الشباب مرحلة من مراحل العمر وهي مرحلة الطاقة والقدرة والفتوة والديناميكية والحيوية المتدفقة والعطاء بغير حدود وفي هذه المرحلة يكون التغيير يسيراً ففيها يحقق الشباب آمالهم وأحلامهم وطموحاتهم ومن يفشل في ذلك فعليه العفاء.. يقول الشاعر:
إذا المرء أعيته المروءة ناشئا
فمطلبها كهلاً عليه عسير |
وخاصة ان مرحلة الشباب حرجة في حياة الإنسان ففي مقتبل العمر لا يأبه الشاب كثيراً بقسوة الواقع ومرارته فلديه من الثقة التي تملأ جوانحه ومن الأمل الذي يفعم مشاعره ومن الحيوية التي تفيض بها نفسه مما يجعله فريسة سهلة لكثير من الانفعالات السطحية التي تكون ردود فعل مباشرة لأحداث الحياة اليومية.
ويقول عالم النفس الشهير وليم جيمس: إذا قسنا أنفسنا الى ما يجب ان تكون عليه لا تضح لنا أننا انصاف أجيال فإننا لا نستخدم إلا جانباً يسيراً من مواردنا الجسمانية والذهنية. أو بمعنى آخر إن الفرد منا يعيش في حدود ضيقة يضعهنا داخل حدود الحقيقة.. انه يمتلك قوى كثيرة مختلفة ولكنه عادة لا يفطن لها او يخفق في استخدامها، ولما كان الشباب مرحلة من مراحل الاكتشاف.. إلا انه يحتاج الى التوجيه لانه اكتشاف مبدئي.. وليس غريباً ان نجد الشاب وهو يرتاد أبواب الثقافة فيجد انها تحتاج الى جهد والى عمق والى صبر فيؤثر الراحة ويهرب الى سطح الاحداث يحياها كيفما شاء.
وكم من شاب ارتاد أبواب الخدمة الاجتماعية فوجد انها تحتاج الى تضحية والى بذل جهد فيتركها ليعيش الحياة دون هدف، وقد يدفعه تيار الحياة الى الشرك المنصوب للضعفاء فيسقط على رأسه في هاوية الحياة ليجد نفسه دون ضابط وجميع افكاره بلا محتوى وحياته بلا معنى.. وعند هذا المنعطف والحاد قد يكون هذا الشاب غير مزود بسلاح التوجيه والمعرفة فيجد نفسه وجهاً لوجه أمام تيار الزمن فيغوص فيه وهو الأعزل من الهدف والإرادة.. فكما تغوص السمكة الصغيرة في المحيط الكبير فلا يظهر لها أثر.. حيث ان للزمن سلاحاً فتاكاً هو الفراغ فإذا احاط الفراغ بالشاب سلباً وأمام عينيه العديد من مغريات الحياة الصغيرة التي تجرفه وراءها ربما الى تعاطي المخدرات وغيرها من العادات السيئة التي تختلس من وجوده في الفترة الذهبية وقد يوسوس له الشيطان فيغريه ويمد له حبل الأماني الكاذبة فيقول له: إنك مازلت ترفل في عز الشباب ومازال العمر ممتداً لتحقيق الآمال، وهي وساوس خبيثة تجعل الشباب بعد ان يصبح في عداد الشيوخ ينظر الى عمره الذي ولى وكأنه حلم.. وقد قال ستيفن ليكوك: ما اعجب الحياة يقول الطفل عندما اشب فأصبح غلاماً ويقول الغلام عندما اترعرع فأصبح شاباً ويقول الشاب عندما اتزوج فإذا تزوج قال عندما أصبح شيخاً متفرغاً نعم فالفراغ هو منطلق الى ان يلتف حول عنق الشاب وخاصة من لا عقيدة له ولا تربية صحيحة ولا هدف ويصبح فريسة سهلة.. وبعد يا ابني الشاب ان الوقت كالسيف ان لم تقعطه قطعك.. فلنعمل جميعاً نحن الآباء أولاً بالتنشئة الصالحة وان نخلق جواً اجتماعياً يتسم بالأمان والطمأنينة والهدوء والتماسك والتضامن بقدر ما يكون عاملاً محدداً لتوافق وتكييف الشاب فيما بعد ولأسلوبه في قضاء أوقات فراغه في حاضر ومستقبل أيامه مع ايضاح هدفه ومعرفة مبادئ الحياة ليعيش في الدنيا كأنه سيعيش ابداً مدركاً قيمة نفسه والعمل الصالح كأنه سيموت غداً.. والنصر لمن انتصر على نفسه وعرف قيمة الزمن واستثمر الوقت ووظفه بطريقة منظمة في نشاطات ايجابية.. وبذلك يحقق الاستمتاع النفسي من خلال التخلص من كثير من التوترات والاضطرابات.
وعلينا ان نخلد أنفسنا بأعمال وإنجازات لتبقى ونفنى نحن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، ولد صالح يدعو له او صدقة جارية او علم ينتفع به»، فلنستفيد من فورات وحماس شبابنا.. فالشعوب والأمم توفر لمستقبلها رصيداً يعزز كرامة شبابها وأبنائها.
|