كلاَّ، تقول بريئةُ النظراتِ: كَلاَّ
يا مَنْ تلبَّس بالهَوَى يا من تولَّى
كلاَّ، تقول صغيرةٌ بُتِرَتْ يَدَاها
وتقولها الأشلاءُ: كَلاَّ، ثُمَّ كلاَّ
وتقولها زفراتُ طفلٍ لم يُشاهدْ
إلاَّ رُكاماً مُوحشاً وأباً أَشلاَّ
ويقولها سَعَفُ النخيلِ وكُلُّ غصنٍ
في واحةِ الأَمْنِ الوَريفِ يَمُدُّ ظِلاَّ
كَلاَّ، سمعتُ الشِّيحَ أرسلها نداءً
وسمعتُ ريحاناً يردِّدها وفُلاَّ
كَلاَّ، تردِّدها المآذنُ حين يعلو
صوتُ المؤذِّنِ يذكر اللهَ الأَجَلاَّ
ويقولها شهرُ الصِّيام رأى المآسي
ورأى هوىً في كلِّ زاويةٍ وغِلاَّ
وتقولها الرَّحَماتُ والقرآنُ يُتْلَى
وهلالهُ لمَّا بفرحتنا أَهَلاَّ
وتقولُها الصلواتُ بالأرواح تَرقى
ويقولها مَنْ ذاقَ مُتْعَتَها وصلَّى
يا مَنْ أَطَلَّ على رياضِ الحبِّ وَحْشَاً
قَتَل السعادة والرِّضا لما أَطَلاَّ
يا مَنْ تستَّرَ بالظلام، لقيتَ بُؤْساً
ولقيتَ قارعةَ الأسى ولقيتَ ذُلاَّ
ما زلتَ ترنو للسرابِ فليت شعري
أَنَّى ستلقى في سراب البِيدِ طَلاَّ
أيكون تهديمُ البيوتِ على الضَّحايا
في ليلةٍ من شهرنا الميمونِ حَلاَّ؟
يا مَنْ، ويا مَنْ، لستُ أَدري مَنْ أنادي
تَعِبَتْ نداءاتي، ووجُهكَ ما تجلَّى
إني أرى خَلْفَ الرُّكام خيالَ لِصّ
اللهُ أعلم مَنْ يكون وكيف حَلاَّ؟!
لا يعرف الإيمانَ، لا يسعى لخيرٍ
أبداً، وما عَرَف الطريقَ ولا استدلاَّ
من أين جاء، وما الذي يبغي، وماذا
ينوي بأمتنا، وكيف هَوَى وضَلاَّ؟
والى متى يمشي إلينا مَشْيَ ذئبٍ
زلَّتْ خُطاه إلى مرابعنا وزَلاَّ؟
وإلى متى يَقْتَاتُ من غَفَلاتِ قومي
يسري إلى الأوطانِ طاعوناً وسِلاَّ؟
أنا لا أرى إلاَّ خيالَ اللِّصِّ يبدو
شَبَحاً، علينا من تآمُرِه تَدَلَّى
إني أراه خيالَ شيطانٍ مريدٍ
وأراه يزحُفُ تحتَ جُنْحِ الليلِ «صِلاَّ»
وأحسُّ أنَّ الأرض حين رأتْه صاحتْ:
كَلاَّ، وحَسْبُكَ أن تقولَ الأرضُ: «كَلاَّ»