آه.. ثم.. آه من جهلنا أو إن صح التعبير لقوانين السير في الشوارع الرئيسية والفرعية وداخل الأحياء وفي كل مكان حقيقة إنه لجهل مطبق يتمتع به ومع أسفي الشديد جميع شرائح المجتمع الكبير والصغير، المتحضر والجاهل إلا من رحم الله. تقابل أحياناً إنساناً يوحي لك مظهره أن هذا الإنسان قد بلغ من الفهم في فن التعامل مع الآخرين في قيادة «السيارة» مبلغه وإذا به يتصرف كواحد تشك أنه يحمل رخصة قيادة «سيارة» أصلاً بمخالفته لقواعد المرور وتجاهله وعدم إعطاء الآخرين أدنى درجات إنكار الذات من الاحترام.
للاستشهاد أعرض موقفين فقط عن سوء التعامل مع قواعد المرور التي لا حصر لها وهي «بالجملة» تحدث كل يوم بل كل ساعة أينما اتجهت.
الموقف الأول:
شارع رئيسي في أحد منعطفاته التي لا يمكن إلا «لسيارة» واحدة أن تمر فيه تزاحمت السيارات عند المنعطف وحال كل واحد منهم يقول الأحقية في التجاوز لي وقد غاب قبل كل شيء، أقله احترام بعضنا لبعض، وأوجبه معرفة قواعد السير في المنعطفات، ونحن بهذا الشكل المخجل حضارياً أتى من خلف جميع «المخالفين» عفواً أعني المتزاحمين على المنعطف صاحب سيارة نوع «جيب» وحال تصرفه الغير أخلاقي يقول «أنتم تتزاحمون على المنعطف انظروا إلي» وقام بقفز الرصيف وهو ينظر إلينا ونحن ننظر إليه بنظرتين متباينتين، نظرته هي الإعجاب بنفسه من تصرفه ونظرتنا إليه هي الازدراء لإنسان لا يعي من المسؤولية شيئا ويحمل من الجهل والتخلف ما فيه الكفاية، وكاد أن يتسبب في وقوع حادث يذهب ضحيته أبرياء.
الموقف الثاني:
أحد أقاربي في أحد المنعطفات نفسها كان يريد الدوران من المنعطف - في الشارع الرئيسي طبعاً - المنعطف لاتجاه واحد فقط أي أن الذي يأتي من الاتجاه المقابل غير مسموح له قطعياً الدوران، ومع ذلك إذا بسيارة تأتي من الاتجاه المقابل محاولة الدوران في هذا المنعطف وبكل جرأة وتجاهل لقواعد السير لا مثيل له وعدم احترام لأحقية الآخرين مما تسبب في وقوع حادث تصادم لعدد من السيارات من بينهم سيارة صاحبنا حيث باعها في «التشليح» بثمن بخس وهذا ما حصل بالفعل.
التحليل
من خلال هذين الموقفين اللذين لايدلان على أدنى مستوى للتحضر في القيادة، في الطرقات، في مدينة مثل مدينة الرياض «العاصمة» وبلا شك ان مثله يتكرر في باقي المدن ومتى وأين سنتعلم دروسا في القيادة؟ متى وأين سنحترم بعضنا البعض عند قيادتنا للمركبات؟ متى نعي أن السبب الرئيسي في وقوع كثير من الحوادث المؤلمة هو عدم إحساسنا بالمسؤولية تجاه الآخرين؟ ما فائدة أن أحمل في جيبي رخصة قيادة مدة صلاحيتها خمس سنوات وأنا لا أفقه قواعد وتعاليم السير المعنوية منها والتطبيقية وفن القيادة لمسافة خمسة كيلو مترات؟
المصيبة وهي «مصيبة» بالفعل أننا حتى هذه اللحظة لا يعي الكثير منا كيفية التعامل مع قواعد المرور أثناء السير في الطرقات، بل إنني على يقين أن هناك فئاماً من الناس كثير لا يدركون أن ما يقومون به مخالفةً مرورية أصلاً.
احصائيات الحوادث التي تنشرها الجهات المختصة مرعبة بحق وعندما تُطلع أحدهم على هذه الاحصائيات وتقول له انها بلغت هذا العام من الوفيات كذا والمصابين كذا، والمعاقين إعاقة دائمة كذا، ومن الخسائر المادية كذا، يكون رده وبكل برود ودون احساس بالمسؤولية «صحيح!! لا حول ولا قوة إلا بالله.. ما هو السبب»، وهو أحد المساهمين بشكل فعال في هذه الاحصائيات دون وعي منه أو إدراك ومثله كثير الذين لا تعني تلك الاحصائيات لهم شيئاً لا من قريب ولا من بعيد وخصوصاً من المتهورين الصغار الذين لم يعوا بعد المسؤولية تجاه أنفسهم فضلاً عن احساسها تجاه الآخرين دون حسيب أو رقيب، وفي اعتقادي أن الذي جرأهم على ذلك سواءً كانوا أباءً أو أبناء هي مقولة «من أمن العقوبة أساء الأدب».
كما نتمنى من «الإدارة العامة للمرور» حينما تنشر احصائيات الحوادث أن تنشر قبل ذلك وبشكل دوري قواعد السلامة المرورية في الشوارع الرئيسية في المدينة وعند الإشارات خصوصاً، وكذلك التركيز على لائحة العقوبات للمخالفات المرورية، وليس على شكل مقالات فقط بل برسوم توضيحية لأن هناك شريحة لا تفهم إلا بالرسم فقط لأن ليس لها جلد على القراءة وإن القارئ لا يفهم ما هو المطلوب منه. ولماذا يُكتفى بأسبوع المرور فقط لتعليم الناس قواعد المرور؟ وهل هذا الأسبوع المكثف كاف لاستيعاب الناس لمسؤولياتهم تجاه تطبيق تعليمات وقواعد المرور طوال العام؟ كأن المخالفات لا تحدث إلا في هذا الأسبوع وبقية السنة برد وسلام.
حلول مقترحة
هل الحل في أن تعقد ندوة قد تسمى «بين النظرية والتطبيق، أو قوانين القيادة والتطبيق، أو كوارث القيادة، أو تهور وكوارث، أو اهمال وكوارث..» تتبناها الإدارة للمرور ومندبون من «مجلس الشورى، وزارة التربية والتعليم، وزارة الشؤون الإسلامية «شؤون المساجد»، وزارة الإعلام، شركات التأمين..» أو من ترى أن لهم علاقة وتطرح فيها جميع أسباب التخلف في القيادة، أسباب ارتفاع نسبة الحوادث في المملكة حتى أصبحت من أوائل الدول في كوارث الحوادث ونسبها، تصاريح القيادة وما أدراك ما تصاريح القيادة «المؤقتة» التي تصرف للصغار والخروج بالتوصيات والحلول الحاسمة التي لا يكون نصيبها الحبس في الأدراج بل تنفيذها بمتابعة من الجهات المختصة دون تهاون أو تسويف.
المشكلة متشعبة وخطيرة جداً ولو فصلنا فيها لطال المقام لكن السؤال الأخير هنا هو هل نحن كآباء ومسؤولين كلٌ في موقعه نعي بحق عظم المشكلة أم هي مجرد مشكلة تطرح في اجتماعات غرسها لا يثمر أو في مجالس يراد بها قتل الوقت ثم نخرج بعد ذلك إلى واقع مرير لم يتغير طعمه ولا لونه؟
آمل أن لا تكون مجرد فضفضة على ورق من قلب يؤلمه هذا الطوفان الذي لا يزال مستمراً في تدفقه دون توقف يُزهق في طريقه الموحش أرواحاً بريئة ويُؤلم آخرين ربما مدى الحياة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
|