Sunday 9th november,200311364العددالأحد 14 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

سلمان والرياض سلمان والرياض

في العام 1390ه حططت رحالي في مدينة الرياض قادما من المدينة، وسكنا حال وصولنا في الحلة، فقد قالوا لنا: إن هذا الحي فيه شيء من الحجاز، محلات الفول والكبدة والفلافل والمطبق والمندي، وفوق ذلك فيه البيوت الصغيرة المتلاصقة، الفرق بينها وبين بيوت المدينة، هو أن تلك مبنية من الحجارة السوداء، والقليل منها بنى بالطين واللبن النيء، أما بيوت الحلة ومعكال ومنفوحة وشلقة وحلة القصمان وشارع الريل ودخنة، فقد كانت واطئة، وكلها مبنية بالطين، وأبوابها خشبية، وكل بيت له ميزاب، تتسرب منه مياه الأمطار، وهناك فارق جوهري آخر، هو أن العديد من بيوت الرياض - حينذاك - كانت مزودة بزريبة لماشية البيت، أما في المدينة، فقد كان الوضع مختلفاً، كانت هناك الرواشين، وقصبة الماء، والحمام العمومي، أما الماشية، التي غالباً ما تتكون من الأغنام، فقد كان مكانها، عشة، أو صندقة صغيرة، أمام كل بيت، كل هذه التكوينات التي تخدم المنازل «لا تتعدى مساحة المنزل ال«60» متراً مربعاً» يضمها حوش دائري، تشرف بيوته، على مساحة من الأرض، تستغل في المناسبات التي تعرض لأهل الحوش، وللحوش بعد ذلك، باب معقود من الخشب الصلد، الذي يغلق في الغالب، بعد صلاة العشاء، وهناك «عسة» يتمم عليه كل مساء، مع الأحواش المجاورة، ومع كل جسة لأقفال الأحواش، كان العسة يطلق العنان لصافرته، لإرهاب اللصوص، ولإشعار عمدة الحي، ونقيبه، بأنه موجود، ولم يأخذ له ر كنا، لينام فيه!
وكانت الرياض في ذلك الحين تضم شوارع محدودة، أهمها شارع الوزير والبطحاء والخزان، وكان الشارع البرجوازي الوحيد في الرياض، هو شارع الوزير الذي كان يعج بحركة علية القوم، الذين لا يجدون غضاضة في التجوال بسياراتهم ومعهم نساؤهم وأبناؤهم أو أصدقاؤهم، هذه الحركة التي يموج بها الشارع كان تصل قمتها في مساء الخميس، الذي كان يعتبر يوم البهجة في العاصمة، فالناس ينزلون إلى شارع الوزير، حيث ا لنيون الساطع والمحلات المخملية التي تضم أرقى ما توصلت إليه بيوت الأزياء النسائية والرجالية، وبين هذا وذاك، هناك محلات الشاورما والفلافل ومطعم أبو نواس وحلويات القبائي، ومن عشقي لهذا الشارع قررت، حالما أستلم عملاً، ويكون لي معاش، وليس راتبا، أن أسكن في هذا الشارع أو قريبا منه، وقد حقق الله لي هذه الأمنية، فأصبحت أتنازل عن 2500 ريال من دخلي السنوي، وهو قليل نظير استئجار شقة في حوطة خالد «الواجهة الغربية الخلفية لشارع الوزير» ففي هذا الشارع بت أشعر بأنني قريب من كافة منابع المتعة اليومية: الأكل والتجوال والمكتبات والناس بكافة جنسياتهم وطبقاتهم، حركة هؤلاء الناس كانت تؤنس وحدتي وتمدني بالعزم على السهر مع القراءة والكتابة وسماع الموسيقى!
وكان شارع الخزان، أغلى منطقة سكنية، في ذلك الوقت، مقابل أغلى شارع تجاري، الذي هو شارع الوزير، أما أرخص شارع تجاري فقد كان شارع البطحاء، الذي يشقه من جنوبه إلى شماله مجرى السيل، كان منبعاً للروائح، ودخان الحرائق، الناتجة عن رمي مخلفات المحلات التجارية، وهناك مناطق سكنية هادئة، في المربع والسويدي «شمال شارع الخزان» إضافة إلى الشميسي والعجيلية وصياح وعسير والجرادية. أما منطقة الملز فقد كانت على ما قر في ذهني، خاصة بموظفي الدولة، الذين اختاروا هذا الحي، لقربه من الوزارات، ومعهد الإدارة والجامعة.. وقد جاء عليَّ وقت كنت أجلس مع زوجتي في نهاية الأسبوع على أحد أرصفة شارع الستين الذي كان ينتهي عند كوبري الخليج وبالطبع كانت المنطقة هادئة، قليلة الحركة والناس!
تداعت إلى ذهني هذه الذكريات التي تعود إلى أكثر من ثلث قرن والتي لو تركت لها العنان لتشعبت كما تشعبت كافة الذكريات الجميلة، تداعت إلي وأنا أتجول بالأمس في مدخل مكتبة الملك فهد، وأقرأ العديد من الخطابات، وأرى العديد من الصور، التي تروي سيرة ومسيرة سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - مع هذه المدينة، التي استلمها منذ نصف قرن، محدودة الخدمات، قليلة السكان، فحولها إلى واحدة من أبرز وأهم المدن العربية، ففي هذه المدينة الآن جامعتان والعديد من المعاهد العالية والمتوسطة وعشرات المستوصفات والمستشفيات ومئات المدارس، غير الطرق والكباري والجسور وأماكن الترفيه والحدائق العامة، وما لا عد ولا حصر له، من الوسائل، التي تجعل من يعيش في هذه المدينة، يدرك حجم الجهد، والتضحيات، التي بذلت لتكون الرياض، كما هي الآن: درة المدن.
سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الأمير النبيل المثقف، ابن الرياض البار وأمينها: سلاما في هذا الأوان، مع كل نور ونبتة وبناية ومدارس ومصانع ومشافٍ وسكان، ينمون مع هذه المدينة، التي أحببت، فحولت كل ما فيها إلى ما يشبه النشيد.. نشيد التطور.

حسين علي حسين /فاكس: 4533173

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved