في مر حلة من مراحل العمر - وأخص منها البواكير الذهبية له - قد لايستطيع الإنسان منا طرح رأيه أمام الجمهور، فضلاً عن فرضه، وذلك لأسباب تتصل بظروف نشأته، والعوامل المحيطة ببيئته. وليس من شك أن الفرد يتفاعل ذاتياً مع حاجاته ورغائبه في فترة من فترات عمره، وهي حاجات ومطالب يتداخل فيها المعقول مع غير المعقول، والممكن تحقيقه من الأماني والمستحيل، والمحظور شرعياً واجتماعياً وقيمياً وما سواه، بل ربما قدم فيها نزوات الصبا، ونزق الشباب على غيرها، دونما تأمل أو تفكير، ذلك أن الناشئ بطبيعته ميّالٌ إلى الاستقلال والانفراد، لأنه يرى في هاتين الصفتين طريقاً إلى إثبات الذات، وإن أخطأ الوسيلة.أما إذا تولى ذلك العهد - قاصداً عهد الشباب - وانصرفت أيامه الِعذاب، وتصرمت لياليه المعسولة، بكل ما انطوت عليه من جدٍ أو هزل، ومرح أو ترح، وقوة أو ضعف، دفنا معه آمالنا العراض، وآلامنا الجسام، ودخلنا مرحلة جديدة من الصراع، تختلف اختلافاً كبيراً عن سابقتها، بل ربما تعارضت منطلقاتها، حيث تتكاتف على الإنسان مسؤولياته وتتعاظم، وتتسابق طموحاته وتتزاحم، فينصرف كل الانصراف عن ماضيه، ويتناسى حاجياته! بالأمس التي يواجهها غيره في الحال.
هذه هي المشكلة التي تواجه القائمين على التربية والتعليم في نظرتهم إلى الجيل الناشيء، إذ يصطحبون في تعاملهم مع حاجاته وقضاياه نسق المعاملة التي عوملوا بها، وحوكموا عليها.هذه النظرة هي التي دعت - بلا ريب - الإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة الرياض إلى تبني فكرة مشروع «مجلس شورى للطلاب». هذا المشروع له أبعاد كثيرة، ودوافع مختلفة ليس المجال هنا مجال بسط لها، وشرح أهدافها، أوسرد للظروف الذي دفع بالإدارة أن تكون رائدة فيه، متطلعة نحو تحقيقه، على أكثر من محور، وفي أكثر من منتدى.
* المحاضن التعليمية والتربوية مجال تصنع فيه الاتجاهات، وتتبلور فيه الأفكار،وتنمى فيه الشخصيات، و ناشئتنا عالم مسكون بالعبقرية والنبوغ، يمتلكون كثيراً من الرؤى النافذة، وجملة من الأفكار الجليلة، لكننا - والحق يقال - سفهناها، وانشغلنا عنها بشرح المناهج والمقررات، ولا غرابة أمام هذا الواقع أن يكون مصير هذه الرؤى إلى التلاشي والاضمحلال، أو الانحراف والاعوجاج، ولعل هذا بالفعل ما حصل، لكننا نظل نتجاهل ونتغافل عن دراسة هذه الظواهر وأسبابها، ونقول أنها غير مبررة، لأننا نشعر بالإحراج أو الضعف في تنفيذ المطالب، وتلبية المقاصد في ضوء الواقع الذي نعيشه.
- أسرار النجاح، وأسباب الإخفاق - في أي بلد ولدى كل أمة - مرهونة بما تقدمه المؤسسات التعليمية. والنجاح لا يقاس إلا بما تمتلكه الأمة من قوى مادية ومعنوية إذا قورنت بما يمتلكه الآخرون، وما عداها لا يعدو كونه فضلة في بابه، يدعونا لإبرازها سد النقص، وستر جوانب التقصير. والسياسة التي يتبعها المربون تركز أكثر ما تركز على تنشئة الفتى المطيع الصامت، المنفذ لكل ما يقال له، دون أي اعتراض أو تفكير، فيصدق كل ما يقال له دون أي مناقشة، فنشأ أثر ذلك جيل من الإمعات المقلدين، نحن بلاشك من بقاياه، نحارب كل دعوة إلى الانطلاق،ونقف أمام كل توجه ينشد التتحرر من أرباق التقليد، لننتظر بهذا النهج أنماطاً من الشورى تفرض علينا، وتتزيا برداءٍ غير ردائنا، وها نحن نكابد بعضاً منها.
* على مؤسساتنا التربوية إن هي أرادت أن تنشئ جيلاً حراً أن تحاول تحسين مستوى التفكير لديه، وأن تنمي الوازع الداخلي الذي يشكل نواة الإرادة الصلبة العاملة على تنمية المواهب، وتحسين المهارات، وتكوين النفسيات الإيجابية لديه. نعم ليس من الضرورة أن نتفق مع كل ما يطرح في هذه المجالس الشورية، لكن من الضرورة أن يوفر لها جواً حراً نقبل من خلاله الاختلاف وتعدد وجهات النظر. فالقبول لما يطرح لن يعود بطبيعة الحال إلى الطالب فحسب، بل سيتعداه إلينا، لأننا من خلال الطرح والحوار والمناقشة نعرض آراءنا وأفكارنا للتشذيب والتهذيب والإضافة والنقد، ومما لا يقبل الجدل أن الناشئ، في ظل هذا الجو، ومن خلال الممارسات والصور اليومية التي يشاهده ويتفاعل معها تتشكل شخصيته وتتراكم خبراته.
- في ظل هذه الخطوة الرائدة من الإدارة تجاه الطالب سيشعره - بلاشك - بالمسؤولية تجاه نفسه ودينه وأهله ومجتمعه، وسنرى ذلك الإنسان الحر الذي يمتلك حساسية فائقة نحو الواجبات المترتبة عليه، ونحو الامكانات المتاحة له، ليتحمل بذلك تبعة أقواله وأفعاله في كافة المحافل.
- في ظل هذه الخطوة الرائدة سيترسخ في أذهان الناشئة أن بروز الفردية والاستبداد في الرأي جالب للإنسان العديد من الأضرار والعيوب، مثل الأنانية، والعزلة، والعجز عن التلاؤم مع الآخرين، والغرور والشعور بالضعف.
- في ظل هذه الخطوة الرائدة ستسود في البيئة المدرسية روح الانفتاح والمصارحة والمشاركة والتعاون لدى جميع المنتسبين إليها من إداريين ومعلمين وطلاب، وسنجد الجميع مساهماً في بلورة ما يمكن أن يلتزموا به في سلوكهم داخل المدرسة وخارجها، لا أن يتلقوا ذلك بقوة النظام.
|