تتهاطل الأسئلة ...
والصبيَّة اليافعة تشير بكفِّها من خلف مقعد التي تتحدَّث أمامها، ترغب في الكلام.. وثمَّة ما يوقظ للسؤال سؤالاً كي تتقابل الأسئلة.. وتعجَّ ساحة الاستفهام..: ما الفرق بين السُّؤال والاستفهام؟! وقبل أن يختفي أثر آخر حرف بصوتها استمرَّت زميلتها: كما لو أنَّكِ تسألين ما الزر في صدر الثَّوب؟ أو كما لو أنَّكِ تسحبين من النسيج خيطاً؟!...
والواقفة أمامهنّ تصمت في سرور..، فهي فرصة لا بدَّ أن تتيحها لهن كي يبحن بمكنون أذهان غضَّة، ونفوس يافعة، وقلوب بضة لم تتراكم فيها الخبرات، ولم تعتكرها المفسدات، ولم تداخلها الاختلافات، صفحات بيضاء...، فهنَّ لم يجدن من يصغي إليهن، ولم يُفسح لهن كي يُدلين بما فيها هذه الأذهان، والصدور، والنفوس...
السؤال يأتي بالسُّؤال ...
وجوُّ الاستفهام، والحيرة، والتَّساؤل تتلاقي فيه أصواتهن، لماذا يحدث ما يحدث في هذه الدنيا؟، لماذا يتبدَّل الوجه الجميل للحياة بمثل ما يكون الآن؟، لماذا تنهض هذه النماذج الحادَّة كما رؤوس الأشواك في وقت لا بدَّ أن يهيَّأ للطمأنينة والأمان؟، لماذا اندلقت فوَّهات الشرِّ دفعة واحدة في مدَّة زمنيَّة قصيرة؟ وكيف؟ وإلامَ؟.
والدَّرس كان عن تركيب الكلام في لغة صحيحة وسليمة؟
قالت تلك النَّابضة بالأسئلة: ليكن التَّمثيل بجمل صحيحة وسليمة عن الوطن...
قالت الأخريات: كيف يكون الوطن صحيحاً وسليماً ؟
أجابت: الجملة وليس الوطن...
ردَّت أخرى: الوطن هو الجملة، إن صحَّ وسلم فسوف تصحُّ جملتكِ وتسلم...
وتوالت الأسئلة ...
كيف تصحُّ الجملة معنى، وصرفاً، واشتقاقاً، وتركيباً؟
وكيف: كيف تسلم الجملة لغةً: إملاءً، ونحواً، وبلاغةً، وتعبيراً، و... و...
قالت النَّابضة: كما تحرصين على صحة وسلامة لفظكِ، ومن ثمَّ جملة تعبيركِ كي يكون في استطاعتي تبادل المدلول معكِ، وبلوغ مرادكِ، لا بدَّ أن يحرص الفرد على صحة وسلامة وطنه كي يكون مؤهَّلاً العيشُ فيه اطمئناناً، وعملاً، وهدفاً...
أرأيتِ يا معلِّمتي كيف استطعتِ أن تصلي بنا إلى أن نطبق السُّؤال على السُّؤال...
ونخرج من وطن الاستفهام إلى وطن الاستلهام...
ومن مظلّة السُّؤال إلى مظلّة الرِّمال ؟...
إنَّ جملتنا الصحيحة السليمة التي تصل ما بيننا من المفاهيم والمدلولات هي ذاتها وطننا الصحيح السليم الذي يجمعنا ويصل بين غاياتنا وأهدافنا وكما لا بد أن نعبِّر في جمل قولٍ سليمة صحيحة
فلا بدَّ أن ننتظم في نسقٍ صحيحٍ سليمٍ لمنظومة مشاعر صادقة وعمل مخلص للوطن !!.
وانتهى الدرس...
وغادرت المعلمة بين سؤال وآخر...
|