(1)
أوجسُ خِيفةً من واقع الشباب الراهن، ناهيك بمستقبله، إذا استمرّت منظومةُ التربية الحالية بمراحلها المختلفة في تصْعيد أرقام البطالة بدلاً من تخفيضها إلى الحد الأدنى المقبُول اقتصادياً واجتماعياً وإنسانياً، وإذا استمرت الفجوةُ الحالية بين الشباب والقطاع الخاص، الذي يشكو تمرد الشاب على شروط وضوابط الوظيفة مهنياً وأخلاقياً، ويردُّ الشاب على ذلك بالشكوى من عدم تفهّم ربِّ العملِ لظروفه و(خصوصياته) الفردية والاجتماعية!
***
وأُوجسُ خِيفةً على براعم هذه الأمة بسبب إهمال بعض الأُسر لواجبها التربوي للطفل في المنزل وخارجه، وإيكال هذه المهمة للخادمة مُروراً بثقافة الشارع بما فيه ومَنْ فيه رمُوزاً وممارساتٍ!
***
وأُوجِسُ خِيفةً على الشباب، لأن مادة (التربية الوطنية) التي علّقنا عليها الآمالَ فَشِلتْ حتى الآن في إيجاد (عقدٍ) من الولاء بين وجدان الشاب وعقله من جهة، وبين وطنه تاريخاً وجغرافية وحاضراً وغداً وطموحاً وهموماً وآمالاً من جهة أخرى وأخشى أن يتحولَ (الفريقُ الرياضي) في نفوس بعض الشباب إلى (وطنٍ) داخل الوطن إنْ لم يكنْ قد فعل!
***
وأُوجِسُ خِيفةً على الشباب حين يرى أحدُهم (الوظيفة الحكومية) وكأنها مصباحُ علاء الدين السحري الذي يفرشُ له أرضَ المستقبل سُندساً وحريراً! وأوُجسُ عليهم خِيفةً ما دامت معظمُ الجامعات تتعامل مع مناهجها وكأنها غاية لا وسيلة لردْم الهوة بين تأهيل الشباب واحتياجات المجتمع، وأتمنى أن نتذكَّر، أبداً أن (صناعة المواطن) لا (النفط) هي الأولوية الأولى في بناء هذا الوطن، ومن هنا ينبع الخوفُ (من) المواطن و(عليه) ويبرز الرجاء بعد الله (منه) و(له)!
***
وإذا كان مستقبلُ التعليم الجامعي في بلادنا كحاضره، فإن لي في ذلك قدْراً من التشاؤم، بسبب الفجْوة القائمة بين مخْرجات الجامعات واحتياج سوق العمل له، المتخصِّصة أو شبه المتخصِّصة.
(2)
وأخيراً، أُوجسُ خِيفةً من ممارسة الحكْم المطلق سلْباً على الفضائيات، وكأنها غولُ يكبِّل إرادتنا، فلا نملك حيالها خِياراً ولا نقْصاً! وأعتقد أنه لا بد من التمييز العادل بين عطاء الفضائياتِ، فليستْ كلُّها أوعيةَ شرٍّ، بل يمكن أن يكون بعضها رافداً من روافد بناء معرفة المشاهِد وثقافته ووعيه، وبعضُها الآخر يَحْسُنُ تجنبه، لأن سيئاته يُذْهبن حسناته! والمشاهدُ الحصيف في كل الأحوال هو الحكمُ الأول والأخير، فيختارُ من القنوات ما لا يتعارض مع القيم الايجابية للإنسان السويّ، ويدعُ ما سوى ذلك. أما الذي يعتمد أحادياً على القناة الفضائية دون غيرها من روافد المعرفة والثقافة والوعي الأخرى، وفي مقدمتها الكتاب، فإنه يؤهِّل نفسه للخُسران عقْلا وروحاً وثقافة!
(3)
راودني حلم الدكتوراه أكثر من مرة منذ عودتي من أمريكا مبتعثاً في أوائل السبعينات الميلادية لكن ذلك الحلم توارَى قبل حين لإنشغالي بتكاليف العمل في مواقع مختلفة، كما أنني بتُّ الآن أكثر اقتناعاً مع توالي الزمن وتراكم الخبرة أن إكمالَ مشْوار الدكتوراه أو هجْره أمرٌ تكيفه الغاية منه، فإن كانت الغايةُ إحرازَ حرْف (الدال) جَاهاً أو وَجَاهةً، فلا حاجة لي به ولا حاجة له بي، وإن كانت الغايةُ استثمار الحصاد المعرفي والثقافي المترتب على الدكتوراه فيما ينفعُ نفسي والآخرين، مثل العمل ضمْن هيئة التدريس الجامعي أو ما في حكم ذلك، فإن للدكتوراه عندئذ جدوى تسوِّغُ المضيَّ في مشوارها حتى النهاية!
(4)
أحمدُ الله أن العمل َ الوظيفي لم يكن في يوم من الأيام عائقاً لعشْقي الأزلي ركْضاً في مسارات الحرف الجميل، بل أزعم إن المناخَ الوظيفي بتبعاته وهمومه وشؤونه، يمدّني بجرعات من الفكر والتأمل أوظِّفها بين الوقت والآخر في المسار الكتابي، وإنني لحريصُ كلَّ الحرص ألا تكون الكتابةُ عبئاً على أداء الواجب الوظيفي، فهي والعمل منظومتان متناغمتان في حياتي لا تعارضَ بينهما ولا تناقضَ ما دمت بإذن الله قادراً على رسم الحد الفاصل بينهما: توقيتاً وقدْراًَ.
|