Saturday 8th november,2003 11363العدد السبت 13 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
منعطفات 4
عبدالله بن بخيت

حدثتكم يوم الأربعاء الماضي بأني حصلت على كتاب للكاتب البريطاني كولن ولسن بعنوان سقوط الحضارة في معرض بحثي عن كتابه الشهير اللامنتمي
سقوط الحضارة عنوان كبير يليق فعلا بكتاب يصدر مع نهاية حقبة الستينات الزاهية. خصوصا أن هناك كتابا آخر (رج العالم رج) يحمل نفس العنوان لكاتب ألماني تنبأ فيه صاحبه بسقوط مريع للحضارة الغربية. كنت قد سمعت بالكتاب الألماني من أفواه كل المتربصين بالحضارة الغربية والكارهين لها يتغنون به (على قاعدة شهد شاهد من أهلها). وهو يشبه إلى حد كبير بعض الأبحاث والتقارير المعزولة التي تصدر في أيامنا هذه من باحثين غربيين ينادون فيها بالفصل بين الجنسين في المدارس أو بعودة المرأة الغربية لتقر في بيتها.
لم أتبين الفرق بين الكتابين سريعا لأني لم أفهم كتاب سقوط الحضارة لكولن ولسن أبدا ولم أقرأ كتاب سقوط الحضارة لشبنغلر إلا بعد سنوات. الشيء الذي اكتشفته بعد حين هو ان كتاب سقوط الحضارة ل(ولسن) لم يكن يختلف في شكله ومضمونه عن كتاب اللامنتمي: حشد عظيم من الأسماء التاريخية والثقافية والدينية. كنت قد وجدت فيه ضالتي. فقد أودع مشكورا في رأسي حشداً عظيما من الأسماء الأعجمية. ولكن هذا لم يخفف من إعجابي ببعض كتاب الصحف ولم يرفعني شريك لهم بعد. كان الزمان هو بداية دخول الكتابة الغامضة التي سميت بعد حين بالحداثة. كان رائد هذا النوع من الكتابة قد أصدر كتابه الحداثي الأول. لا أريد أن أذكراسمه لأنه مازال حيا ومازال يكتب ومازال يظن أنه كاتب. وليس من العدل تسفيه الإنسان في شيخوخته. كنت أتابعه وأحفظ كثيراً من أقواله. كان ميالا إلى الكلمات الشعرية والتشبيهات والتوريات ومختلف الزخارف الكتابية مع إضافة أقوال من فلاسفة ومفكرين وشعراء ويفضل دائما أن تكون لأسماء أعجمية. ولا ينسى أبدا نصيبه من الكلمات المغازلجية لزوم الشباب والمراهقين. إذا علمنا أن تلك الفترة سجلت بداية دخول المرأة السعوية عالم الصحافة.
قرأت الكتاب خلال ثلاثة أسابيع أو أربعة ليس لأنه كبير فحسب ولكن لأني قررت أن أفهمه واستوعبه. فهو كما ارتأيت لنفسي في حينها سيكون سلاحي في مستقبل الأيام للتصدي لثقافة استاذ اللغة العربية وخاصة كتاب جواهر الأدب.
الكتاب يتضمن أيضا سيرة المؤلف البوهيمية. تسكعاته وضياعه وتشرده ودورانه على المكتبات ونومه في الطرقات. سيرة حياتيه وثقافية تغري مراهقا قرر أن يكون مثقفا بأقل التكاليف. بالكاد ما أن انتهيت منه إلا وبدأت تظهر عليّ أعراض الثقافة. هبطت درجاتي الدراسية وتدنت نسبة حضوري إلى المدرسة وزاد احتقاري للمدرسين مع إهمال صريح لقيافتي ولكي لا أظهر بصورة المهبول الرسمي كنت أحمل في يدي دائما كتابا أو كتابين كما يفعل شباب المثقفين في الغرب. من ضمن ما سمعت أو قرأت في هذا الكتاب أن المثقفين الفرنسيين (ما تطيح الكتب) من أيديهم أبدا. يأخذونها معهم أنى ذهبوا: إلى المقاهي إلى الحدائق العامة، في القطارات، في الباصات. فالتزمت بتقاليد المثقفين الغربيين ولكن الظروف المحلية فرضت منطقها. لا يوجد قطارات لا يوجد باصات لا يوجد مقاه على الأنهار ورغم ذلك لم اتخل عن نهج المثقفين ابدا. كنت أحمل في يدي كتابا حتى إذا أرسلني أبوي أجيب العلف لغنمتنا من دخنة.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved