اليتيم فيصل
هياء الدكان

تسارعت خطاي إلى ذلك المبنى شوقاً الى رؤيتهم.. لقد سمعت عنهم كثيراً.. عبرت الممرات الطويلة.. دخلت عليهم.. أطفال في عمر الزهور.. منهم الرضيع ومنهم من يحبو، ومنهم من يلعب مع أقرانه.. وآخرون يتناولون وجبة الإفطار.. ومنهم من تحمله تلك العاملة وقد علا صوت بكائه.وجوه كثيرة بريئة يملؤها النور.. وعيون شاردة لا تدري ماذا يخبئ لها القدر.. اقتربت من تلك المجموعة ثم شعرت بيد صغيرة تجر ردائي.. نظرت الى الأسفل فإذا بطفل كالبدر في أجمل صوره.. يتعلق بجانب السرير يريد ان يقف على أقدامه التي لم تقو بعد.. نطقت إحدى العاملات: إنه الطفل فيصل عمره تسعة أشهر، التفت نحوه فقبض على يدي بشدة.. جلست فرمى بنفسه عليَّ واحتضنني بقوة.. تأملته ثم نظرت الى باقي الأطفال، حبست دمعتي، فكلهم ينتظرون أسراً تحتويهم، تعوضهم، تشبع حاجتهم وعواطفهم، فمعاناتهم أعظم من معاناة اليتيم فذاك فقد أباه، أما هؤلاء فهم أيتام أهل فلا أخ ولا أخت ولا عم ولا قريب فمن لهم بعد الله؟! والأجر في تربيتهم لا يقل عن تربية اليتيم، قبَّلت فيصل وودعت الصغار، مع وعد بالعودة لكفالة احدهم، ومضت خمسة أشهر ووضعت مولودي وكان الوقت مناسباً للرضاعة وذهبت الى ذلك المكان، وسألت عن فيصل فقالوا لي: الله المستعان.. لقد غادرنا. كفلته أسرة قبل أيام ثم أحضروا لي طفلاً آخر اسمه «أنس» ملأ بيتنا أنساً وبركة وبدأ يتمتم ببضع كلمات، أبه.. أمه.. ماما.. بابا.. يا لها من كلمات جميلة تداعب شغاف قلب كل أم فكيف بطفل يحرم سني عمره من ترديدها واستشعار معانيها ويتربى تربية جماعية في الدُور الاجتماعية؟ ولكني ما زلت افكر في البقية ممن سيحتضنهم، فكلهم يريد اسرة يريد أماً، فلمَ لا تكونين أنت أُخية لا حرمك الله الأم وجمعنا واياك في جناته انت من يفوز بالأجر العظيم بجوار المصطفى صلى الله عليه وسلم في الجنة ان أخلصتِ النية لله عز وجل. قال صلى الله عليه وسلم: من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات. ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وقرن بين أصعبه السبابة والوسطى، رواه أحمد.