Saturday 8th november,2003 11363العدد السبت 13 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

في تقرير صادر عن البنك الدولي: في تقرير صادر عن البنك الدولي:
الرفاهية لن تحدث ما لم يحصل الفقراء على خدمات رخيصة

* دبي مدحت عبداللطيف:
يتضمن تقرير جديد صادر عن البنك الدولي تحذيراً من أن التحسين الواسع النطاق في رفاهة البشرية لن يحدث ما لم يتمتع الفقراء بمزيد من القدرة على الحصول على خدمات أرخص تكلفة وأفضل نوعية، وذلك في مجالات الرعاية الصحية والتعليم وإمدادات المياه والصرف الصحي والكهرباء. فبدون هذا التحسين في الخدمات يظل الخلو من المرض والتحرر من الأمية وهما اثنان من أهم طرق خلاص الفقراء من براثن الفقر أمرين بعيدين عن منال العديد من الناس.
يقول هذا التقرير بعنوان تقرير عن التنمية في العالم 2004 : جعل الخدمات تعمل لصالح الفقراء ان الخدمات الأساسية كثيرا ما تقصر في الوفاء باحتياجات الفقراء، سواء من حيث القدرة على تحصيلها أو كميتها أو نوعيتها. وهذا ما يعرض للخطر مجموعة من الأهداف الإنمائية للألفية الجديدة التي تدعو لتخفيض أعداد الفقراء بنسبة النصف على صعيد العالم، والتحسين الواسع النطاق في التنمية البشرية بحلول عام 2015. غير ان التقرير يتيح أمثلة قوية على مجالات نجاح عمل الخدمات، مما يوضح كيف يمكن للحكومات والمواطنين تحسين الأمور في هذه المجالات. ويقول التقرير انه كانت هناك نجاحات مرموقة وإخفاق محزن في الجهود التي تقوم بها البلدان النامية لتحقيق نجاح عمل الخدمات. ويمكن الفيصل بين النجاح والفشل في درجة إشراك الفقراء في تحديد نوعية وكمية الخدمات التي يجري تقديمها لهم.
يقول جيمس د. وولفنسون رئيس البنك الدولي: غالباً ما تقصر الخدمات عن الوفاء باحتياجات الفقراء، وقد يكون هذا التقصير أقل وضوحاً من الأزمات المالية، ولكن نتائجه مستمرة وعميقة. فالخدمات تنجح حين تشمل كافة الناس، وحين يجري تشجيع الفتيات على الالتحاق بالمدارس ويشارك التلاميذ والأهل في عملية التعليم المدرسي، وحين تتولى المجتمعات المحلية مسؤولية شبكات الصرف الصحي الخاصة بها. وهي تنجح حين نعتمد نظرة شاملة للتنمية مع إدراك ان ثقافة الأم تساعد صحة وعافية طفلها وان إنشاء طريق أو جسر يمكن الأطفال من الالتحاق بالمدارس.
يأتي هذا التقرير في الوقت الذي تعهدت فيه البلدان الغنية بزيادة المعونات الأجنبية، وتعهدت البلدان الفقيرة بتحسين سياساتها ومؤسساتها أو السعي لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الجديدة. يقول نيكولاس ستيرن النائب الأول لرئيس البنك الدولي لشؤون اقتصاديات التنمية ورئيس الخبراء الاقتصاديين «يعتبر تحقيق النمو الاقتصادي ضرورياً لتعجيل خطى التقدم في التنمية البشرية، غير انه ليس كافياً. فحشد الطاقات للوصول إلى الأهداف الإنمائية المحددة بحلول عام 2015م يتطلب زيادة كبيرة في الموارد الخارجية وزيادة كفاءة استخدام كافة الموارد الداخلية منها والخارجية. ويتيح هذا التقرير إطاراً عملياً من أجل استخدام الموارد بمزيد من الفعالية».
كيف تقصر الخدمات عن الوفاء باحتياجات الفقراء
تصف أقوال الفقراء المدرجة في هذا التقرير الجديد كيف ان الخدمات التي يتلقونها رديئة، وغالباً ما يؤديها لهم أشخاص وجهات يتراوح سلوكهم بين اللامبالاة وسوء المعاملة.
ففي قرية أدابويا في غانا «ينبغي على الأطفال السير مسافة أربعة كيلومترات للوصول إلى المدرسة حيث ان المدرسة القائمة في هذه القرية خربة تحتاج إلى إصلاحات ولا يمكن استخدامها في فصل الأمطار». وفي قرية بوتريورو سولا في السلفادور، يشكو القرويون من أن «مركز الرعاية الصحية عندهم عديم الفائدة لعدم وجود طبيب أو ممرضة، ولا يفتح أبوابه سوى يومين في الأسبوع وحتى الظهر فقط». أما في منطقة موتاسا في زمبابوي فان الرد الذي شاع في استقصاء للنسوة اللواتي أنجبن أطفالهن في مراكز الرعاية الصحية الريفية هو أنهن تعرضن للضرب على أيدي موظفي هذه المراكز أثناء وضع مواليدهن.
ومما يؤيد صحة حكايات كهذه قصص مماثلة من بلدان أخرى أيضا. فالطفل الفقير العادي في ريف مالي يضطر للسير على الأقدام مسافة ثمانية كيلومترات لكي يداوم في مدرسة ابتدائية. وعلى المرأة في ريف تشاد السير على الأقدام مسافة 23 كيلومتراً للوصول إلى عيادة طبية. ويفتقر بليون شخص من مختلف مناطق العالم إلى القدرة على الوصول إلى مصدر مياه محسّن، كما يفتقر 5 ،2 بليون شخص إلى الصرف الصحي المحسّن.
وحتى حين تكون للفقراء قدرة الحصول على الخدمات فان نوعيتها منخفضة جدا. ففي زيارات عشوائية إلى 200 مدرسة في الهند، لم يجد القائمون بالبحث الاستقصائي المعني أي نشاط تعليمي في وقت الزيارة في نصف هذا العدد من المدارس. كما ان حوالي 45 في المائة من المعلمين في اثيوبيا تغيّبوا على الأقل يوماً واحداً في الأسبوع قبل الزيارة وحوالي 10 في المائة منهم تغيّبوا لمدة ثلاثة أيام أو أكثر. واتضح من استقصاء لمرافق الرعاية الصحية الأولية في بنغلاديش ان نسبة التغيّب بين الأطباء بلغت 74 في المائة.
يقول جان لوي ساربيب، النائب الأول الجديد لرئيس البنك الدولي لشؤون التنمية البشرية، النائب السابق لرئيس البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا «يعتبر تحسين تقديم الخدمات الأساسية كالرعاية الصحية والتعليم للفقراء حاسم الأهمية في تعجيل خطى التقدم في التنمية البشرية، وذلك لأن زيادة الإنفاق العام لن تكفي بحد ذاتها. فمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا تنفق على التعليم أكثر مما تنفق أية منطقة أخرى من مناطق العالم النامية، ومع ذلك نجد فيها بعض أعلى معدلات الأمية بين الشباب في العالم. فاحتمال كون الفتاة أمية في منطقة الشرق الأوسط قد يكون بنسبة احتمال كونها أمية في منطقة افريقيا جنوب الصحراء التي هي أكثر فقراً من منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
الخدمات يمكن ان تعمل لصالح الفقراء
يشير هذا التقرير إلى العديد من الأمثلة على تحقيق النجاح. فقد استخدمت اندونيسيا عوائد ثروتها النفطية في بناء مدارس جديدة وتعيين المزيد من المعلمين، فضلا عن مضاعفة نسبة الملتحقين بالمدارس الابتدائية لتصل إلى 90 في المائة.
كما ازداد عدد الأطفال الملتحقين بالمدارس الابتدائية في أوغندا من 6 ،3 ملايين طفل إلى 9 ،6 ملايين طفل في غضون خمس سنوات. أما في المكسيك فقد أدى برنامج يعطي الأسر الفقيرة دفعات نقدية إذا انتظمت على مراجعة العيادات الطبية وأرسلت أطفالها إلى المدارس إلى تخفيض الإصابة بالمرض بينهم بنسبة 20 في المائة، والى زيادة معدلات الالتحاق بالمدارس الثانوية بنسبة 5 في المائة بالنسبة للبنين و8 في المائة بالنسبة للبنات.
يقول شانتايانان ديفاراجان المدير المسؤول عن تقرير عن التنمية في العالم 2004م ورئيس الخبراء الاقتصاديين في شبكة التنمية البشرية في البنك الدولي «يمكن ان تنجح الخدمات في تحقيق الهدف منها حين يكون الفقراء في لب عملية تقديم الخدمات حين يمكنهم تفادي سوء الجهات التي تقدم تلك الخدمات وحين تتم مكافأة الجهات التي تقدمها بصورة جيدة ويسمع الساسة أصوات الفقراء أي حين تكون لدى الجهات التي تقدم الخدمات حوافز تدفعهم لخدمة الفقراء».
يوثق هذا التقرير ثلاث طرق يمكن بواسطتها تحسين الخدمات:
1 زيادة خيارات الفقراء وإشراكهم في تقديم الخدمات، وذلك لتمكينهم من متابعة وتحقيق انضباط الجهات التي تقدم الخدمات. فخطط القسائم المدرسية كالبرنامج الموجه للأسر الفقيرة في كولومبيا أو برنامج المنح الدراسية للفتيات في بنغلاديش «الذي يعطي دفعات نقدية للمدارس يتم تحديد مبالغها استناداً إلى عدد الفتيات الملتحقات بالمدرسة المعنية» تزيد سلطة متلقي الخدمات تجاه الجهات التي تقوم بتقديمها، فضلا عن الزيادة الكبيرة في معدلات الالتحاق بالمدارس. كما ان قيام المجتمعات المحلية في السلفادور بإدارة شؤون المدارس حيث يجري أهالي التلاميذ زيارات منتظمة للمدارس أدى إلى تخفيض تغيّب المعلمين وزيادة درجات تحصيل التلاميذ في الاختبارات.
2 زيادة سماع صوت الفقراء من خلال صناديق الاقتراع وإتاحة المعلومات على نطاق واسع، ففي بنغالور في الهند، أدت استقصاءات تقديم الخدمات التي بينت للفقراء نوعية ما يتلقون من خدمات إمداد المياه والرعاية الصحية والتعليم والنقل مقارنة بما في المناطق المجاورة إلى زيادة الطلب على تحسين الخدمات واضطرت الساسة إلى اتخاذ إجراءات في هذا الصدد.
3 مكافأة فعالية تقديم الخدمات للفقراء وتغريم عدم فعالية تقديمها لهم. وعقب الحرب الأهلية في كمبوديا، قامت الحكومة بدفع مبالغ نقدية للجهات التي تقدم خدمات الرعاية الصحية الأولية في منطقتين استناداً إلى الأوضاع الصحية للأسر «حسبما يقيسها استقصاء تقوم به جهة مستقلة» في المنطقة المعنية. وقد تحسنت مؤشرات الأوضاع الصحية كما تحسّن تلقي الفقراء لخدمات الرعاية الصحية في هاتين المنطقتين قياساً بالمناطق الأخرى.
الخدمات العامة مقابل خدمات القطاع الخاص قول غير صحيح
يعتبر تقديم خدمات الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الأخرى للمجتمعات المحلية قضية محفوفة بالجدل في العديد من البلدان، مع كون الخدمات الحكومية في مواجهة مع عمليات الخصخصة الواسعة النطاق.
يقول التقرير انه على الرغم من المشاكل المتكررة في الخدمات العامة، من الخطأ القول ان على الحكومة الاستسلام وترك كل شيء للقطاع الخاص. فإذا جرى ترك الأفراد يدبرون أمورهم كل بذاته لن يتيحوا مستويات من التعليم والرعاية الصحية المرغوبة جماعياً. وليس هذا صحيحا من الوجهة النظرية فحسب، بل صحيح من الوجهة العملية حيث لم يحقق أي بلد تحسنا كبيراً في معدلات وفيات الأطفال والتعليم الابتدائي دون مساهمة الحكومة المعنية في ذلك.
كما ان مشاركة القطاع الخاص في تقديم خدمات الرعاية الصحية والتعليم والبنية الأساسية ليست خالية من المشاكل ولا سيما في الوصول إلى الفقراء، أي ان من الواضح ان الموقف المتطرف القائل بضرورة قيام القطاع الخاص بكل شيء لوحده ليس مستحسناً أيضا.
تقول ريتفا رينيكا، نائب المدير المسؤول عن تقرير عن التنمية العالمية 2004م ومديرة بحوث الخدمات العامة في البنك الدولي، «بدلا من الانخراط في الجدال حول الخدمات العامة في مقابل الخدمات التي يقدمها القطاع الخاص، القضية الوحيدة الهامة هي ما إذا كانت آلية تقديم الخدمات الأساسية تدعم قدرة الفقراء على رصد ومتابعة الجهات التي تقدم هذه الخدمات وتضطرها إلى الانضباط، وتجعل صوتهم مسموعاً في عملية وضع السياسات وتتيح لهم الخدمات الفعالة التي يحتاجونها لأسرهم».
يقول التقرير ان بعض الجهات المانحة للمعونات تتخذ شكلا من أشكال الموقف المنادي بان يتم «ترك كل شيء للقطاع الخاص»، ويمكن ان تسأل هذه الجهات المانحة انه إذا كان أداء الخدمات الحكومية سيئاً إلى تلك الدرجة فلماذا إعطاء المزيد من المعونات لتلك الحكومات؟.
وتقول السيدة رينيكا «ذلك من الخطأ بنفس الدرجة أيضا. هناك الآن بحوث كثيرة تبيّن ان المعونات مثمرة في البلدان التي سياساتها ومؤسساتها جيدة، والبلدان التي سياساتها ومؤسساتها آخذة في التحسن في الآونة الأخيرة. ويمكن للإصلاحات المدرجة تفصيلاتها في هذا التقرير «الموجهة للبلدان المتلقية للمعونات والجهات المانحة لها» زيادة الفائدة من المعونات.
ويقول التقرير انه عندما تأخذ السياسات والمؤسسات في التحسن ينبغي زيادة المعونات وليس تحفيضها، وذلك لتحقيق الهدف المشترك المتمثل في تخفيض أعداد الفقراء، مثل الأهداف الإنمائية للألفية الجديدة. وفي الوقت نفسه، من غير المرجح ان تؤدي زيادة الإنفاق العام وحدها دون السعي لتحسين كفاءة ذلك الإنفاق إلى منافع كبيرة. فإنتاجية الإنفاق العام تتفاوت كثيرا فيما بين البلدان، فاثيوبيا وملاوي تنفقان المبلغ نفسه تقريباً بنسبة الشخص على التعليم الابتدائي ولكن نواتج ذلك مختلفة كثيراً، كما ان بيرو وتايلاند تنفقان مبالغ مختلفة جدا مع نواتج مماثلة.
يخلص التقرير الى انه ليس هناك مقاس واحد يناسب الجميع. فآلية تقديم الخدمات ينبغي تصميمها بما يتلاءم مع خواص الجهات والأوضاع في البلد المعني. فعلى سبيل المثال، إذا كانت الخدمة المعنية من النوع الذي يسهل رصده ومتابعته كالتحصين باللقاحات، وهي في بلد فيها السياسات لصالح الفقراء كالنروج، فان من الممكن عند ذلك ان تقوم الحكومة المركزية المعنية بتقديمها مباشرة أو التعاقد مع جهات القطاع الخاص على تقديمها. غير انه واذا كانت الاعتبارات السياسية في البلد المعني تؤدي على الأرجح الى تحويل الموارد الى ميسوري الحال عن طريق المحسوبيات. وإذا كانت الخدمات من النوع الذي يصعب رصده ومتابعته كتعلم التلاميذ، فعند ذلك من الضروري اتخاذ الترتيبات التي تمنح أسباب القوة والصلاحية قدر الإمكان للمستفيدين من الخدمات. ومن الأرجح ان تعمل لصالح الفقراء خطط القسائم التي تعطى للفقراء كما في كولومبيا أو بنغلاديش، والمدارس التي تديرها المجتمعات المحلية كما في السلفادور، أو البرامج المتسمة بالشفافية والمستندة الى القواعد كما في برنامج «Progresa» في المكسيك.
الاقتداء بالأمثلة الحسنة على الصعيد الوطني
يقول التقرير انه لا يكفي ان تكون ترتيبات تقديم الخدمات مبتكرة. بل الحاجة ماسة الى طرق لتوسيع نطاق وصول هذه الابتكارات أو «توسعتها» بما ينفع البلد المعني بكامله. ولتحقيق هذا يؤكد التقرير على دور المعلومات كحافز من أجل التغيير وكأحد المدخلات التي تجعل الإصلاحات تنجح. ففي أوغندا أدى نشر الصحف والجرائد لحقيقة انه لم يكن يصل للمدارس الابتدائية سوى نسبة 13 في المائة من الأموال المخصصة لها الى حشد الرأي العام. وأصبحت النسبة الآن 80 في المائة وأصبحت موازنة المدرسة تعلن على أبواب غرف الدراسة.
تعطي التقييمات المنتظمة لهذه الابتكارات مع تقييم لمجموعة ضبط الى جانب «العينة موضوع المعالجة» الثقة لواضعي السياسات في أن ما يرونه حقيقيا .. فهذا التقييم لبرنامج Progresa المكسيكي أدى الى توسيع نطاق هذا البرنامج ليغطي نسبة 20 في المائة من سكان المكسيك.
ينبّه مؤلفو التقرير الى ان من الصعب تحقيق هذه الإصلاحات. ويقول السيد ديفاراجان «ليس هناك شيء سهل بل هناك الأمر الصعب المتمثل في إصلاح المؤسسات وعلاقات القوة والسلطة. غير ان احتياجات فقراء العالم ملحّة. كما ان الخدمات غالباً ما قصّرت عن الوفاء باحتياجاتهم. ويجب علينا الآن اتخاذ ما يلزم».

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved