Saturday 8th november,2003 11363العدد السبت 13 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

البشر هم الثروة الحقيقية للأمم .. البشر هم الثروة الحقيقية للأمم ..
عبدالعزيز السماري

تتفق بيانات لجنة الأمم المتحدة والاقتصادية لغرب آسيا «اسكوا» ان معظم دول الشرق العربي تفتقر اقتصادياتها إلى الموارد البشرية الفنية المدربة، والقادرة على إحداث التنمية، كما تعاني من غياب البنية التحتية الأساسية «المؤسسية والتنظيمية والقانونية» الضرورية لسلامة تفاعل الآليات والقوى المختلفة، ومن جهة أخرى غالباً ما تكون هذه الدول غنية بمواردها الطبيعية وموادها الخام التي تحتاجها أسواق الدول المتقدمة، وهو الأمر الذي يؤدي إلى اختلال الموازين نظراً لاختلال القوى بين الثروة الطبيعية الغنية وبين الموارد البشرية الفقيرة.
وتجارب الدول في العصر الحديث أثبتت ان رأس المال البشري أهم من الثروات الطبيعية، فكثير من الدول تفوقت بسبب نجاحها في استثمار مواردها البشرية، بينما فشلت الثروات الطبيعية في كثير من الأحيان في تحويل البشر إلى شعوب منتجة.
فالبشر هم «الثروة الحقيقية» للدول، وهم العامل الأهم في تقدم الأمم وصعودها باستمرار في سلم الحضارة، والتنمية البشرية هي عملية توسيع اختيارات البشر في العيش في صحة جيدة، والحصول على المعرفة، وتوفر الموارد اللازمة لمستويات معيشية لائقة، هذا بالإضافة إلى تهيئة الفرص للإنتاج والإبداع، والتمتع باحترام الذات وضمان حقوق الإنسان.
والقرار السامي باعتماد المخصصات المالية في ميزانية المؤسسة العامة للتعليم والتدريب المهني وذلك لإنشاء عشرين «20» كلية تقنية جديدة وتجهيزها تكون طاقتها الاستيعابية ستين ألف «000 ،60» متدرب من خريجي الثانوية العامة بتكلفة قدرها «000 ،000 ،900 ،1» ريال وإنشاء «39» معهد تدريب تقنياً وتجهيزها تكون طاقتها الاستيعابية «000 ،40» متدرب وبتكلفة قدرها «000 ،00 ،543 ،1» ريال يعني ان الاستثمار في تنمية الموارد الإنسانية هو الهدف الاستراتيجي في المرحلة القادمة، لكن التحدي الكبير سيكون أمام المؤسسة العامة للتعليم والتدريب المهني، وفي قدرتها لاستثمار هذا الدعم لبناء جيل المستقبل الغني بالمهارات البشرية المؤهلة، وتسويق إنتاجها في القطاع العام والسوق المحلية، والمسؤولية الأخرى الأهم ستكون على عاتق وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في تفريغ السوق المحلية من العمالة الأجنبية المنافسة للمؤهل السعودي، وفي حالة إنتاج قوى بشرية محلية ذات قدرات مهارية عالية، ولم تتم معالجة الفائض من العمالة الأجنبية في سوق العمل السعودي، ستطرد السلع الرديئة المستوردة السلع الوطنية الجيدة من سوق العمل، لذا لا بد بدءاً من حماية للإنتاج البشري الوطني.
ولكي تتقن المؤسسة العامة للتعليم والتدريب المهني إنتاجها الجديد، يجب مراجعة تجاربها السابقة وتقييم جودة إنتاجها في سوق العمل المحلي، ولا بد من مواجهة الأمر الواقع بشجاعة، فالمستوى محلياً يفتقر لقصص النجاح في مشاريع التنمية البشرية، ولا بد من استقطاب خبرات أجنبية حقيقية لتشغيل الإدارة الفنية في الكليات الجديدة، ولا بد ان نعترف بمنتهى التجرد والإنصاف ان دول شرق آسيا وخاصة ماليزيا وكوريا الجنوبية واليابان سبقتنا بمسافات شاسعة في مجال إنتاج الموارد البشرية، وسنختصر الزمن إذا قدمنا إغراءات للقدرات الفنية العالية في مجالات التدريب التقني في تلك الدول المتطورة، كما تتطلب هذه الخطوة الاستثمارية الرائدة ضرورة تأسيس هيئة «مستقلة» تماما عن إدارة المؤسسة العامة، وذلك لفحص ومراقبة جودة ومهارة وكفاءة الإنتاج البشري من الكليات التقنية.ولنا أن نتساءل، ونحن في مخاض التوجه الوطني نحو صقل الكوادر الوطنية عن فرص تدريب الكوارد الصحية ضمن خطة الاستثمار الكبير في المؤسسة العامة للتعليم والتدريب المهني، فالقطاع الصحي يعاني من ضائقة شديدة في نقص الكوادر الفنية المؤهلة، سواء كانت الأجنبية أو السعودية، ومعامل مستشفيات وزارة الصحة ومستويات قدراتها التشخيصية شاهد على ذلك، فالكثير من المستشفيات في المدن والقرى يفتقر إلى أساسيات في خدماته المخبرية والتقنية، ويشتكي كثير من الأطباء في مستشفيات وزارة الصحة من الأخطاء الجسيمة في نتائج التحاليل الطبية، ومن بدائية طرق الاختبارات المخبرية، ولا يمكن لأي إدارة صحية تقديم خدمات طبية ذات جدوى بدون معامل مؤهلة لتقديم فحوصات دقيقة، ويعد غياب مختبر وطني مركزي خارج أسوار الوزارة وسلطتها الإدارية، مهمته الرئيسة مراقبة وتقييم الجودة والقياس في معامل ومختبرات مستشفيات وزارة الصحة والمستشفيات الخاصة من أهم أسباب تدني المستوى وتشتت الجهود.كذلك لا يوجد عدد كافٍ من الكليات الطبية المساعدة المؤهلة لإنتاج كوادر منتجة في هذا المجال المهم، ويزيد في الأمر صعوبة ازدياد الطلب العالمي على القدرات الفنية المؤهلة في المعامل الميكروبيولوجية والتشخيصية في مجالات الأشعة وعلوم الفحوصات الكهربائية للدماغ وفنيي مختبرات الفحوصات الجينية والصيدلية، كما تعتبر عملية استقطابها للعمل داخل السعودية صعبة للغاية في الوقت الحاضر. إذا لم يتم إغراء القدرات الموّهلة منها مادياً، والجهود الفردية في بعض المستشفيات الكبرى لإنتاج قدرات فنية مؤهلة على مستوى عال محدودة لعوامل كثيرة. أهمها أيضا رحيل الكوادر الصحية الأجنبية المؤهلة للقيام بتدريب القدرات الوطنية، وقصور في حجم الإعانة المادية لمثل هذه البرامج الحيوية، وفي عدم توفر المكان الملائم للتدريب، وقبل ذلك يجب ان نعترف ان من جذور هذه المعضلة هو نقص الخبرات الإدارية في هذا المجال، فالإدارة غالباً ما تكون غير مدركة أو غير مكترثة للعواقب الشديدة السلبية للنقص الحاصل في هذا المجال الأساسي، وتلك مسألة لها خصوصية في دول غرب آسيا.
ونجدر بالذكر أن السوق الأهلية تزدحم بمعاهد يقدر عددها بثمانين مؤسسة صحية خاصة، تهتم بالربح المادي، بغض النظر عن ضرورة التأهيل العالي للمتدربين في مجال هذه التخصصات المهمة، حيث تفرض عمليات الربح والخسارة المادية على المستثمر استقدام كوادر أجنبية غير مكلفة وغير مؤهلة للقيام بهذه المهمة، ولا يمكن على الإطلاق التنازل عن حد أدنى من المستوى المأمول في إنتاجها المهني، والجميع لا يزال ينتظر دوراً أكبر من وزارة الصحة والهيئة السعودية للتخصصات الصحية لتصحيح الأوضاع في المعاهد الخاصة أو إلغاءها، إذا كان ذلك سينهي أزمة تخريج قدرات بشرية غير مؤهلة.
كما يجب التفكير بجدية لدعم برامج المستشفيات الكبرى لتدريب الكوادر الوطنية واستثمار توفر القدرات الأجنبية المميزة في معاملها ومختبراتها، ولماذا لا يكون هناك مؤسسة عامة لدعم التدريب الصحي، ولاستقطاب القدرات الأجنبية الماهرة، أو لماذا لا تقوم المؤسسة العامة للتعليم والتدريب المهني بدور وطني في مجال الاستثمار في مجال البنية التحتية في الخدمات الصحية الوطنية، ويجب ألا نتساهل في بناء هذا المجال المهم جدا، وأن نستفيد من تجربة فشل معاهد التمريض سيئة الذكر في العقد الماضي، ومن تجارب فشل بعض الدول العربية في إنتاج الكوادر الفنية المؤهلة، وان نحاول تشخيص علة الفشل العربي المزمنة في دورات الخطط التنموية لرأس المال الإنساني، بعد ان نطرد مشاعر الخوف غير المبررة من قنابل الانفجار السكاني، وهي التي كانت بمثابة الثروة الوطنية في دول شرق آسيا عندما تم استغلالها بالشكل المطلوب، ويجب ان نتوقف عن السير في هذا الاتجاه، فالطريق يصنعه المشي.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved