تحقيق : فهد المالكي
تعتبر الأسرة نواة المجتمع وأفرادها هم اللبنة الأساسية لتكوين هذاالمجتمع وكلما كان الأفراد أصحاء يتمسكون بعقيدتهم وايمانهم وقيمهم كان المجتمع قوياً ومتماسكاً، أما إذا حدث العكس فإن المجتمع سينهار فأي مجتع لا يخلو من حالات الانحراف التي تصيب أفراده ولكنها تتفاوت في شدتها وقوة حضورها بين مجتمع وآخر، وأكد الباحثون في مجال الدراسات النفسية والاجتماعية ان معظم حالات الانحراف ترجع الى البيئة التي ينشأ فيها الطفل، وتعتبر الأسرة الخلية الأولى المسؤولة عن الطفل ونشأته.
وفيما يلي أردنا البحث عن حقيقة وجود أحداث مدمنين للمخدرات وسنبحث عن الأسباب والحلول مع ذوي الاختصاص.
الأطفال والتدخين
في البداية التقت الجزيرة «س.ق» الذي لم يتعد عمره الثامنة عشرة وذلك بمجمع الأمل الطبي بالرياض فيقول بدأت حياتي كأي طفل يرى في والده مثلا يقتدي به وللأسف فوالدي مدخن وكذلك جدي، وهذا ما جعلني أدخن وأنا في الصف السادس الابتدائي في عمر 13 سنة، ولا زلت على التدخين حتى انكشف أمري من والدتي التي لم تكلف نفسها بأن تضربني وكل ما فعلت القليل من التوبيخ، وتماديت في التدخين حتى ان والدتي في المتوسط كانت تساعدني على شراء الدخان لكيلا ينفضح الأمر لوالدي، حتى ان والديّ لا يضرباني على الصلاة ولا يسألاني عن دراستي «أي غير مهتمين بنا» وهمهم الوحيد المادة التي تأتينا من كل مكان فوالدي تاجر شاطر، ومن هنا بدأت الطريق الى المخدرات، فقد كان هناك شاب تعرفت عليه في أحد ملاعب كرة القدم، وقويت علاقتي به وفي يوم من الأيام قادني القدر أن أركب معه في سيارته الخاصة وأخرج لي شيئاً غريبا علمت فيما بعد بأنه الحشيش، قال لي ما بك دخن هذه «السيجارة» فهي عادية جدا وبعد محاولات منه ولأنني أثق به كانت البداية في استعمال المخدرات، وعندما رآني فقدت الوعي قال لي بأن هذه السيقارة تعمل لك «مزاج» ومن بعدها تعلمت الحشيش وكنت أدوام على تعاطيه في الخفاء، ولكن هذا الصديق تغير فاتضح بأن همه الوحيد سحبي الى طريق المخدرات وبانت أنيابه، وذلك بعد رفضه اعطائي المخدر إلا إذا اشتريت فقد كنت ضعيفاً أمام الحشيش فوافقت حتى أصبحت مدمنا وبعد ادماني للمخدرات كان له شرط بأن آتي بأصدقائي لأعرفهم على المخدرات وأرغبهم فيها، وفي أيام الثانوي كنت آتي بالكثير منهم وآخذ عمولة البيع وكنت أتأخر في بعض الأيام عن الحضور للبيت وأسهر في الخارج لساعات الفجر وفي بعض الأيام أبيت خارج البيت ليوم أو يومين، كان والدي انسانا بسيطا ووالدتي كذلك ولكن سكوتها عليَّ أوصلني الى المخدرات وبعدما تطورت حالتي الصحية والنفسية، أخذت قراراً بأن أحارب هذا السم، وان شاء الله انني لن أرجع إليه مرة أخرى.
التفكك الأسري
أما «أ.ع» فيقول عمري الآن 16 سنة ومدمن على الحبوب وذلك «لأني لم أجد من يرعاني» فقصتي بدأت من المنزل فأبي دائما يفتعل المشاكل لكي يذهب الى الزوجة الجديدة التي تسكن في بيت آخر لها كل شيء حتى وقتنا، فنحن في البيت محرومون من عطف أبي ومن خوفه علينا ومحرومون من والدتي التي تعمل مدرسة ولطالباتها نصيب الأسد من وقتنا، خرجت لأبحث لنفسي عن مخرج من هذه الأحزان فكنت دائم السهر في احدى الاستراحات والتقي فيها ببعض أبناء الحي الذي أسكن فيه، وكنت أعلم بأنهم منحرفون ولكني كنت محترسا لئلا أقع في المخدرات فأراهم وهم يتعاطون الكوكائين والهروين والحشيش كل حسب طلبه وأنا فقط انظر اليهم ولكن ربما لم يعجبهم الحال فوضعوا لي في الشاي حبوبا ولم أكن أعلم ألا في اليوم الثاني فذلك اليوم لم أنم، وقابلني أحد أبناء قريبي وقال كيف أمضيت يوم أمس هل كنت مبسوطاً، فقلت له يوم عادي ولكني لم أنم، وقال لقد وضعنا لك حبوبا في الشاي وإذا أردت المزيد فخذ، ترددت كثيراً وأنا أنظر اليها ولكن مع إلحاحه عليَّ وافقت، وكنت يوما بعد يوم يزيد تعلقي بالحبوب وأبي يغدق عليَّ المال بدون حساب حتى أنه لا يكلف نفسه بالسؤال كيف أصرف المال، وأدمنت الحبوب ولكن انكشف أمري أمام والدتي فقد وجدت في داخل ملابسي كيسا صغيرا وبه حبوب، وبدأت في اقناعي في الرجوع الى الطريق وأقنعت والدي وأتيت إلى هنا وأنا الآن متحسر على الأيام التي مضت عليَّ وصلاتي التي أضعتها ودراستي، وصحتي التي لم تعد كالسابق ولكن أقول أهلي السبب ولو كنا في منزلنا سعداء يعلموننا أمور ديننا لما وصلنا الى المخدرات ورفقاء الشيطان.
أما «ف.ص» فكان متأثراً كثيراً من المخدرات وكان ثقيل اللسان وصحته ليست جيدة ويقول عمري الآن 19 عاماً وقد أدمنت المخدرات من خمس سنوات، وكنت مدمنا على «الحشيش والحبوب والمسكر» ونسكن في حي شعبي ووالدي ظروفه المادية سيئة جداً، ويضيف: قبل سنوات اكتشفنا أنا وأخي بأن والدي كان يتعاطى المخدرات، وبعدها بسنوات تركها وفي هذه الأثناء كنت وأخي قد بدأنا فعلا نتعاطى المخدرات ولكن كانت ظروفنا المادية سيئة وقمت بترويج المخدرات والتوزيع واحصل على الفائدة من المشتري ومن التاجر وهذا كان المقتل فبعد سنوات من سكوت والدتي التي كانت تعلم بما نفعله أنا وأخي الأكبر أصبحنا مدمني مخدرات، وأخذت الى هذا الطريق الكثير من زملائي في المدرسة ومن أبناء الحي، بعد خمس سنوات من المخدرات ومن العذاب والطرق السوداء والأزقة أبلغ والدي إدارة مكافحة المخدرات التي قبضت علينا وأتينا الى هنا للعلاج، والآن صحوت من هذا الحلم المزعج ويا ليت الأيام التي مضت ترجع، ويبكي قليلا ثم يقول السبب رفقاء السوء وأهلي السبب نعم هم السبب.
رأي المختص
كما أكد الأستاذ سلمان بن محمد العواد الأخصائي الاجتماعي بمجمع الأمل الطبي بأن المراهق يمر بمرحلة انتقال وفيها تجده متمرداً لأنه يجهل وغير ملم بما يتوقعه من المجتمع وفترة المراهقة تكون غامضة وغير واضحة وتكون المشكلة في فترة المراهقة ولدى الأحداث عدم القدرة على التعرف على الذات وذلك بسبب الضغوط الاجتماعية لقلة الوعي والثقافة في التعامل مع هذه المرحلة ويأتي عدم الثبات والتردد لزيادة المشكلة وتجد الآباء والمعلمين لا يتقنون كيفية التعامل مع هذه المرحلة ولا تطبق لغة الحوار التي يجب أن تكون منذ الطفولة، وتأتي بعد ذلك مرحلة يشعر فيها المراهق بعدم السعادة لتناقض في نفسيته ما بين الرجولة والطفولة ويراكم عليه المجتمع بمتطلبات لا يستطيع حملها ويبدأ بالخروج من هذه الدائرة للبحث عن السعادة وعن من يفهمون مشكلته وتمتاز مرحلة المراهقة بأنها مرحلة فضول واستكشاف ويجب على الأسرة في هذا الوقت عدم السكوت عن أي سؤال يطرحه بل على العكس يجب، ولو طرح الحوار الأسري الصريح بين أفراد الأسرة ككل والاجابة بكل شفافية عن كل التساؤلات، وتقوية العلاقات الاجتماعية والعاطفية والنفسية ومن أقوى أسباب الانحراف بين الأحداث والمراهقين ضعف التربية الدينية فالتربية بالدين تكون من الأولى بالترغيب لا الترهيب، ويجب على الأسرة أن تدرك بأنها ليست الوحيدة في تربية الأطفال فهناك قنوات أخرى تشاركها التربية مثل المجتمع المحيط بالطفل والقنوات الفضائية والإنترنت وهناك الكثير.
ويجب على الأسرة عدم السكوت إذا كان بين أفرادها متعاط لهذه السموم والبحث عن العلاج حتى ولو لم يصل للادمان فهناك مشاكل نفسية واجتماعية في هذا الشخص يجب أن تعالج وهنا بالمستشفى نتعامل مع المرضى بكل سرية ولا نريد معرفة الأسماء وإنما نريد سلامة هذا المريض فيتم تشخيص الحالة والبدء في العلاج إما بالتنويم أو يحول لمراجعة العيادات الخارجية وهنا يأتي دور المشرف الديني ومرشد التعافي والاخصائي الاجتماعي والنفسي ويتم وضع الحلول بعد معرفة المشكلة التي يعاني منها المريض.
|