الفكري» أو «السلوكي».. فلم يستحلوا محرماً.. كما لم يحرموا حلالاً.. ووجدوا في «سعة» الإسلام و«سماحته» واختلاف العلماء ما يتصالحون به مع «ذواتهم» ومع «مجتمعهم».. من غير أن يُصنِّفُوا الناس داخل مصطلحات «الالتزام».. فيفترقوا بمعطيات «الانقسام».. وتهم «الانهزام»..!
(6)
** تحول المجتمع بشكل «انقلابيّ» جعل «الابن» يوجه أباه، و«العاميّ» يواجه «المثقف» ، و«الطالب» يعلم أستاذه.. فاختلطت الأمور.. وانطلق الاستفهام «الأهم» :
* هل كنا (وآباؤنا وأجدادونُا) على خطأٍ طيلةَ الفترة السابقة..؟ وهل يأخذ التحول الذي نعيشه طابع «الديمومة».. أم أنه تحول طارئ/مؤقت/أملتْه متغيِّرات «داخلية» و«خارجية» لأسباب «سياسية» و«اجتماعية» مستجدة..؟
** ظل «السؤالُ» مفتوحاً دون إجابة.. وباتت «الوشائح» «المجتمعيّةُ» دون الحد المقبول بين «فرقاء» اختلفوا حول أمورٍ كان حقُّها ألاّ تتجاوزَ الحد «المتاح» و«المباح»..!
** لم يكن الخلافُ حول «الأصول» ، ولا حول ثوابت «النقل» و«الدلالة».. بل حول قضايا «فقهية» في معظمها ظلت مدار الاجتهاد منذ عهود الأئمة المعتبرين..!
** طال النقد بعض كتب «التراث» التي كانت تُدرّس للطلاب في الصفوف «الرسمية» والحلقات العلمية وتبرز في المكتبات العامة والتجارية.. والتفت آخرون إلى «أسماءٍ» إسلاميةٍ مهمة تصدرت الساحات في فترة «الخمسينيات» و«الستينيات» و«السبعينيات» الميلادية.. ثم توارت في «الثمانينيات».. وصودرت وانتقدت وربما شتمت في «التسعينينات».. ولهذا حكاية أخرى..!
* الاسترجاع تأمل..!
|