يُصرُّ الأمريكيون، وبالذات أصحاب القرار منهم، على أن الصورة القبيحة المنطبعة في أذهان العرب والمسلمين عن أمريكا هي نتيجة لخلل أو مشكلة أو فشل في «العلاقات العامة» ولا علاقة لها بطبيعة سياساتهم في الخارج.
لذلك فهم يقتطعون بين الحين والآخر أموالاً من دافع الضريبة الأمريكي، ويخصصون الميزانيات، ويبذلون الجهود، لتصحيح هذه الصورة. وهم بتصرفهم هذا يحاولون أن يجعلوا من المشكلة مجرد مشكلة «فشل» إعلامي، أدى إلى وجود هذا الانطباع الخاطئ، وكأنما ممارساتم وسياساتم الخارجية عادلة وإنسانية، وبالتالي فلا علاقة لها بتكوين هذه الصورة القبيحة غير الإنسانية والمنحازة إلى الظلم، بقدر علاقتها بحاجتهم إلى تحسين هذه الصورة من خلال الدعاية والعلاقات العامة.
وفي تقديري أن حملات «تحسين صورة أمريكا لدى الآخرين» ليست في حقيقتها موجهة إلى الآخر العربي والمسلم، بقدر ما هي موجهة في الدرجة الأولى إلى الإنسان الأمريكي الذي يتساءل ويلح في السؤال: «لماذا يكرهوننا»، لتكون الاجابة التبريرية والمضللة في الوقت نفسه: لأننا فشلنا إعلامياً في إيصال الصورة الحقيقية والمشرقة والعادلة والإنسانية للسياسات الأمريكية تجاه دول العالم، لذلك فهم يعملون من خلال هذه «الحملات» التوضيحية على تصحيحها وإظهار حقيقة مواقفهم «العادلة» من قضايا الشعوب!. كل ذلك ذر للرماد في عيون دافع الضريبة الأمريكي ليس إلا..
والأمريكيون هم بلا شك أساتذة في فن العلاقات العامة، ويدركون تماماً أن مثل هذه الحملات التي تهدف إلى تحسين الصورة الأمريكية لن تنتهي إلا إلى الفشل الذريع، في ظل ممارسات الساسة الأمريكيين تجاه القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. ففي الوقت الذي تصوت فيه أمريكا بالفيتو ضد قرارات تدين تعسفات الإسرائيليين في مجلس الأمن 27 مرة، ومن ضمنها قرار شجب نية إسرائيل المعلنة بطرد أو اغتيال الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، نسمع أو نقرأ بين الحين والآخر إعلانات مدفوعة الثمن تتحدث عن رغبة أمريكا في حل القضية، والعمل على بناء دولة فلسطينية ينعمُ أهلها بالرخاء والأمن مثل كل مواطني العالم أجمع..
وفي الوقت الذي يردد الرئيس الأمريكي، وأركان إدارته أن سياسة أمريكا تسعى إلى اقتلاع البغضاء والكراهية من البيئة العربية المتشحة بالتطرف الديني كما يقولون، يخرج علينا مساعد وكيل وزارة الدفاع الأمريكية الجنرال وليام بويكن ليقول: (إن المسلمين يعبدون «وثنا» وليس إلهاً حقيقياً). ويأتي وزير الدفاع رامسفيلد ويرفض انتقاد تصريحات بويكن صراحة، ويكتفي بالإشادة بسجل إنجازاته. أما الجنرال ريتشارد ما يرز رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية فقد قال: انه لا يعتقد أن بويكن قد انتهك أو خرق أي قواعد في حدود وظيفته! تصوروا؟!
ولا أعتقد أن هناك من يخدم ظاهرة الغلو الإسلامية في النظرة إلى الآخر، ويخدم ابن لادن، ويهيئ له الأتباع والمناصرين والمؤيدين، وربما الانتحاريين، من خلال العمل على ترسيخ الكراهية والبغضاء لكل ما هو أمريكي، بل وكل ما هو مسيحي، مثل بويكن ورامسفيلد وما يرز، وشلة اليمين المتطرف المسيطر على القرار في البيت الأبيض.
والسؤال: هل يستطيع من يتولى حملة «تحسين الصورة الأمريكية» أن يجيبني عن هذا الموقف العنصري البغيض، وكيف يمكن له أن يبرِّر مثل هذا الموقف المغرق في التطرف بكل ما تحمله الكلمة من معنى؟ ثم هل يجرؤ هذا المؤمن المسيحي بويكن - كما يدعي- أن يقول مثلاً: (أن اليهود يعبدون وثناً وليس إلهاً حقيقياً) دون أن يجد نفسه في اليوم الثاني في مزبلة وزارة الدفاع الأمريكية بقرار من وزير الدفاع رامسفيلد بدعوى معاداة السامية؟..
إن محاربة الغلو والتطرف لا يمكن أن تحقق أهدافها دون أن تكون ممارسة ذات اتجاهين، اتجاه يجب أن نضطلع به كعرب ومسلمين، وفي المقابل اتجاه آخر يجب أن يضطلع به الأمريكيون أنفسهم. دون ذلك لن نصل إلى نتيجة، وسنبقى ندور في حلقة مفرغة من الإرهاب والإرهاب المضاد إلى أن يشاء الله. هذه الحقيقة التي يجبُ أن يتنبَّه إليها سيد البيت الأبيض إذا أراد أن يُجفف منابع الإرهاب..
|