يرصد الكاتب اليهودي في صحيفة هآرتس الياهو سلبتر ما تتداوله دوائر واسعة من المثقفين اليهود في العالم الذين يرون أن إسرائيل اليهودية تمثل ضرراً على يهود العالم، وان حل الدولة الواحدة للفلسطينيين واليهود هو الحل الوحيد المتاح الآن بسبب سياسة اسرائيل.
ويقول الكاتب في مقالته التي نشرتها هآرتس وننشرها كدليل على تنامي هذه الفكرة بين اليهود: في الوقت الذي يواصل فيه الوزراء والنشطاء السياسيون الاسرائيليون واليهود تفسير كل شيء على أنه انتقاد لاسرائيل -مثل استطلاع الرأي المثير للاشكال الذي أظهر ان الأوروبيين يرون في الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني الخطر الأكبر على السلام العالمي، تركز الأوساط اليهودية الليبرالية في الغرب على خطر مغاير. في الغرب تظهر في الآونة الأخيرة مقالات (غالبيتها لكتاب ومحللين يهود) تتساءل ان لم يكن من الخطأ إنشاء دولة لليهود على أساس عرقي- على اعتبار انها دولة يهودية. المستوطنات كما يقولون قضت على كل إمكانية للفصل الجغرافي بين اليهود والفلسطينيين، ولذلك لم يعد هناك حل سوى الدولة ثنائية القومية.
التعبير الصريح لهذه الفكرة يظهر في عدد تشرين الأول من مجلة «نيويورك ريفيو اوف بوكس» الواسعة التأثير في مقالة كتبها المحلل اليهودي المعروف البروفيسور توني جانيت. في ختام هذا التحليل المفصل حول الوضع كتب يقول ان «تصرف الدولة التي تعتبر نفسها دولة يهودية يؤثر على الطريقة التي يرى فيها الآخرون اليهود. الحقيقة المحزنة هي ان اسرائيل اليوم سيئة لليهود.. تحويل اسرائيل إلى دولة ثنائية القومية لم يكن مسألة سهلة، إلا ان الأمر ليس مستحيلا كما يبدو للوهلة الأولى، العملية بدأت في واقع الأمر.. ولا يوجد لدى أي شخص أعرفه فكرة أفضل.. الدولة الثنائية القومية في الشرق الأوسط ستفرض على الولايات المتحدة ان تكون زعيمة حازمة. توفير الأمن لليهود والعرب على حد سواء سيستوجب تدخل قوة دولية.. إلا ان البدائل أكثرسوءاً.
في الصحف والمجلات الأخرى يمكنك ان تجد أفكاراً مشابهة بسبب خيبة الأمل من سياسة اسرائيل في المناطق.
الكاتب الصحفي المخضرم في صحيفة «واشنطن بوست» ريتشارد كوهين كتب مؤخرا: «في الحرب الخالدة ضد اسرائيل تكتب الغلبة لأعدائها.. هذا تحذير التاريخ لاسرائيل». وفي الصحيفة الليبرالية اليسارية «دي نيشن» ظهرت في هذا الشهر مقالة لدانيال لازر تحت عنوان «حل الدولة الواحدة» أي دولة واحدة للشعبين اليهودي والفلسطيني. المقالة انتهت بالعبارات التالية: «ملاحقون من قبل الحاخامات ومهددون من قبل الإرهابيين الانتحاريين ومحاطون بأسوار الشوفينية القومية.. هذا هو وضع الاسرائيليين الذين لايوجد أمامهم خيار إلا ربط مصيرهم برجل جبروتي مثل شارون. هذا منطق تصعب مواجهته، إلا أنه انتحار أيضاً، إلا إذا ظهر شخص ما واكتشف كيفية الخروج من هذا القفص الايديولوجي.
في الاسبوعية النيويوركية «جويش ويك» الأكثر انتشارا في الصحف اليهودية نشرت يوم الجمعة الماضي مقالة بقلم المحرر الرئيس جيري روزبلوت تحت عنوان «هناك حاجة إلى رسالة أكثر نعومة». «الرؤية العسكرية الاسرائيلية غير مجدية في الصراعات الدائرة حول موضوع الشرق الأوسط في الجامعات الأمريكية.
كلما كان الموقف أكثر رقة ولطفا كلما ازدادت احتمالية تضامن الطلاب اليهود أكثر مع الدولة اليهودية». المقالة أوردت مقتبسات من أقوال أحد قادة حركة «هيلل» الذي قال: «إن المدافعين عن اسرائيل لاذعون جداً وغير مستعدين للاعتراف بان دولة اسرائيل تواجه مشكلة مع المستوطنات والاحتلال والمواقف الأخرى الخلافية محولين المزيد من الطلبة إلى شكاكين».
المنظمات اليهودية الكبرى في أمريكا تواصل الوقوف خلف اسرائيل، إلا ان الكثيرين من أعضائها العاديين يبدون عدم الارتياح المتزايد من سياسة حكومة اسرائيل الجبروتية ومن تعزز التأثير الديني-القومي الشوفيني في اسرائيل.
أطراف لاسامية في أوروبا وأمريكا تستقل سياسة اسرائيل في المناطق لمصالحها. هذه السياسة توفر أصداء أخرى لدعايتهم ولكنها ليست سببا لزيادة اللاسامية بالضرورة.
اللاسامية ليست السبب الأساسي من وراء تزايد الانتقادات ضد اسرائيل في الأوساط الليبرالية الأوروبية. صحيح ان في أوروبا اليوم المزيد من أوجه اللاسامية ومن الواضح ان الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني يسهم في ذلك، يتوجب الاعتراف في ان التعاطف في الخمسينيات والستينيات تجاه اليهود (واسرائيل) الذي تولد من مشاعر الذنب قد انخفض جدا في الجيل الذي لم يعد يذكر الكارثة النازية.
إلا ان المقارنة الصحيحة في قياس اللاسامية ليست بالمقارنة بين عام 2003 وما كان في عام 1963 وإنما بين 2003 وبين 1933 حيث كانت أوروبا وادعة قبل ظهور هتلر.
هذه المقارنة أيضا ستبرز التغير الايجابي سياسيا واجتماعيا في وضع اليهود.
|