الموقف الأول:
وجد مع طالبة أثناء التفتيش المفاجئ الذي يفرض على الطالبات ممنوعات في حقيبتها.. وعندها تم تسوية الموضوع بينها وبين الإدارة بحضور والدتها.. وانتهى الموضوع على خير..
أتتني الطالبة.. تبكي بكاءً حاراً.. وعندما سألتها عن السبب أجابت لقد افتعلت هذا السلوك لكي أحرج والدتي.. يالهول ماسمعت؟ أتجازفين بسمعتك.. واحراج والدتك.. وبحقها من أجل ماذا؟!
لذا أصبحت هذه الطالبة ضمن نطاق اهتماماتي الفردية.. نظراً لسلوكها الانتقامي.. فتعددت اللقاءات الفردية.. ونشأت عنها علاقة مهنية.. فكشفت لي عن خبايا ومكامن من ترسبات للتنشئة الاجتماعية.. والمواقف التربوية السلبية مما يحز في النفس ويدمي سويداء القلب.. أن الأبناء حصاد بذور فاسدة تعهدناها بالرعاية من مياه عكرة لا تصلح للشرب..الآباء.. الأمهات.. فهم يساهمون في ظهور الأعراض المرضية من السلوك.. وتنمية العقد النفسية لتلهب سلوك أبنائهم بسياط الأمراض النفسية التي تقضي على ما تبقى من مشاعرهم الغضة.. وتعكر صفو قلوبهم النقية.. والنهاية متاعب نفسية.. وتخريب.. وفساد وانتقام ومواقف سيئة في الحياة..
الموقف الثاني:
عن سهل بن سعد الساعدي قال:
جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت فاطمة فلم يجد علياً فقال: أين ابن عمك؟!
فقالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج..
فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: أنظر أين هو..
فقال: هو في المسجد راقد.
فجاءه وهو مضطجع.. وقد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول له قم أبا تراب..
قال سهل: وما كان له اسم أحب إليه منه..
لنتأمل هذا الحديث الشريف لتتجلى صور من آداب التربية الإسلامية في الكيفية السليمة والصحيحة في حل المشاكل الزوجية ومواجهتها من التصدع الأسري.. واتساع اثارة الخلافات الزوجية التي إذا لم تغلق منافذ الشيطان.. فإنها تتسرب إلى البيوت الآمنة لتعكر صفو الهدوء إلى أبغض الحلال إلى الله سبحانه وتعالى..
وعندما يحدث خلاف بين زوجين ويخرج عن اطار المألوف أفضل ما يفعله الزوج ترك المنزل.. أو مغادرة المكان من قبل أحد الطرفين إلى مكان آخر حتى تهدأ الانفعالات كما فعل علي رضي الله عنه، فالزوج في لحظات الانفعال والغضب الشديدين لا يعي ما يقول قد ينطق بالتسريح ويترتب على هذا ما يزلزل استقرار عواطف الأسرة واستحالة المعاشرة الزوجية.
تجنب الأطفال تصادماً بركانياً من فحش القول.. ما يؤذي نفسيات الأبناء.. ليتغلغل في نفوسهم الغضة.. وظهور مزيد من العقد النفسية على السطح.. غالباً ما تظهر آثارها في حياتهم النفسية والاجتماعية والعلمية..
عندما سأل عنه عليه الصلاة والسلام وجده في المسجد..
أين ذهب الزوج للأهل؟ للأصدقاء..؟ للاستراحات؟
للمسجد!
وهنا لي وقفة استفهام كبيرة.. المسجد.. المكان الآمن لاحتواء غضب المسلم.. اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بعيداً عن جمرات شياطين الأنس والجن..
حتى الأهل في لحظات الغضب يفضل عدم الذهاب إليهم حتى لا تتسع دائرة الخلافات بسبب صلة القرابة والعاطفة.
ذهب إليه الرسول في المسجد!
وهنا تتضح أجمل وأرق معاني العدل والحكمة.. فالرسول وهو يجسد الأب عندما افتقد صهره.. وعرف سبب مغادرته البيت لم يساند ابنته بحجة العواطف أو ما يسمى بالكرامة. بل لم يجد حرجاً في البحث عنه وملاطفته بما أشاع السرور في نفسه بالرضا.
أين منا من سلوك الرسول صلى الله عليه وسلم في التدخل العادل والسريع في انهاء الصراع الزوجي وعدم الوقوف بجانب مصلحة ابنته رغم أنه لو أراد ذلك لتم له الأمر.
|