Sunday 9th november,200311364العددالأحد 14 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

« الجزيرة » تعرض لأخطر فتن العصر مع اكتشاف أحدث خلايا الإرهابيين ولكن هذه المرة في مكة المكرمة: « الجزيرة » تعرض لأخطر فتن العصر مع اكتشاف أحدث خلايا الإرهابيين ولكن هذه المرة في مكة المكرمة:
فتنة «التكفير» خطر يهدد مستقبل الأمة ويقوّض وحدتها واستقرارها
الأفكار المنحرفة للتكفيريين قادتهم لمحاولات التفجير والقتل والتخريب في مكة المكرمة وفي شهر رمضان
التكفير اعتقاد خاطئ نجم عنه استباحة للدماء المعصومة وانتهاك للأعراض والحرمات

  * الجزيرة - التحقيقات:
فتنة عظيمة وضلال مبين ذلك الخطر الذي بدأ بالظهور والاستشراء في المجتمع على أيدي بعض الغلاة وأصحاب الفكر المنحرف ألا وهي فتنة «التكفير» بما تحمله من خطر محدق بالأمة كلما سمحت له بالانتشار بين أبنائها.
وفتنة التكفير لم تكن وليدة هذا العصر وإنما تراوحت بين المد والجزر طوال التاريخ الإسلامي وابتلي المسلمون بين الحين والآخر بمن يكفر ويفسَّق ويُزندق ويُخرج من الملة دونما برهان من الله ورسوله وإنما لأهواء وضلالات في النفوس نسأل الله لنا ولأمتنا الإسلامية السلامة منها ومن شرورها.
ولخطورة هذا الموضوع وأهميته ولما أبرزته الأحداث الأخيرة من أهمية كشف زيغ هذا الضلال وبيان بطلانه فإننا عبر «الجزيرة» أردنا أن نفتح الباب على موضوع «التكفير» الذي استسهله البعض واستساغه آخرون رأوا فيه فرصة لرمي الآخرين بهذه التهم العظيمة متى ما اختلفوا معهم في الرأي أأخرجوا ما في نفوسهم من هوى.
ولم يسلم من التكفير في نظر غلاة العصر الحديث سوى النزر اليسير من المسلمين أما البقية فكفار في نظرهم حتى وإن شهدوا ألا إله إلا الله وأقاموا الصلاة وصاموا وحجوا.
فالحكومات الإسلامية كافرة -في نظرهم- وحكامها كافرون وعلماؤها مثلهم ويلحقون بهم رجال أمنهم وموظفي إداراتهم... ويتدرج الأمر إلى كاتب القصة الفلاني الكافروالصحفي الكافر والصحيفة الكافرة التي يحرم شراؤها أو قراءتها ليصل الأمر بهم وعلى سبيل المثال إلى تكفير ممثلي وكتاب مسلسل تلفزيوني مثل «طاش ما طاش» ويتعداه إلى تكفير كل من يشاهده أو يستمتع بحلقاته وهذه نماذج فقط وهناك الكثير ومن أراد أن يطلع على القائمة فليعد إلى بعض منتديات الانترنت أو منشورات التكفيريين التي يتداولونها ويوزعونها في نشرات ورسائل جوال مما لايتسع المقام لحصره أو احاطته فالقائمة تطول وتطول.
نعم هؤلاء المكفرون موجودون بيننا وهناك من يؤمن بهم ويصدقهم حتى خرج من بين ظهرانينا فتية من أبنائنا ركبو موجة العنف والقتل والإرهاب بعد أن أعمت بصائرهم فتنة «التكفير» وأجازوا لأنفسمه قتل إخوانهم المسلمين واستحلوا دماءهم لأنهم أصبحوا في نظرهم المنحرف الضال من العصاة والكافرين، وسوغوا لأنفسهم التفجير والإرهاب باسم «الجهاد» حتى في مكة المكرمة والمدينة المنورة أمامهم في ذلك «المقدسي» بكتبه الضالة المضلة ومن على شاكلته من المكفرين والمنحرفين الذين غرروا بشباب الأمة وأبعدوهم عن جادة الصواب وعن الحق المبين.
ومن خلال «الجزيرة» يسعدنا أن نعرض لواحد من أحدث المطبوعات التي حذرت ولازالت تحذر من مخاطر فتنة التكفير وتضع بين أيدي الشباب الأدلة والبراهين التي تبين ضلالة المكفرين ذلكم هو المطبوع الذي قام بإعداده الأستاذ أحمد بن عبدالعزيز بن محمد التويجري والذي ننشره اليوم أملاً في تعميم الفائدة وفتح الحوار والتلاقي بين أبناء الشعب الواحد في هذا الشهر الفضيل الذي فجعنا فيه بظهور بعض من يحملون ذلك الفكر المنحرف وهم يعدون العدة لترويع الآمنين في مكة المكرمة من معتمرين وزوار ثم في الرياض وكل ذلك خلال شهر رمضان الكريم.
حيث يقول الأستاذ التويجري في بداية عرضه للموضوع: إن التكفير شره عظيم وخطره جسيم وعواقبه وخيمة ونهايته مؤلمة وفواجعه لاتنتهي وأنه لا يسارع في التكفير من كان عنده مُسْكَةٌ من ورع ودين، أو شذرة من علم ويقين، ذلك بأنَّ التكفير وبيلُ العاقبة، بشع الثمرة، تتصدعُ له القلوب المؤمنة، وتفزع منه النفوس المطمئنة. يقول العلامة الشوكاني في «السيل الجرار» (4/58): (وهاهنا تسكب العبرات، ويناح على الإسلام وأهله بما جناه التعصب في الدين على غالب المسلمين من الترامي بالكفر، لا لسنَّةٍ، ولا لقرآنٍ، ولا لبيان من الله، ولا لبرهان، بل لمَّا غلتْ به مراجل العصبية في الدين، وتمكن الشيطان الرجيم في تفريق كلمة المسلمين لقَّنهم إلزامات بعضهم لبعض بما هو شبيه الهباء في الهواء، والسراب بقيعة، فيا لله وللمسلمين من هذه الفاقرة التي هي أعظم فواقر الدين، الرزية التي مارزئ بمثلها سبيل المؤمنين... والأدلة الدالة على وجوب صيانة عرض المسلم واحترامه يدل بفحوى الخطاب على تجنب القدح في دينه بأي قادح، فكيف إخراجه عن الملة الإسلامية إلى الملة الكفرية، فإن هذه جناية لاتعدلها جناية، وجرأة لا تماثلها جرأة، وأين هذا المجترئ على تكفير أخيه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلمُ أخو المسلم، لايَظلمه ولا يسلمه» وقوله صلى الله عليه وسلم:«سبابُ المسلمُ فُسُوق وقِتالُهُ كُفْر»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ دِماءَكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام».
أدلة وبراهين
والأحاديث الخاصة بالترهيب العظيم من تكفير المسلمين كثيرة نذكر منها على سبيل المثال:
- قوله صلى الله عليه وسلم::«أَيُّما امْرىءٍ قَالَ لأَخِيه: يا كافر، فقد باءَ بهَا أحَدُهُما، إنْ كان كما قال، وإلاَّ رَجَعَتْ عَلَيه».
- وقوله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ دَعَا رَجُلاً بالكُفْرِ، أو قال: عَدُوُّ اللهِ، ولَيْسَ كذلك إلا حَارَ عَلَيه». رواهما مسلم في «صحيحه».
- وقال صلى الله عليه وسلم: «لايَرْمِي رَجُلٌ رَجُلاً بالفُسُوق، ولا يَرْمِيه بالكُفْر، إلا ارتدَّتْ عَلَيه، إن لم يَكُنْ صاحِبُهُ كذلِك».
- وقال صلى الله عليه وسلم: «ومَنْ رَمى مُوْمِناً بِكُفْرٍ، فهو كقَتْله» رواهما البخاري في «صحيحه».
والتكفير حكم شرعي، مرده إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ثبت إسلامه بيقينٍ، لم يزُلْ عنه ذلك إلا بيقينٍ، ولا يجوز إيقاع حكم التكفير على أي مسلم، إلا ما دل الكتاب والسنة على كفره - دلالة واضحة، صريحة بينة، فلا يكفي في ذلك مجرد الشبهة والظن.
إلا بشروط
وقد يَرِدُ في الكتاب والسنة ما يُفهم منه أن هذا القول، أو العمل، أو الاعتقاد: كفر، ولا يُكَفَّرُ به أحدٌ عيناً إلا إذا أقيمت عليه الحجة بتحقق الشروط وانتفاء الموانع وهي:
«أولاً: العلم، وذلك بأن يعلم المسلم أن هذا العمل كفر ويقابله من الموانع الجهل فمتى حلّ الجهل ارتفع التكفير، قال سبحانه وتعالى:{(وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء:115)
فمن لم يتبيّن له الأمر فلا تُنزل نصوص الوعيد عليه.
ثانياً: قصد القول أو الفعل الكفري، والمراد به تعمد القول أو الفعل ويقابله من الموانع الخطأ، أي: أن يقع القول أو الفعل دون قصد كسبق اللسان أو السهو ويدل عليه قوله تعالى:{رّبَّنّا لا تٍؤّاخٌذًنّا إن نَّسٌينّا أّوً أّخًطّأًنّ} [البقرة: 286] قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: «قد فعلت» رواه مسلم.
ثالثاً: الإختيار ويقابله من الموانع الإكراه قال تعالى:{مّن كّفّرّ بٌاللَّهٌ مٌنً بّعًدٌ إيمّانٌهٌ إلاَّ مّنً أٍكًرٌهّ وّقّلًبٍهٍ مٍطًمّئٌنَِ بٌالإيمّانٌ} [النحل: 106].
رابعاً: التأويل غير السائغ: ويقابله من الموانع التأويل السائغ، ويدل عليه اتفاق الصحابة على عدم تكفير الذين استحلوا الخمر لأنهم تأولوا قوله سبحانه:{ )لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا) (المائدة:93)
بجواز شرب الخمر من التقوى والإيمان. رواه عبدالرزاق في مصنفه بإسناد صحيح، على أن الخمر محرمة تحريماً قاطعاً ولكن الصحابة لم يكفروهم لوجود الشبهة وهي تأويلهم للآية الكريمة..
وهذا كله لأن التكفير حق لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ومن لم يُصبْ في إطلاقه فإنه يعود إليه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ قال لأخِيه يا كافِرُ إن كان كما قال وإلا حَارتْ عليه». انظر «مخلفات في التوحيد» ص15.
وإليك أخي القارئ الكريم: بيان هيئة كبار العلماء في المملكة عن خطر التكفير وضوابطه.
(بيان هيئة كبار العلماء)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد درس مجلس هيئة كبار العلماء في دورته التاسعة والأربعين المنعقدة بالطائف ابتداء من تاريخ 2/4/1419هـ ما يجري في كثير من البلاد الإسلامية وغيرها من التكفير والتفجير، وماينشأ عنه من سفك الدماء، وتخريب المنشآت، ونظراً إلى خطورة هذا الأمر، وما يترتب عليه من إزهاق أرواح بريئة، وإتلاف أموال معصومة، وإخافة للناس، وزعزعة لأمنهم واستقرارهم، فقد رأى المجلس إصدار بيان يوضِّح فيه حكم ذلك نصحاً لله ولعباده، وإبراءً للذمة وإزالة للبس في المفاهيم لدى مَن اشتبه عليه الأمر في ذلك، فنقول وبالله التوفيق:
أولاً: التكفير حكم شرعي، مرده إلى الله ورسوله، فكما أن التحليل والتحريم والإيجاب إلى الله ورسوله، فكذلك التكفير وليس كل ما وصف بالكفر من قول أو فعل، يكون كفراً أكبر مخرجاً عن الملة.
ولما كان مَرَدّ حكم التكفير إلى الله ورسوله لم يَجُز أن نُكَفِّر إلا مَن دَلَّ الكتاب والسُّنَّة على كُفْرِه دلالة واضحة، فلا يكفي في ذلك مجرد الشبهة والظن، لِمَا يترتب على ذلك من الأحكام الخطيرة، وإذا كانت الحدود تُدَرَأ بالشبهات، مع أن ما يترتب عليها أقل مما يترتب على التكفير، فالتكفير أولى أن يُدْرَأ بالشبهات؛ ولذلك حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من الحكم بالتكفير على شخص ليس بكافر، فقال:«أيُّما امرئ قال لأخيه، يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال وإلا رجعت عليه». وقد يَرِد في الكتاب والسنة ما يُفْهَم منه أن هذا القول أو العمل أو الاعتقاد كُفْر، ولا يكفَّر مَن اتصف به، لوجود مانع يمنع من كفره، وهذاالحكم كغيره من الأحكام التي لا تتم إلا بوجود أسبابها وشروطها، وانتفاء موانعها كما في الإرث، سببه القرابة -مثلاً- وقد لايرث بهالوجود مانع كاختلاف الدين، وهكذا الكفر يكره عليه المؤمن فلا يكفر به. وقد ينطق المسلم بكلمة الكفر بغلبة فرح أو غضب أو نحوهما فلا يكفر بها لعدم القصد، كما في قصة الذي قال: «اللهم أنت عبدي وأنا ربك». أخطأ من شدة الفرح. والتسرُّع في التكفير يترتب عليه أمور خطيرة من استحلال الدم والمال، ومنع التوارث، وفسخ النكاح، وغيرها مما يترتب على الرِّدَّة، فكيف يسوغ للمؤمن أن يُقْدِم عليه لأدنى شبهة.
وإذا كان هذا في ولاة الأمور كان أشد؛ لما يترتب عليه من التمرُّد عليهم وحمل السلاح عليهم، وإشاعة الفوضى، وسفك الدماء، وفساد العباد والبلاد، ولهذا مَنَعَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم من منابذتهم، فقال: إلاأن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان». فأفاد قوله: «إلا أن تروا»، أنه لا يكفي مجرد الظن والإشاعة.
وأفاد قوله: «كفراً» أنه لايكفي الفسوق ولو كَبُر، كالظلم وشرب الخمر ولعب القمار، والاستئثار المحرم. وأفاد قوله: «بواحاً» أنه لايكفي الكفر الذي ليس ببواح أي صريح ظاهر، وأفاد قوله: «عندكم فيه من الله برهان». أنه لابد من دليل صريح، بحيث يكون صحيح الثبوت، صريح الدلالة، فلا يكفي الدليل ضعيف السند، ولا غامض الدلالة. وأفاد قوله:«من الله» أنه لا عبرة بقول أحد من العلماء مهما بلغت منزلته في العلم والأمانة إذا لم يكن لقوله دليل صريح صحيح من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذه القيود تدل على خطورة الأمر.
وجملة القول: أن التسرُّع في التكفير له خطره العظيم؛ لقول الله عز وجل: {(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (لأعراف:33)
ثانياً: ما نَجَمَ عن هذا الاعتقاد الخاطئ من استباحة الدماء وانتهاك الأعراض، وسلب الأموال الخاصة والعامة، وتفجير المساكن والمركبات، وتخريب المنشآت، فهذه الأعمال وأمثالها محرَّمة شرعاً بإجماع المسلمين؛ لما في ذلك من هتك لحرمة الأنفس المعصومة، وهتك لحرمة الأموال، وهتك لحرمات الأمن والاستقرار، وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم، وغدوهم ورواحهم، وهتك للمصالح العامة التي لاغِنى للناس في حياتهم عنها.
وقد حفظ الإسلام للمسلمين أموالهم وأعراضهم وأبدانهم وحرَّم انتهاكها، وشدَّد في ذلك، وكان من آخر مابلَّغ به النبي صلى الله عليه وسلم أمته فقال في خطبة حجة الوداع: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا». ثم قال صلى الله عليه وسلم: «ألا هل بلَّغت؟ اللهم فاشهد» متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم:«كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه». وقال عليه الصلاة والسلام:«اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة». وقد توعَّدَ الله سبحانه مَن قَتَلَ نفساً معصومة بأشد الوعيد، فقال سبحانه في حق المؤمن:{(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء:93)
وقال سبحانه في حق الكافر الذي له ذمة في حكم قتل الخطأ: {إلاَّ أّن يّصَّدَّقٍوا فّإن كّانّ مٌن قّوًمُ عّدٍوَُ لَّكٍمً $ّهٍوّ مٍؤًمٌنِ فّتّحًرٌيرٍ رّقّبّةُ مٍَؤًمٌنّةُ} [النساء: 92] فإذا كان الكافر الذي له أمان إذا قُتِل خطأً فيه الدية والكفارة، فكيف إذا قُتِل عمداً، فإن الجريمة تكون أعظم، والإثم يكون أكبر. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من قَتَلَ معاهداً لم يَرح رائحة الجنة».
ثالثاً: إن المجلس إذ يبيِّن حكم تكفير الناس بغير برهان من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وخطورة إطلاق ذلك، لِمَا يترتب عليه من شرور وآثام، فإنه يُعْلِن للعالم أن الإسلام بريء من هذا المُعْتَقَد الخاطىء، وأن ما يجري في بعض البلدان مِن سفك الدماء البريئة، وتفجير للمساكن والمركبات والمرافق العامة والخاصة، وتخريب للمنشآت هو عمل إجرامي، والإسلام بريء منه، وهكذا كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر بريء منه، وإنما هو تصرُّف مِن صاحِب فكر منحرف، وعقيدة ضالَّة، فهو يحمل إثمه وجرمه، فلا يحتسب عمله على الإسلام، ولا على المسلمين المهتدين بهدي الإسلام، المعتصمين بالكتاب والسُّنَّة، المستمسكين بحبل الله المتين، وإنما هو محض إفساد وإجرام تأْباه الشريعة والفطرة؛ ولهذا جاءت نصوص الشريعة قاطعة بتحريمه محذِّرة من مصاحبة أهله. قال الله تعالى:{(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ) (البقرة:204)
(وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ) (البقرة:205)
(وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) (البقرة:206) } [البقرة: 204 - 206].
والواجب على جميع المسلمين في كل مكان التواصي بالحق، والتناصح والتعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، كما قال تعالى:{ (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة:2)
وقال سبحانه: {(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:71)
وقال عز وجل:{وّالًعّصًرٌ (1) إنَّ الإنسّانّ لّفٌي خٍسًرُ (2) إلاَّ الذٌينّ آمّنٍوا وّعّمٌلٍوا الصَّالٌحّاتٌ وّتّوّاصّوًا بٌالًحّقٌَ وّتّوّاصّوًا بٌالصَّبًرٌ (3)} [العصر: 1 - 3]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«الدين النصيحة». قيل: لمَن يا رسول الله؟ قال:«لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامَّتهم»، وقال عليه الصلاة والسلام: مَثَل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمَّى»، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
ونسأل الله سبحانه بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلى أن يَكُفَّ البأْس عن جميع المسلمين، وأن يُوَفِّق جميع ولاة أمور المسلمين إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد وقمع الفساد والمفسدين، وأن ينصر بهم دينه، ويعلي بهم كلمته، وأن يُصلِح أحوال المسلمين جميعاً في كل مكان وأن ينصر بهم الحق إنه وليُّ ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved