* إن الذين يكتبون ويتحدثون، قد يكونون من أصحاب الهوى، فيسيئون، ويجدون من يصدقهم وينقل عنهم ما يقولون، وليس من حق الناقل أن يؤكد ما نقل، لأنه لم يكن شاهداً على العصر، وإنما هو يسعى إلى تجميع أحاديث، ليجعل منها قصصاً يقدمها إلى الناس، ومعياره اجتهادات ومحاولات، قد يكون فيها الصحيح، وقد يكون فيها الخطأ، فيتحمل الكاتب وزر الإساءة، وحسن الظن بالناس مقدم على سوء الظن بهم.!
* إن المسلم الكيّس، هوالذي يتحرى الصدق، ويبعد عن كل ما فيه شكوك واتهامات؛ لأن الكتابة أمانة، مثل أشياء كثر، تحملّ الإنسان أماناتها.. وقديماً قالوا: «وما آفة الأخبار إلا رواتها».! إنني لست ضد الذين يعملون ويجتهدون في البحث عن الحقائق، من خلال أداء رسالتهم في الحياة في أي موقع، أداءً لواجب، وقياماً بدور، وتحقيقاً لهدف سام.. وإذا حاد الإنسان السوي عن أمانته، وترك لخياله ونفسه العنان، ليكتب ما يعنّ له، وكل ما يسمع دون تمحيص وغربلة وترجيح ما تطمئن إليه النفس، فذلك هو الوقوع في المحظور.. أما إذاعني بالصحيح المؤكد، فتلك هي الرسالة الحقة والمثلى، التي تحسب لصاحبها.. وما أصدق ذلك التوجيه الكريم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك».. وما أكثر ما يحسب على الإنسان ما يقترف، بحسن نيّة أو بسوء نية.. وما أقل ما يحسب له، لأن الإنسان خطّاء.!
ونحن المسلمين الصادقين مانفتأ ندعو الله أن ينصرنا على أنفسنا حتى لانضل.
* لست مثبطاً لجهود الذين يعملون في أي حقل في الحياة، غير أني أريد منهم، بل الحق يريد منهم أن يكونوا صادقين، كما أمر الله عباده، والبعد عن التشكيك والتجسس، والالتزام بالتوجيه النبوي: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».!
* بعد هذا التمهيد، فإني أبدأ بالوقوف على الجوانب السلبية التي قدمها الأخ النهاري، وأذكر شيئا من حسنات وإحسان الشيخ محمد سرور من خلال ما عرفت وسمعت من ثقات، وذلك إحقاقاً للحق.. ويبقى ألاَّ نحمل الألفاظ أكثر مما تحتمل، وألاّ نجنح إلى تفسيرات لا يعوّل عليها، لأنها غير مؤكدة، ولا يوجد ما يدعمها سوى التخمين والحدس، وهذا لا يليق، لأنها ليست أدلة، ولا يوجد ما يؤكد سلامة ما ذهب إليه المجتهد.
* أقول إن الإثارة الصحافية، لا تصلح في كل ما تقدمه الصحافة.! وقد قيل: «لكل مقام مقال».. والحديث عن شخصية بارزة مثل الشيخ محمد سرور الصبان، وليس مناسباً أن يقحم في العرض التأويلات، ولا الشكوك الفرضية، ولا التخمينات.. كل ذلك ينقص من قيمة الحديث حين يدخل فيه منطق اللامعقول.
* ولعل الأحاديث، التي أشيعت عن إفلاس خزينة الدولة، في عهد الملك سعود، ووزير المالية يؤمئذ الشيخ محمد سرور الصبان رحمهما الله، قد اكتنفها شيء من أخطاء وتحريف.. لأن وزارة المالية لم تتوقف عن صرف مرتبات الموظفين، كما أنها واصلت الوفاء لالتزاماتها المالية للشركات التي كانت تقوم بالمشروعات التي أمر جلالة الملك سعود بتنفيذها في الرياض- بإنشاء مباني الوزارات وغيرها من المرافق الحكومية لتنتقل الوزارات إلى الرياض، بجانب مشروعات تنمية كثيرة في مكة والمدينة، قد وجدوا ما يؤكد أن الخزينة ليست مفلسة رغم وجود عجز في الميزانية العامة للدولة، وفي مقدمتها إيرادات البترول ومشتقاته والجمارك والاتصالات السلكية واللاسلكية والزكاة والدخل وغيرها؛ كانت مستمرة مما يجعل نظرية الإفلاس قائمة على إجراء محاسبي ربما أنه كان غير دقيق، كما يؤكد ذلك بعض الذين عاصروا تلك الفترة من موظفي وزارة المالية.!
* ذكر الدكتور النهاري، أن الشيخ محمد سرور، أقيل من منصبه كوزير للمالية، ثم غادر البلاد إلى مصر، غير أن المعروف أنه سافر في إجازة، ثم لم يعد للوطن بعد انتهائها ومكث في مصر سنوات؛ رأى الملك فيصل رحمه الله خلالها إسناد وزارة المالية إلى سموه نفسه، وظل الشيخ محتفظاً بجواز سفره الدبلوماسي بصفته وزيرالمالية حتى استقالت الوزارة، فكتب إلى جلالة الملك سعود رحمه الله بطلب تعميد وزارة الخارجية بمنحه جوازاً دبلوماسياً باعتباره المستشار الخاص لجلالته؛ حيث سبق أن صدر أمر ملكي بتعيين معاليه مستشاراً قبل أن يعيِّن وزيراً للمالية، وأمر الملك سعود بتحقيق رغبة معاليه، مما يؤكد احتفاظه بمنصب وزيرالمالية.
* وفي مصر، التي أقام فيها الشيخ محمد سرور نحو أربع سنوات، بعد تركه لوزارة المالية، وضعت على باب داره الحكومة المصرية حراسة.. ثم رأت الحكومة المصرية في عهد الرئيس جمال عبدالناصر، أن تستميل الرجل، ودعي ليكتب مقالات عن المملكة العربية السعودية،. ورغم وجود شخصيات سعودية كبيرة يومئذ بمصر لكنها لم تدع إلى كتابة ما يراد منها.. واعتذرالشيخ الصبان عما طلب منه، وحينئذ أبعدت الحراسة التي كانت على باب بيته، وطلب منه أن يغادر البلاد ففعل.!
* ولعل الملك فيصل قد اطلع وسمع، عن محاولة حكومة مصر استمالة الشيخ، ليكتب عن بلده، وأنه اعتذر بأدب، ويومئذ استدعاه الملك فيصل إلى المملكة، وتقديراً لذلك الموقف النبيل الذي يحسب للرجل الكبير، بعدم التعريض لبلاده بما يسيء إليها، فولاه شؤون رابطة العالم الإسلامي.!
|