أعتقد أننا لا نختلف نحو أهمية وجوب توافر استراتيجية تنسيق بين جهة وأخرى، خصوصاً إذا ما قامت هذه الاستراتيجية على مبدأ تقديم المصلحة العامة على الخاصة، وآثرنا هذه المصلحة على أهواء النفس، تلكم الأهواء التي إذا ابتل بها المرء نال خطر ذلك الناس أجمع، فالواجب ان تتحد وتتلاقى الرؤى والأفكار الرصينة والحكيمة، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وألا نقدم على فعل أشياء تكون هي الأخرى مليئة بالمتناقضات على الدوام، وما ينتج جراء ذلك من سلبيات ومخاطر اجتماعية، يقع في شراكها المجتمع وهو لا دخل له فيها، ولا بأس من التغاضي أحيانا وقبول شيء من هذا إن كان وقتياً في وقوعه، خصوصاً إذا قوبل بمبادرة سريعة نحو العدول عنه إذا ما اعترفنا بعد ذلك بخطأ وقوعه، ومن ثم عدنا إلى طريق الصواب، ولعل هذه المقدمة هي بداية لطرح نقدي يعني جهتين حكوميتين، إحداهما ترفض فكرة ما، وأخرى تقبل بها أو تجيزها إن صح القول، وتلكما الجهتان المعنيتان بهذا الأمر، هما وزارتا التعليم العالي والصحة، فوزارة التعليم العالي لا تسمح بدراسة الطلاب في العلوم الطبية لدى بعض البلدان، ويأتي على النقيض في عدم ذلك السماح، استقطاب وزارة الصحة كوادر طبية مختلفة المهن من تلك البلدان للعمل داخل مستشفياتنا ومراكزها الصحية، التي لا تسمح بها وزارة التعليم العالي للدراسة فيها أو حتى قبول شهادات التخرج من جامعاتها في حال قيام بعض من الطلاب السعوديين للدراسة فيها، وهذا التناقض يذكرني بالاشتراطات المرورية من قبل الإدارة العامة للمرور منذ زمن، حينما فرضت قيداً على سن سائقي سيارات الأجرة «التاكسي سابقاً» من السعوديين، من ألا يقل أعمارهم عن خمس وثلاثين أو أربعين سنة، غافلة أو غاضة الطرف عن سائقي سيارات الليموزين في تلك الفترة، وهم من الأجانب من قيادة سيارات الأجرة وهم دون تلك الفئة العمرية.
فما هي يا ترى الأسباب غير الواضحة لنا؟ ولماذا يحدث لنا ذلك ونحن على أرض واحدة؟ ويجمع هاتين الوزارتين مجلس وزراء واحد، ويشتركان في العديد من المجالس واللجان، التي من خلال ذلك يسعون للاتفاق حول نهج مسيرة ونهج موحد يخدم هذا الوطن، أم أن هناك عدم توافق بينهما، وإحدى ذلك هو ظهور مثل هذه السلبية غير المقبولة، فإن كانت وزارة التعليم العالي تتخذ هذا النهج بموجب معرفتها وخبرتها الوظيفية والتعليمية، لأسباب لا بد ان يقتنع بها غالبية المجتمع، وهي ان الجامعات التي تحظر الدراسة فيها ولا تقبل شهادات التخرج منها، هي في الواقع مؤسسات تعليمية هشة في مخرجاتها، إضافة إلى تدن في مستوى تأهيل أساتذتها، فإن كان الأمر كذلك فإنه من باب أولى ألا تندفع وزارة الصحة وتستقدم ومن ثم توظف داخل مستشفياتها ومراكزها الصحية كوادر طبية تخرجت من تلك الجامعات المحظورة من قبل وزارة التعليم العالي، وهنا ان كانت وزارة التعليم العالي على حق فيما ذهبت إليه، فإن من حقنا على وزارة الصحة المطالبة بترحيل الكوادر المستقدمة من تلك البلدان وعدم توظيف أمثالهم لحين التأكد من المصادر البشرية التي تعتقد أو تجزم لنا وزارة التعليم العالي انهم أهل للعمل في بلادنا، أما إن كانت وزارة الصحة على حق، وانه يثبت لها الأمر كفاءة تلك الكوادر الموظفة، خصوصاً وان ذلك يتم بعد قدومهم من خلال طرح امتحانات علمية طبية يتطلب الأمر معه اجتيازها، من قبل هيئة التخصصات الطبية أو إدارات الشؤون الصحية بالمناطق، فإن اللوم في هذه الحالة يقع على عاتق وزارة التعليم العالي، وعلينا مطالبتها بعدم حرمان أبنائنا من دراسة الطب في جامعات تلك البلدان، خصوصاً وان جامعاتنا وكلياتها المتخصصة في دراسة كافة العلوم الطبية لا تقبل سوى نسبة ضئيلة جدا لا تتفق واحتياجنا الوطني من الخدمات الطبية المطلوبة، خصوصا الضروري منها، ودليل ذلك ما تستقدمه وزارة الصحة من كوادر طبية سنوياً من معظم أنحاء العالم المسموح الدراسة فيها وغير المسموح، ومعروف أننا ربما نحتاج إلى قرابة مائة عام لنحقق اكتفاء ذاتياً من الكوادر الطبية، إذا ما مضت جامعات وزارة التعليم العالي نحو نهجها الحالي في آلية القبول والعدد الاستيعابي للقبول أيضا، إننا أمام قضية وطنية، نطالب من خلالها هؤلاء المسؤولين بدءاً من الإجابة على هذه الأسئلة المحيرة، وإيضاح حقائق هذه التوجهات مهما تكن الصعاب، ومن ثم نطالب بأن تبدأ هاتان الجهتان في إعادة هيكلة أنشطتها لتتفق مع المنطق والواقع، وما يحقق معه تطلعات ولاة أمرنا ومجتمعنا ككل.
(*) الباحث في شؤون الموارد البشرية
|