الشباب في كل أمة هم عمادها الذي عليه تقوم وقوتها التي بها تنهض وذخيرتها التي تلجأ إليها عند الشدائد بعد الله عز وجل ومن الخير لهم ولبلادهم ان يشبّوا أقوياء مبرئين من أسباب الضعف ودواعي الانحلال.
ومن الوفاء لهم ولأمتهم ان يجدوا الناصح الأمين الذي يرشدهم إلى طريق الهداية ويأخذ بأيديهم إلى أسباب المجد لتبلغ بهم الخير وتجنبهم مزالق الحياة فلا يضلوا ولا يشقوا.
إن للشباب ابتهاجه ومرحه ونشاطه وطربه وله حظه المحمود من متع الحياة ومباهج الدنيا كل ذلك في حدود الاعتدال وما ترسمه شريعة الله فلا إسراف ولا تضييق؛ ذلك أن الإسراف مهلكة والتضييق حرمان من غير سائغ وقسوة غير مشروعة.
وليس معنى هذا ان ينطلق الشاب في ميدان المتع بغير قيد أو يجري وراء مباهجه بغير حساب أو أن يفرغ للتجمّل والتصنّع على وجه لا يليق بالفتى المسلم كالذي نشهده من بعض الشباب الأغرار وهم بحمد الله قليل.
إن الشباب في كل أمة هم عصب حياتها ومصدر قوتها ورجائها، ان البلاد ليست بحاجة إلى الشباب ذوي الأجسام الغضة والقدود المتثنية والرؤوس الخاوية ولكنها في حاجة شديدة إلى العضل المجدول والساعد المفتول والإرادة الحديدية والخلق المتين والعلم النافع.
فما عسى ان نجد في شباب مترف رخو العظام متخاذل الأوصال؟ أيصلح ان يكون طياراً يحلِّق في السماء ويشق أجواز الفضاء؟ أو جندياً يجود بروحه ذوداً عن عقيدته ووطنه فيقتحم الصفوف ويصافح الموت؟ أو رحَّالة يطوي المجاهل والقفار ويحمل اسم بلاده إلى ما وراء البحار؟ أو باحثاً يجلس إلى مكتبه الساعات الطوال يعصر فكره ليحقق ويستنبط ويبتكر؟ أو زارعاً يقرسه البرد ويصهره الحر وهو دائب لا يبالي؟
ان التنعم في حدوده مقبول والترف في غير مبالغة دواء لمتاعب الحياة ولكن الإسراف فيهما هو البلاء الذي يبيد الأمم ويقضي عليها فإذا ما ظهرت أعراضه في أمة فسرعان ما يتصدع بناؤها وتضعف قوتها وتتفشى فيها الأمراض الاجتماعية ولا تلبث ان تهوي صريعة.
ولو عرضنا تاريخ كثير من الأمم لوجدنا المبالغة في الترف علة العلل في نقص ظلالها ودنو آجالها، فهل للشباب ان يتنبهوا لذلك ويحذروا الانغماس في اللهو وينصرفوا الى معالي الأمور ويتوفروا على ما هم بسبيله من تحصيل درس مفيد أو مزاولة عمل نافع لجلب أمور نافعة لا ضارة.
ان الوقت لا ينتظرهم والأمة لا تعذرهم والفرصة تمر مر السحاب وهم يعيشون في هذا الزمان عصر الاختراع والابتداع وقد استأثر فيه القوي بالخيرات وباء الضعيف بالحسرات، فعيلهم ان يغتنموا الفرصة السانحة لتحقيق آمالهم وإعلاء شأنهم وشأن أمتهم.
|