حكى لنا الزميل الكريم.. الجار العزيز في هذه الصفحة الدكتور حسن الهويمل الأسبوع الماضي ـ تجربته الصعبة مع حادث العطل الذي حصل في الطائرة التي كانت تقله وزملاءه أثناء سفرهم إلى (الخرطوم) لاقامة ندوة أدبية إسلامية.. ترعاها وزارة الثقافة السودانية.
* لقد شدني الموقف الصعب الذي وجد (أبوأحمد) وزملاؤه أنفسهم في (برزخيته) بين الحياة والموت.. لا ملاذ.. ولا مهرب.. ولا مَلْجَأ.. ولا مَنْجا.. إلا إلى الله.
لقد لفظ أحد محركات الطائرة أنفاسه الأخيرة دون إنذار أو إشعار.. بل زاد (طينتهم بَلّةً) أن إرهاص المأساة التي ـ بحمد الله ـ لم تقع؛ ضاعفت محنتهم بأنفاسه الدخانية ورعافه الخانق.. والذي جعل (مناديل) المضيفات المبللة.. تسهم في تخفيف الاختناق ريثما ينتهي الدخان..!
***
في مثل هذه الحادثة تكون الموعظة العملية أبلغ من ألف موعظة قولية.. إنها {سّاعّةٌ پًعٍسًرّةٌ مٌنً بّعًدٌ مّا كّادّ يّزٌيغٍ قٍلٍوبٍ فّرٌيقُ مٌَنًهٍمً} [التوبة: 117* لاشك أن المسافرين على تلك الرحلة.. قد عاشوا ساعة أو بعض ساعة.. نرجَح بكل كبَدٍ أو نكد نالهم في حياتهم عبر عشرات السنين التي عاشوها دون حادث كهذا..!
***
لقد أحيا مقال الدكتور حسن شيئاً من ذكرياتي عن حوادث السفر في الأرض وفي السماء.. وكلها مرعبة ولكن السلامة منها كادت تنسينيها.. لولا ما نقشه قلم أخي ( أبو أحمد) من مؤثرات ساقتني إلى أن أتذكر حادثتين شبيهتين بما حصل لرحلة الخرطوم.
ـ الأولى كانت قبل خمسين سنة.. وكنت عائداً من حجة الفرض.. مع الشيخين صالح بن غصون ـ رحمه الله ـ ومحمد بن سليمان ـ حفظه الله ـ على حساب بنات الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ نهاية الستينات الهجرية. في سيارة كبيرة من (سيارات الشركة العربية)... والتي أتصورها في سيرها كالذي يمشي على أصابع قدميه.. لعدم تناسب عجلاتها مع حجمها...!
انقلبت بنا السيارة.. ونحن مقبلون على (مرات) في سبيل العودة.. فانطلقت حناجرنا.. (ونحن تحت الأمتعة) تُدَوِّي بكلمة التوحيد «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداَ رسول الله» خاتمة لحياتنا..! وما هي إلا بضع دقائق حتى أدركنا أننا مازلنا أحياء.. ودون أن يصاب الا واحد منا بانفصال في كتفه.
وطالبنا السائق بأن يذهب هو أو مساعده إلى (مرات) ليستأجر لنا سفن الصحراء (الإبل) لنكمل الرحلة عليها وتلك منا سذاجة متناهية! وكُرْهٌ لسيارتنا..! إلا انه هَدَّأَ روعَنا ووعدنا ألا تزيد سرعته على سرعة «البعارين»! وهكذا كان حتى وصلنا إلى أهلنا سالمين ـ بفضل الله ـ
2 ـ الحادثة الثانية.. وهي الأصعب والأرعب.. وقعت لي قبل أربعين سنة تقريبا. وكنا مسافرين من الرياض إلى الطائف ومعي بعض الأقارب في الرحلة.
كنت جالساً في المقعد الملاصق للنافذة في الجهة اليمنى من الطائرة منسجما مع موضوع أقرؤه.. وما إن رفعت رأسي حتى فوجئت بالمحرك الذي لا يبعد عني أكثر من متر واحد.. قد اشتعلت النار في كل بوصة من جسده.. وارتفعت ألسنتها إلى عنان السماء.. مما أوحى إلى من شاهده من أصحاب اليمين.. بأن اجالنا اقتربت.. وأن ساعة الرحيل ـ على أي جنب كان في الله مصرعنا ـ قد حلت..!
لم التفت إلى أحد ممن في الطائرة إلا الذي بجابني.. أقول له.. وأنا أضحك متناسيا خطورة الحدث.. (ناظر يا سعد)! فاضطرب الرجل.. وحق له ذلك.. وأصبحت أهدىء روعه.. وأنا بين الخوف والرجاء..
تذكرت ـ كما تذكر أبو أحمد ـ أهمية قراءة الورد.. صباحا ومساء.. استنفرت ذاكرتي.. هل قرأت وردي اليوم..؟ كان جوابها نعم قرأتَه.. إذن سننجو ـ بإذن الله ـ من الكارثة وقد تحقق رجاؤنا في الله تعالى..
حيث نزلنا مطار الحوية بسلام.. ووجدنا استعدادات الحوادث جاهزة كسيارات المطافئ والاسعاف.. الخ.
أريد قبل نهاية هذه السطور أن أذكر نفسي وكل من يقرأ هذا الكلام بأمرين في منتهى الأهمية:
ـ وجوب التوجه في مثل هذه الحالات.. الى الله سبحانه بالدعاء والتضرع، وتقوية الحالة النفسية بالرجاء الكبير في رحمة الله وعفوه وانه تعالى وحده الذي يجيب دعوة المضطر اذا دعاه. وألا يعودوا بعد النجاة من الكرب كالذين قال الله فيهم {(فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) (العنكبوت:65)
وهذا مايقتضيه تحقيق التوحيد لله.
1 - المحافظة الدائمة على قراءة الورد المشروع.. صباحا ومساء. قبل طلوع الشمس وقبل غروبها.. ومنه التسبيح الذي أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم.. وهو أمر لأمته {(وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) (طـه:130)}.
وبعد:
فمازلت أذكر (شيبان) المدن والقرى النجدية أنهم كانوا يبقون في أماكنهم بعد صلاة الفجر لمدة تقارب الساعة يقرؤون فيها وردهم اليومي.. ويفعلون ذلك قبل الغروب.ولا شك أن قراءة الورد في الصباح والمساء تعتبر ـ بإذن الله ـ حصناً حصيناً للمؤمن في يومه وليلته.وحمداً لله على سلامة أحبتنا أبي أحمد الهويمل ورفاق الرحلة.. وحفظ الله الجميع.
|