القلق جزء أساس في حياتنا.
قدر من القلق ضروري، ضروري للحاضر وللمستقبل؛ لكن في حدود، بحيث لا ينتهي الأمر الى الاحساس بالتعاسة.
بعض الناس يهربون من القلق عن طريق عدم مواجهة الحقيقة، والنتيجة أنه يهرب من الحقيقة، ويصبح أكثر تعرضاً للقلق.
يجب أن تحاول التخلص من القلق بطريقة عملية.
أولاً: لا تطلب من نفسك أشياء فوق قدرها، لا على مستواك الشخصي، ولا على مستوى الأمة.
الكثيرون يحملون هموماً أكبر من امكاناتهم وطاقاتهم، بل ربما كانت أكبر من امكانات الأمة كلها.
وهذا يصنع لهم قلقاً.
ومن طريف ما يُروى أن أعرابياً كان عنده أمَةٌ.
فقيل له: هل تتمنى أن تذهب هذه الأَمَةُ وتصبح أنت خليفة؟
قال: لا والله!
قيل له: لِمَ؟!
قال: أخشى أن تذهب الأَمَةُ، وتضيع الأُمَّةُ.
ثانياً: انظر الى واقعك بعين الرضا.
لا تقسُ على نفسك.
إن لنفسك عليك حقاً.
وهذا لا يعني فقدانك للطموح.
ينبغي أن يكون لدى الانسان طموح.
كما قال عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله -:
إن لي نفساً تواقة؛ طمحت الى الامارة، فلما نالتها طمحت الى الخلافة، فلما نالتها زهدت فيها وطمحت الى الجنة.
وهكذا كل إنسان؛ فإن له نفساً تواقة، لكن ينبغي أن تدرك أنك بخير ولله الحمد.
ثالثاً: استمتع بالنجاح، فما من أحد منا إلا وعنده قدر من النجاح، ينبغي أن يشيد به، وأن يذكره، فإنه أجدر ألا يزدري نعمة الله عليه.
رابعاً: لا تحقد على أحد من الناس؛ فإن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
لا تحزن الفتاة عندما ترى أختها تزوجت.
ولا تحزن الزوجة عندما ترى زوجة أخرى تعيش مع رجل غني، أو كبير.
لا تبكي المطلقة كلما قابلت زوجة سعيدة.
تنفس واملأ رئتيك بالهواء.
وقل: الحمد لله أنا في حال جيدة، وأقنع نفسك أن اليوم خير من الأمس، وأن الغد سوف يكون بإذن الله خيراً من اليوم، وتفاءلوا بالخير تجدوه.
يا صَفيّ الفُؤاد هَوِّن عليك
الأمر لابُدَّ من زوال المصاب
سوف يصفو لك الزَّمانُ
وتأتيكَ ظُعُون الأحبة الغُيَّابِ
وليالي الأحزانِ تَرحَل فَالـ
أحزَانُ مثلُ المسافرِ الجَوَّابِ
إن الذي يعيش في الـماضي هو الذي يعيش في عناء لا ينقطع؛ فهو كثير التفكر في أمور مضت وفرص فاتت.
ولذلك يقال: إن دكتوراً دخل على طلابه في الجامعة.
وسألهم أيها الطلاب!
من منكم نشر الخشب يوماً من الأيام؟
فرفع عدد من الطلاب أيديهم.
وقالوا: كلنا مارسنا يوماً من الأيام نشر الخشب.
قال: عندي سؤال آخر.
من منكم نشر نشارة الخشب؟.
فلم يرفع أحد يده.
قال: إن الذي ينظر الى الماضي؛ هو الذي يحاول أن ينشر نشارة الخشب.
لا تلتفت الى الماضي، تطلع الى الأمام، وفيه خير كثير.
المخاوف والهموم
ذكر ابن حزم - رحمه الله - أنه نظر الى الناس: مسلمهم وكافرهم، برّهم وفاجرهم، عربهم وعجمهم.
يقول: فرأيتهم قد أطبقوا واتفقوا على أمر واحد، وهو أنهم جميعاً يتفقون على مطلب يتعلق بمدافعة الهموم وازالتها عن نفوسهم.
ثم قال: ثم بحثت عن سر ذلك، وأعظم ما يتحقق به دفع الهمّ والغمّ، فلم أجد أعظم من عبادة الله تعالى، ومحبته والانطراح بين يديه؛ فعلمتُ بذلك أن هدي الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، قد احتوى على طرد الهموم في الدنيا وفي الآخرة.
المخاوف في الدنيا كثيرة، ولكن الأمان هو في التوكل على الله سبحانه، والرضا بقضائه وقدره.
يقول الله سبحانه:{(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) (الطلاق:2) )وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ) (الطلاق:3) } [الطلاق: 2 - 3]
أحياناً الخوف من وقوع الكارثة؛ كارثة.
والخوف من المرض؛ مرض.
والخوف من الشيء أحياناً أشد منه بعد أن يقع؛ كما قال المتنبي:
كُلُّ ما لم يكُن من الصَّعبِ في الأنـ
فُسِ سَهلٌ فيها إذا هو كانا
يقول الله سبحانه وتعالى:{(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت:30)
يقول شاعرنا:
دعِ المقادير تجري في أعنَّتها
ولا تَبيتَنَّ إلا خالي البالِ
ما بين غَمضَةِ عينٍ وانتباهَتِها
يُغَيِّرُ اللهُ من حالٍ الى حالِ
أنت لا تستطيع أن تمنع طيور الهم أن تحلق فوق رأسك؛ لكنك تستطيع أن تمنعها من أن تعشعش داخل رأسك.
قد عشتُ في الدَّهرِ أَحوالاً على طُرقٍ
شتى وجرَّبت منها اللينَ والفَظَعَا
كُلاً بَلَوتُ فلاَ النَّعمَاء تبطرني
ولاَ تَخَشَّعتُ من لأْوَائها جَزَعا
لا يَملأُ الأمرُ نفسي قبل موقعه
ولا أضِيقُ به ذَرعاً إذا وَقَعَا
قال ابن الجوزي - رحمه الله -:
ضاق بي أمر أوجب لي هماً وغماً لازماً دائماً، وقد أخذت أبالغ وأفكر كيف أتخلص من هذا الأمر بكل حيلة وبكل وجه.
قال: فما رأيت طريقاً للخلاص قط.
ثم عرضت لي هذه الآية: {(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} .
قال: فعلمت أن التقوى سبب للمخرج من كل هم وغم.
قال: فما هو إلا أن هممت بتحقيق التقوى حتى وجدت المخرج.
فلا ينبغي لمخلوق أن يتوكل أو يتسبب أو يتفكر إلا في طاعة الله عزوجل وامتثال أمره، فإن ذلك سبب لفتح كل مرتج، ثم ينبغي للمتقي أن يعلم أن طاعة الله تعالى كافية.