في الكثير من الأحيان نواجه بفئات من الناس.. يكابرون ويحاورون.. ويجادلون على غير بينة.. ويحاولون إيهام الآخرين بأن كلامهم هو الصحيح.. بإيراد كلمات وأقوال ومحاولة التكلم (بمنهج علمي) وذلك بإيراد صفحات وأرقام وجداول وغيرها.. وهي بعيدة كل البعد عن الحقيقة وذلك حين يكون النقاش علمياً حول قضية معينة.. يحاولون اغراقنا في الفلسفة والنصوص وهم لا يفهمونها.. يحاولون اتهام الآخرين بأنهم نقلوا عن فلان وعلان وأنهم ينسبون جهود الآخرين لهم.. وهذه (موضة) و(شنشنة نعرفها من أخزم). فحتى تجعل الميزان يميل لصالحك والكل يتعاطف معك عليك ان تصوّر الآخر وكأنه لص يسطو على حقوق الآخرين.. ولكن مهلاً لماذا نحن دائماً نسمع كلام طرف واحد ولا نسمع كلام الطرف الآخر.
لماذا نلغي الرأي الآخر من حساباتنا.. ونبني آراءنا وتخيلاتنا على العواطف.
صحيح ان البعض يتمترس خلف تسفيه آراء الآخرين والحط من شأنهم ومن قدراتهم حتى يغطي عجزه عن إبداء الرأي الصحيح.. ويبدأ بالتهوين والنهش والاتهام حتى يصرف النظر عن القضية الأساسية.. ولكن مثل هذا سيحكم على نفسه بالفشل لأنك تستطيع (ان تخدع بعض الناس لبعض الوقت ولكنك لا تستطيع ان تخدع كل الناس لكل الوقت) فاستطاعة زيد من الناس ان يفتري عليك كذا وكذا وتتهم بكذا وكذا وبخطة محكمة وربما تقوّل عليك بعض الأقاويل فانخدع بعض الناس بكلامه ولكن مثل هذا سينكشف زيفه حتى ولو لم يدافع الآخر عن نفسه.. ولكن موضوعنا هو الذي يسفه آراء الآخرين ويتعالى عليهم.. ويظن نفسه المنزه الوحيد في الرأي ولا يعرف رأياً آخر غير رأيه وكل ما عدا رأيه فهو رأي سفيه لا يستحق ان ينظر إليه ولا يعترف إلا برأي أوحد فقط هو رأيه «هو» فقط والآخرين صدى لرأيه.
ودع كل صوت غير صوتي فإنني
أنا الصائح المحكي والآخر الصدى
إن الهوى يعمي ويصم البعض عن ان يعترف بأن رأيه خاطئ.. أو ان يصرَّ على صحة رأيه ويبنى داخل نفسه وهماً أن رأيه هو الصحيح حتى يصدق ذلك فعلاً.. العجيب ان ابن آدم دائماً هكذا.. حتى أنهم يروون أن بعض المجرمين يقتل الضحية ثم يقول أبداً (وهذا قناعة راسخة داخل نفسه) أنا لم أقتله بل هو الذي قتل نفسه باستعدائه نفسه علي.. يقنع نفسه بهذا ويصدقه وهذا في حالة إساءة الظنون:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
وصدّق مايعتاده من توهُّم
إن إساءة الظن بالآخرين لا تأتي إلا من التعالي والمراءاة.. إن المراءاة والمكابرة تفعلان بالمرء الأعاجيب.. وتجعلانه يتعامى عن قول الحقيقة.. اليوم قرأت تعقيب الأخ تركي بن ابراهيم القهيدان على ما سبق ان كتبته عن الأبيات الأخيرة من معلقة امرئ القيس جاء مقال الأخ القهيدان بعنوان (ويحدثني وكأنه ممتط جواده مع امرئ القيس بين السمر وعين ضارج) في العدد (11345)..
أريد ان أتناول تعقيب الأخ القهيدان في عدة نقاط.. وسأضطر إلى أن اركب الأسنة..
إذا لم يكن الا الأسنة مركب.
فما حيلة المضطر إلا ركوبها
وسأرد إليه بضاعته (كنت أفضل عدم استخدام نفس الأسلوب) ولكن مثل هذا الأسلوب هو أسلوب ناجع مع أمثال من يتجاوز ويتطاول على الآخرين دون وجه حق..
1- قال القهيدان: «اليوم وبعد ان قدمت أدلة دامغة في تحقيقي الأخير عن عين ضارج وأفردت حلقات في صحيفة الرياض وفي كتابي آثار وحضارة، والذي حسمت فيه معركة الباحثين ونقلت عين ضارج نقلاً تأديبياً بعد ان أغرقت القصيم بمياهها إلى مربضها الحقيقي ما بين اليمن والمدينة وثبتها هناك بالأدلة والبراهين يا ابن عبدالعزيز بن محمد السحيباني في جريدة الجميع «الجزيرة» ليزف على القراء تعقيبه علي في صفحة عزيزتي الجزيرة انتهى.. قبل ان أبدأ أرجو من الجميع ان يرجع إلى هذا الكلام في مقال القهيدان فلن يصدقه أحد إلا من قرأه.. إي والله .. لقد قرأته وهو منشور أمامكم.. ولولا أنني قرأته فلن أصدق أن مثل هذا الكلام يصدر عمّن يدعي (أنه باحث).. كلام مغرق في النرجسية.
لقد ضحكت.. ولكنه ضحك كالبكاء.. وأجزم أن كل من قرأه سيضحك.. ان سر ضحكي.. هو كيف يقول القهيدان (حسمت معركة الباحثين) ونقلت عين ضارج إلى الحجاز.. والباحثون يقولون إنها في الحجاز.. كيف يأتي مثل هذا (المتباحث) ويقول إنني أنا الذي نقلها وينسب إلى نفسه كل جهود الآخرين وعلماء البلدان الذين قالوا ان عين ضارج في الحجاز.. إن الاستخفاف بالعقول واستغفال الآخرين شيء فظيع يا تركي.. أرجوك قبل ان تأخذ قلمك وتعقب علي.. أرجوك ارجع إلى كلامك واقرأه وأجزم أنك لن تصدق به أنت نفسك فربما كتبته في لحظة نرجسية..!!
ابشروا يا أهل الحجاز.. يا من تعيشون على (الدرع العربي) لقد فجر القهيدان لكم الأرض عيوناً ونقل لكم عيناً جارية من القصيم.. أين وزارة المياه عن مثل هذا المشروع الجبار الذي وفره القهيدان لأهل الحجاز دون أي تكاليف ولو ريال واحد!!
2- أين الأدلة الدامغة وكيف أثبت القهيدان بالأدلة والبراهين عين ضارج بين المدينة واليمن.. لقد نسب القهيدان جهود الباحثين قبله وخصوصاً الشايع لنفسه وأوهم الآخرين بأنه قدم شيئاً جديداً (من عدة حلقات).. (لو غيرك قالها ياتركي)..!! أين اليمن من المدينة وكم بينهما من المسافات (مئات الكيلومترات).. ثم يأتي القهيدان ويقول (ثبتها). إن هذا يتطلب أن يكون موقع هذه العين محددا بإحداثيات دقيقة وأن تكون عيناً جارية في وقتنا الحالي حتى يطابق النقل من بحوث الآخرين الواقع.. نعم إن القهيدان يحدثنا وكأنه كان مع الركب الذين قدموا إلى المدينة من اليمن وعطشوا ووجدوا هذه العين وشربوا منها.. وكأنه حفر هذه العين بيده ووجدها.. هل يقصد القهيدان ب(الأدلة الدامغة) ما أورده ابن بليهد (فأما ضارج الذي في البيت الثاني من قوله:
تيممت العين التي عند ضارج
يفيء عليها الظل عرمضها طامي
فهو من جبال الحجاز (الشايع 234/2).
وهل تقصد بذلك ما أثبته عبدالله الشايع في كتابه نظرات في معاجم البلدان.. فكيف تنسب ما قاله الآخرون إلى نفسك..!!
3- إنني أتحدث عن شيء وتركي القهيدان يتحدث عن شيء آخر إنني أريد من القهيدان أن يورد لي كلمة واحدة في مقالي ذكرت فيها كلمة (عين) انظروا إلى تركي كيف يناقض نفسه ويقول: «قال السحيباني: ولكن لماذا يستبعد ان امرأ القيس قد عنى ان (الضارج) الشقة بالقصيم وكل الدلائل تشير إلى أن ضارج بالقصيم».. وهذا ليس اعتسافاً للنصوص ولكن اعتماداً على رأي الباحثين ومنهم الشايع الذي حدد ضارج بالقصيم. قلت (القهيدان): يا أخي أنت أيضاً قوّلت شيخنا الشايع عن عين ضارج ما لم يقله وهو حي يرزق. انتهى.
قلت: فانظروا أيها القراء إلى هذا التناقض العجيب وهذا الاستغفال الواضح لقد تحدثت عن (ضارج) ويتحدث القهيدان عن (عين ضارج)..!! فمن هو الذي لا يعرف الفرق بين الموقعين..!!
4- يطلب منا القهيدان وبإلحاح الرجوع إلى ما ذكره في كتابه الموسوم (آثار وحضارة) ولنطالع جهده الخارق في تحديد (عين ضارج)..
وقد رجعت إلى كتابه فوجدته خلطا للمعلومات ونقلاً عشوائياً غير مرتب من معجم بلاد القصيم، وكتاب نظرات في معاجم البلدان (ولي وقفة أخرى مع هذا الكتاب) يقول القهيدان في الصفحة 358 من الكتاب الثاني ما نصه (معلقاً على بيت امرؤ القيس السابق): أما المؤلف فلا يجزم بما ذكر العبودي وأيضا ما ذكره الوشمي في أن المقصود هنا بضارج القصيم سيما وأن الشيخ ابن بليهد فرّق بين هذين البيتين والبيت الوارد في المعلقة في منطقة القصيم بينما حدد ضارجاً الوارد ذكره في هذين البيتين في جبال الحجاز، كما أكد ذلك بعينه فقوله: «يفيء عليها الظل» يدل دلالة واضحة أن تلك العين يظلها الجبل إذا زالت الشمس بعد الظهر، لأن الفيء في اللغة: الظل بعد الزوال ينبسط شرقاً بينما القويطر سواء كان القويطر المشهور أو قويطير لا وجود له الآن فإنهما يقعان في جال يواجه الغرب والشمس مواجهة له من حين زوالها حتى تغرب فلا فيء على هذين القويطيرين هذا هو ما يلح علينا القهيدان في الرجوع إليه ويزعم أنه من جهده وتحديده..!!
ثم يقول مباشرة في هذا الكتاب وبدون أي فواصل:
يقول امرؤ القيس الكندي في آخر معلقته يصف سحابا مقبلاً عليه:
قَعْدتُ لهُ وصُحْبتي بين ضارج
وبيْنَ العُذيْبِ بُعْدمَا مُتأمَّلي
عَلى قطَنٍ بالشَّيْم أيْمنَ صَوْبه
وأيْسرُه على السِّتارِ فيذْبُل
ويقول الشايع: في آخر معلقة امرئ القيس وصف لنا سحابا أمطر على منطقة القصيم وما جاورها حيث قعد أمرؤ القيس وأصحابه بين «ضارج» وبين «العذيب» يرقب هذا السحاب الذي أمطر أيمنه على جبل «قطن» وأيسره على «السِّتار ويذبل» فذكر ان السَّيْل دمّر بلدة «تيماء» واقتلع نخيلها، كما اقتلع الأشجار التي حول «كتيفة» وأنه غطى جبل «المجيمر» بحيث لم يبق منه إلا رأسه الذي بدا مثل فلكة المغزل إلى غير ذلك من المواضع التي ذكرها..
كما سمع امرؤ القيس مكاكي الجواء صبيحة ذلك اليوم تغنى طرباً بهذا الغيث النازل انتهى». فهل فرقت يا تركي بين البيت الذي ذكر فيه عين ضارج وذكر فيه ضارج في المعلقة؟ لقد ذكرت البيتين الواردين في المعلقة ونقلت ما قاله الشايع دون تعليق ودون ان تنقل من قول الشايع ان المقصود ب«ضارج» الشقة في القصيم إنني أعرف الفرق بين هذين البيتين ولكنك أنت الذي خلطت بينهما وأوردتهما متتابعين ولم تذكر الفرق بينهما..!!
5- قال القهيدان في الحلقة الأولى من تحقيق عين ضارج (أقول: لا أتفق مع العبودي وأيضاً الوشمي فيما ذهبا إليه ويبدو لي أن الكاتب (الفراج) فات عليه الرجوع إلى بعض المصادر ويبدو أنه لم يطلع على ما ذكرته عن هذه العين في كتابي الموسوم (القصيم، آثار وحضارة، المجلد الثاني، ص356) فقد تحدثت بما فيه الكفاية أن ما وصفه امرؤ القيس في البيت السابق الذكر لا يدل من قريب ولا من بعيد على أن امرأ القيس قصد ضاري القصيم.. انتهى...
قلت: لي ملاحظتان على هذا الكلام وهي كلمة بما فيه الكفاية، وكلمة لا تدل من بعيد ولا من قريب تعني الجزم 100% ان عين ضارج ليست في الشقة وهذا من التلبيس والكلام دون أي بينة ولم يسق لنا القهيدان أي دليل سوى نقله لآراء الباحثين قبله وهذه الآراء ليست آراء قطعية وحتى هم لم يتجرأوا ويقولوا (تحدثنا بما فيه الكفاية).. وأجزم ان القهيدان نقل لنا فقط من بطون هذه الكتب ما نوهمه صحيحاً 100% وألغى أي رأي آخر يناقض وهمه..!! وحتى لم ينزل إلى الميدان ويحدد لنا موقع هذه العين بل قال إنها بين (المدينة واليمن).. فمرصى لهذا الفهم.. ومرحى لهذا التحديد الدقيق..!! وسأسوق لكم كلاماً متناقضاً للقهيدان حول هذا الموضوع.
6- قال القهيدان: (أنا لم أختلف مع الشيخ العبودي والدكتور الوشمي في تحديد عين ضارج، ولم أختلف معهما حول موقع ضارج بالشقة) انتهى.
وأقول ما رأيك ياتركي إذا اسقت لك كلاماً كتبته بكلتا يديك وتختلف فيه مع الشايع حول تحديد ضارج بالشقة هل تصدق وهل تقتنع فأنت ضمناً تعارض أيضاً الشيخ العبودي والدكتور الوشمي في ذلك.. لقد قلت في الحلقة الثانية من تحقيقك حول عين ضارج عند حديثك عن بيت امرئ القيس الوارد في المعلقة:
قعدتَ له وصُحْبتي بين ضارجٍ
وبينَ العذيب بُعدما متأمَّلي
ونقلت قول الشايع حين قال (في آخر معلقة امرئ القيس وصف لنا سحابا أمطر على منطقة القصيم وما جاورها حيث قعد امرؤ القيس وأصحابه بين «ضارج» وبين «العذيب» يرقب هذا السحاب الذي أمطر أيمنه على جبل «قطن» وأيسره على «الستار» ويذبل فذكر ان السيل دمر.. تيماء» واقتلع نخلها، كما اقتلع الأشجار التي حول كثيفة» وأنه غطى جبل «المجيمر» بحيث لم يبق منه إلا رأسه الذي بدا مثل فلكة المغزل إلى غير ذلك من المواضع التي ذكرها..
كما سمع امرؤ القيس مكاكي الجواء صبيحة ذلك اليوم تغني طرباً بهذا الغيث النازل قلت يا تركي «أنت الذي قلت الشايع باحث ميداني متمكن وأتفق معه في الكثير من المواقع التي حققها، ومع ذلك لا أجزم بتحديد ضارج في الشقة، فالمسافة بين الشقة وتلك الأماكن بعيدة والحكم في تحديد المواقع أمر صعب». انتهى.
فكيف تقول انك تتفق مع الأقوال التي تحدد ضارج بالشقة في قصيدة امرئ القيس.. ماهذا التناقض؟!
7- إذا كنت تكرر الأخطاء المطبعية وأنت تعلم أنها أخطاء مطبعية مثل كلمة (ليل عظيم) والمقصود (سيل عظيم) وكلمة (اعشافاً للنصوص) والمقصود (اعتسافا للنصوص) فإني أسألك عن كلمة (قويطير ظاري) التي أوردتها في مقالك هل الكلمة هي (ظاري) أو (ضاري).
كنت أعتقد أن إيرادها في الصفحة 358 من كتابك «القصيم آثار وحضارة» هي من باب الخطأ المطبعي ولكنك كررت إيرادها بنفس الخطأ في مقالك فهل يعقل أن باحثاً يبحث في المعاجم لا يعرف الفرق بين «ظاري» و«ضاري» هناك فرق بين السماء والأرض وبين هاتين الكلمتين واللغة العربية هي لغة الضاد..
8- قال القهيدان: «الصواب أن جبال قطن تقع جنوب غرب الشقة.. ثم إذا كان الستار هو (الربوض) حالياً حسب تحديدك فالصواب أنه يقع جنوب الشقة!» انتهى.. قلت: إي والله لقد قال القهيدان هكذا ومن لم يصدق فليرجع إلى مقاله.. إنني قد قرأت المقال عدة مرات حتى أصدق أنه قال إن الستار يقع «جنوب الشقة».. هل يعقل مثل هذا الكلام من رجل «يدعي» حسب كلامه أنه باحث..!! إنني أترك الحكم للقراء.. ومن يقل إن الستار جنوب الشقة فهو كمن يقول إن «عنيزة» تقع «جنوب شمال» بريدة..!!
9- استنكر القهيدان إيرادي للمسافة بين قطن والستار بـ50 كم وقال: يظهر لي أن السحيباني أورد لنا نفس المعلومات المغلوطة التي أودرها الشيخ العبودي في معجمه ج4 «ص1391، 1392»، وقال: إذا كانت المسافة بين قطن والستار 125 كم تقريباً فكيف يكون عرض هذا السحاب الذي رآه امرؤ القيس حوالي 50 كم؟» انتهى كلامه.
قلت: نعم لقد قرأت هذه المسافة في معجم العبودي والمسافة شيء محسوس يمكن قياسه من الخارطة والمعلومات عنها متوفرة في أي مكان حتى أنه يمكن قياسها من الطبيعة ثم إني أسألك سؤالاً واحدا.. من أين عرفت أن المسافة بين قطن والستار 125كم..؟ ومن أين أتيت بهذه المعلومة؟.. إن المقصود بالمسافة بين قطن والستار هي ليست المسافة من صخور جبل قطن إلى صخور جبل الستار.. إن المقصود بذلك هو المسافة الأفقية للناظر من بعيد «أي عرض السحاب» فإذا قلنا ان عرض السحاب يجب أن يكون مساوياً للمسافة المائلة والمتجهة من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي فإن هذا قياس خاطئ.. بل المقصود بذلك مسافة الأفق «من الشمال إلى الجنوب تماماً». فلو أخذنا خطاً مستقيماً من قطن واتجهنا بزاوية 90ْ إلى الجنوب حتى نوازي جبل الستار فإن هذه المسافة هي 50 كم أو يزيد عنها قليلاً فنقطة الانطلاق والنهاية تختلف من كل قائس إلى الآخر.. فأحدهم يأخذ المسافة من مركز جبل قطن إلى مركز جبل الستار والآخر يأخذها من منطقة جبل قطن إلى منطقة جبل الستار وليس المقصود بذلك دقة هذه المسافة - إن امرأ القيس عندما قال قصيدته لم يكن أمامه خارطة بمقياس رسم ولم يكن يحمل معه جهاز «ماجلان» على جواده أو ناقته وإنما كان يعتقد حسب مروره بهذه المنطقة أن جبل قطن موازٍ لجبل الستار من الشمال فخمن أن أيمن السحابة على جبل قطن وأيسرها على جبل الستار.. لنتصور شخصاً يجلس في الرياض ويرى سحاباً إلى الشرق فوق الدمام فسيقول إن أيمنه على الدمام وأيسره على الجبيل «وهذا على سبيل المثال للتقريب» ولكن لا يمكن أن يقول إن أيمنه على الدمام وأيسره على القصيم لأنهما ليستا متوازيتين للناظر إلى الأفق..!!
10- فعلاً لقد قلت: «معروف أن أمطار القصيم ونجد عامة تأتي سحائبها من جهة الغرب أو الشمال الغربي فلابد أنه جلس إلى الغرب تماماً من جبل قطن»، وكلمة «إلى الغرب تماماً» هي سبق قلم.. وكنت أعتقد أنها لن تغيب عن فطنة القهيدان.. فسبق اللسان يحدث دائماً وكل الحديث أو المقال سيدل على أنه سبق لسان أو قلم.. ولكنني لم أفهم حتى هذه الساعة كيف يقول لنا القهيدان إن «الستار» يقع جنوب الشقة يبدو أن لديه لبساً في الفهم أو اختلاطاً في الاتجاهات..!!
11- قال القهيدان: الصواب أن كُتيفة بلدة معروفة تابعة لمنطقة حائل وقد زرتها عدة زيارات في عام 1409هـ بصحبة فهد الشبرمي ووقفت على بعض معالمها الأثرية.. » انتهى كلامه.
قلت: هل معنى هذا يا تركي أنك قلبت كتيفة من جبل إلى قرية وهي الواردة في معلقة امرئ القيس لأنك زرتها عام 1409هـ؟ ربما يكون هذا فكل شيء جائز..!!
12- قال القهيدان: «قال السحيباني: أثبت العبودي بما لا يدع مجالاً للشك من النصوص القديمة أن ضاري حالياً هي ضارج التي عناها امرؤ القيس» ثم قال موجها كلامه لي: إذا كنت ترى أن عين ضارج وأنها في الشقة وأنها مثبتة بما لا يدع مجالاً للشك فانقض دليلاً واحداً من أدلتي».
قلت: وهل ذكرت يا أخي عين ضارح في الكلام الذي ذكرته.. إنني أقصد ضارج التي عناها امرؤ القيس في معلقته.. فعلاً أنت في وادٍ وأنا في وادٍ..!!
13- فعلاً لقد قلت: معروف أن الأمطار التي تقع على المنطقة الواقعة بين قطن وجبل «الستار» تتجه شمالاً من خلال بعض الأودية والشغايا مثل «وادي مبهل» الذي يصب في وادي الرمَّة.. وصحح القهيدان هذه المعلومة قائلاً: إن وادي مبهل يتجه نحو الجنوب وأشكره على تصحيح هذه المعلومة التي أوردتها بشكل غير صحيح..!! ولكنني ذكرت أن الأمطار في المنطقة الواقعة بين قطن وجبل الستار حيث ان هناك بعض الأودية تتجه نحو الشمال لتصب في وادي الرمة «الواقع بين قطن وجبل الستار» وذلك مثل «وادي الجرير» وبعض الأودية تتجه نحو الجنوب مثل وادي مبهل كما ذكر القهيدان وهو الصحيح.
14- قال القهيدان معلقاً على قولي بأن الشقة تسمى قديماً ب«ضارج» الصواب أن اسمه قديما ضاري أما حالياً فهو الشقة، وهذا ما يؤكده كبار السن من أهل المنطقة» انتهى كلامه.
قلت: ما رأيك لو سقت لك كلاماً لواحد من أهل المنطقة بل أهل الشقة الذين سكنوها منذ مئات السنين وتناقل آباؤه وأجداده هذا الاسم من جيل إلى جيل.. يقول الأخ محمد بن عبدالرحمن الفراج في العدد «11273» من جريدة الجزيرة معلقاً على تحقيقك حول عين ضارج ما يلي:
1- التواتر بأن ضارج الشقة جاهلي منذ أن سكن الحميدي بن حمد العنزي وأولاده الشقة بعد أن قدم إليها من بلده التويم في سدير منذ أربعمائة سنة تقريباً وكذا من سكنها معهم بعد ذلك من غيرهم وأجزم أن تواتراً بطول هذا الزمن لا يخطئ.
2- اكتشاف الأستاذ اللعبون للأشجار المتحجرة قرب الموقع يدل دلالة قاطعة على قدم الموقع ووجود الماء بوفرة فيه.
3- ما قيل عن ولادة امرئ القيس بنجد وصولاته وجولاته فيها.
4- ما سبق الإشارة إليه مما ورد في كتاب معجم ما استعجم للبكري من أن ضارجاً ماء لعبس ومعلوم سكن بني عبس للجواء.
إضافة إلى ما أورده الأستاذ الفراج في مقاله من مبررات..
وما أورده البكري في معجم ما استعجم ينافي كلامك من أنك لم تجد مرجعاً واحداً يشير إلى الشقة ب«ضارج»..
15- قال مؤلف معجم البلدان الشيخ الإمام شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الحمودي في كتابه معجم البلدان «رسم ضارج» ما يلي:
ضارجٌ: بعد الألف راء مكسورة ثم جيم يقال ضرجه أي شقه فهو ضارج أي مشقوق فاعل بمعنى مفعول. «ثم روى القصة التى أوردها القهيدان» حول الركب الذين جاءوا من اليمن يريدون المدينة فضلوا الطريق بين المدينة واليمن حيث قال: حدث إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن أشياخه أنه أقبل قوم من اليمن يريدون النبي صلى الله عليه وسلم فضلوا الطريق ووقعوا على غيرها ومكثوا ثلاثاً لا يقدرون على الماء وجعل الرجل منهم يستذري بفيء السمر والطلح حتى أيسوا من الحياة إذ أقبل راكب على بعير له فأنشد بعضهم:
ولما رأت أن الشريعة همها
وأن البياض من فرائصها دامي
تيممت العين التي عند ضارجٍ
يفيء عليها الظلُّ عرمضها طامي
- والعرمض - الطحلب الذي على الماء فقال لهم الراكب وقد علم ما هم عليه من الجهد من يقول هذا. قالوا امرؤ القيس قال: والله ما كذب هذا ضارج عنكم وأشار إليه فجثوا على ركبهم فإذا ماء عذب وعليه العرمض والظل يفيء عليه فشربوا منه ريّهم وحملوا منه ما اكتفوا حتى بلغوا الماء فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا يا رسول الله أحيانا الله ببيتين من شعر امرئ القيس وأنشدوه الشعر فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها منسي في الآخرة خامل فيها يجيء يوم القيامة وبيده لواء الشعراء إلى النار قلت هذا من أشهر الأخبار إلا أن أبا عبيد السكوني قال: إن ضارجاً أرض سبخة مشرفة على بارق وبارق كما ذكرنا قرب الكوفة وهذا خير بين اليمن والمدينة وليس له مخرج إلا أن تكون هذه غير تلك. وقال نصر ضارج من النقي ماء ونخل لبني سعد بن زيد مناة وهي الآن للرباب وقيل لبني الصيداء من بني أسد بينهم وبين سبيع فخذ من حنظلة» انتهى كلامه.
قلت: وهل جزم صاحب معجم البلدان أو غيره أن ضارج «بين المدينة واليمن» حتى يأتي تركي القهيدان ويجزم بأن ضارج هي التي بين المدينة واليمن وحتى هذه القصة عليها استدراكات منها:
1- هل من المعقول أن يردد هذا الركب قصيدة امرئ القيس في ضارج ثم من باب الصدفة يأتي رجل ويقول لهم ها هي ضارج قريبة منكم.. والله ما كذبكم امرؤ القيس. إلا أن يكون ضارج اسم جنس على أي عين ماء تنبع ثم سماها هذا الرجل في هذه اللحظة ضارج..!! أو أن امرأ القيس قصد ضارج غير هذه ومعروف منازل امرأ القيس والمواضع التي وردت كثيراً في شعره وهي في نجد.
2- البينة التي تمسك بها القهيدان هي قوله «يفيء عليها الظل».. ولكن لماذا يصر القهيدان على أن الظلَّ هو ظل جبل ويبدو لي من سياق القصة أن الظل هو ظل أشجار حول هذه العين أو ظل العرمض على الماء أو العشب الكثيف حولها والذي عادة يكون حول العين التي ينمو عليها الطلحب.
والدليل على ذلك قول الراوي: «فإذا ماء عذب وعليه العرمض والظل يفيء عليه» فمعنى هذا أنه ظل موضعي على العين وليس ظل جبل.
3- الدليل على تناقض القهيدان ووجود نصوص كثيرة تؤيد أن عين ضارج في القصيم قول القهيدان إن في نهاية مقاله ناقلاً نصاً عن ابن بري «ذكر النحاس أن الرواية في البيت يفيء عليها الطّلح».
ويقول في تحقيقه عن عين ضارج: ومع ذلك لا أستبعد هنا أن يكون المقصود بالفيء: أي فيء النباتات المحيطة بالعين سيما وأن ياقوت ذكر لنا أنه عندما وفد قوم من اليمن على النبي صلى الله عليه وسلم استظلوا بالطلح والسمر قرب عين ضارج عندما ضلوا الطريق. وأحب أن أنبه هنا إلى أن منطقة الشقة لا سمر فيها وإنما السمر في الحجاز».
قلت: ها أنت لا تستبعد أن يكون الفيء في النباتات فلماذا تجزم أن الفيء لا يأتي إلا من ظل الجبل.. ثم لماذا تستبعد نبات الطلح في رواية ابن بري والقصيم مشهورة بنبات الطلح.. ولماذا تقول لنا انك «حسمت معركة الباحثين» وتنقل عين ضارج نقلاً تأديبياً وليس هناك نص يجزم بوجودها في القصيم أو الحجاز.. أحب أن أقول لك رغم كل ما سقته من الدلائل إلا أنني لا أجزم أن المقصود ب«عين ضارج» هي العين الموجودة في الشقة واندثرت ولكنني وجميع الباحثين وأنت منهم نجزم أن المقصود ب«ضارج» في معلقة امرئ القيس: قعدت له وصحبتي بين العذيب وضارج أن المقصود «الشقة».
وعموماً فإن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.. وأشكرك جزيل الشكر لأنك دفعتني إلى الرجوع إلى المعاجم والكتب.. وهذا التوضيح اقتضاه مقام التعقيب وأسلوبه وان عدت فسأعود ولدي أوراق وتوضيحات أكثر من ذلك لم أفصح عنها.. و«إلى الميدان يا تركي القهيدان».
م. عبدالعزيز بن محمد السحيباني
المراجع:
1- ياقوت الحموي، معجم البلدان، طبعة دار إحياء التراث الإسلامي ص 222.
2- الشايع، نظرات في معاجم البلدان، الكتاب الثاني، ص 234.
3- القهيدان، القصيم آثار وحضارة، المجلد الثاني، ص356.
4- القهيدان، القصيم آثار وحضارة، المجلد الثاني، ص358.
5- الرياض، العدد 12814، 25 جمادى الأولى 1424هـ.
6- الرياض، العدد 12800، 11 جمادى الأولى 1424هـ.
7- الجزيرة، العدد 11273، 12 جمادى الأولى 1424هـ.
|