Saturday 8th november,2003 11363العدد السبت 13 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

هل نغير بالشكل الذي نريده.. أم نتغير بما يريده الآخرون؟ هل نغير بالشكل الذي نريده.. أم نتغير بما يريده الآخرون؟
ثنائية التكنولوجيا والحدث الإعلامي
د. علي بن شويل القرني (*)

نحن نؤمن بأن كل واحد منا مختلف عن الآخر في أعداد كبيرة من المتغيرات، مثل التعليم والدخل والثقافة والاتجاهات والاهتمامات وغير ذلك كثير من المتغيرات الديموغرافية.. والسوسيواقتصادية، ولكن فيما مضى من سنوات كان هناك أمل كبير في أن تتوحد اهتماماتنا ومعارفنا ونتشارك في همومنا وعواطفنا.. كان ذلك ممكنا عندما كنا نعيش في كنف الإعلام والتعليم والثقافة الوطنية الواحدة، وعندما كنا نعيش في ظل سيادة الصوت الواحد والرأي الواحد والاتجاه الواحد والصحيفة الواحدة والمجلة الواحدة والإذاعة الواحدة والتلفزيون الواحد.. وعندما كنا نتابع نشرة أخبار واحدة ونحفظ أغنية واحدة ونطرب لمذيع واحد ونشاهد برنامجاً واحداً ونقرأ موضوعاً واحداً ونصحو في وقت واحد وننام في وقت واحد أيضاً.
أما الآن فإننا نعيش في عصر غير الذي كنا فيه وفي مجتمع يبدو كأنه غير الذي تربينا في أحضانه وفي مكان غير الذي تعودنا ان نقف عليه وعلى سرير غير الذي كنا ننام عليه ومع أصدقاء غير هؤلاء الذين عايشناهم وصادقناهم في مختلف مراحل حياتنا، وبالتالي فإننا لم نعد نقرأ بنفس اللغة ولا نفهم بنفس الطريقة ولا نستوعب بذات الوسيلة، واختلفنا عن غيرنا واختلفنا عن أنفسنا. إن هذه النزعة الفردية، أو ما يمكن أن نسميها الانفصام الاجتماعي، لها تبعاتها الخطيرة على الفرد العربي، حيث انها تعزله عن الهموم المجتمعية العامة والقضايا الوطنية المشتركة والتفكير الواحد، كذلك فان النزعة الفردية التي تكرسها الوضعية الإعلامية الجديدة قد تغيب الفرد عن مشاركاته ومسؤولياته على مستوى قضايا الأمة العربية والإسلامية.
يعيش العالم في الوقت الراهن حالة عدم استقرار واختلال توازن في المفاهيم والقيم الإعلامية التي اعتاد عليها.. وتتساوى في ذلك المؤسسات الاجتماعية والمؤسسات الإعلامية مع مؤسسات التلقي والاستقبال الإعلامية، وكلها تعاني من أزمة استيعاب وفهم وتقدير للوضع الإعلامي الجديد. إننا نعيش اليوم عصر نهاية الإعلام ومفاهيمه التقليدية، ومما يدلل على ذلك الوقائع والفرضيات التالية:
1 تلاشي الحدود الفاصلة بين المصدر الإعلامي ومصدر الحدث فلم يعد معروفاً من هو الفاعل الحقيقي للحدث، وفي بعض الأحيان أصبح الفاعل الأساسي في الحدث مجرد متفرج على ما يدور من تفاعلات حول الحدث الذي يعد هو جزءاً منه.
2 تلاشي الحدود الفاصلة بين المحلي والدولي في الاهتمامات والموضوعات، وجاء ذلك نتيجة اختلاط كثير من القرارات الدولية وتشابك المصالح وتعقد الرؤيات، وأصبحت القنوات المحلية مجرد أوعية تعكس ما تتداوله القنوات الدولية، وما تبثه المحطات والفضائيات العالمية يحتل جزءاً هاماً في بناء الخطاب المحلي سواء على شكل فقرات أو لقطات أو استشهادات، أو تبني قيم وتمثل اتجاهات ومواقف.
3 نهاية مفهوم الجمهور الإعلامي، فلم يعد هناك جمهور خاص بالوسيلة المحلية.. كما لا يمكن تحديد من هو جمهور القنوات الدولية. وعموماً فقد تلاشت الفواصل بين جغرافية الجمهور وأصبحنا نعيش في عصر الجمهور العالمي الواحد، وبالتالي فلا نستطيع تحديد ماهيته أو اتجاهه أو ذوقه وخصوصيته.. وكل شيء في هذا الخصوص قابل للتخمين.
4 نتيجة التغطيات الإعلامية المباشرة والمتابعات الحية، لم يعد هناك فاصل بين الواقع الإعلامي وبين الواقع الاجتماعي الذي نعيشه.. فقد أصبحنا فعلاً نعيش داخل تلفزيون ضخم قابل لالتهامنا وابتلاع خصوصيتنا وإلغاء إدراكنا بأن هناك واقعاً خارجياً غير هذا الواقع الإعلامي الذي نعيشه عبر شاشة التلفزة الدولية.
5 تلاشي كثير من مفاهيم ونظريات وفرضيات الإعلام السائدة التي تشرح سلوكيات وواقع الإعلام، ولم يعد الإعلام خاضعاً أو قابلاً لتلك الأطروحات البعيدة، ويشكل هذا التغيير عبئاً كبيراً على الأكاديميين الإعلاميين الذين يحتاج منهم إلى سنوات طويلة لإعادة صياغة نظرياتهم وفرضياتهم حول الإعلام وعلاقته بالواقع الجديد.
إن العلاقة بين المؤسسات الإعلامية «التي تبني الخطاب» وبين مؤسسات التلقي والاستقبال، بأنواعها المشاهدة والاستماع والقراءة أدت في مجملها إلى بناء علاقة من التوتر وعدم الاستقرار.. وهنا تأتي المصداقية كأساس وسبب في أزمة العلاقة الطرفية بين مؤسستي الإعلام والتلقي. وتنشأ هذه الأزمة نتيجة بعض الفرضيات الخاطئة التي تعتمد على اعتقاد سائد بأن وسائل الإعلام الوطنية تمتلك جمهورها ولا يمكن ان يتناثر هذا الجمهور أو يتبعثر وجوده على وسائل أخرى.. إن الواقع الجديد الذي فرضه البث المباشر عبر فضائيات الأقمار الصناعية قد غيّر هذه الصورة إلى الأبد، ولم تعد هناك إمكانية لامتلاك الجمهور أو فرض الإقامة الجبرية عليه، بل من الممكن في أحسن الأحوال ان تصبح هناك استضافة قصيرة جدا ولنوعية معينة من البرامج، وليس بالضرورة أيضا أن تسفر هذه الاستضافة عن رضا واستحسان واقتناع من هذا الجمهور، بل انها قد تتحول إلى رفض وسخط ونقمة وتحول مستديم إلى خيارات إعلامية أخرى. إن أهم جانب يمكن من خلاله زرع الثقة أو استعادتها في بعض الأحوال يكمن على سبيل المثال في مجال تطوير الخبر الإعلامي وإعادة صياغته وتقويمه وتحديد أولويات جديدة له تتناسب مع طموح ورغبات المتلقي، أما الخبر القديم فلم يعد يتناسب مع البث الفضائي وتعدد القنوات الإخبارية وسرعة متابعتها وتغطيتها. إن مفهوم الخبر تغيّر تماماً عما كان عليه سابقاً.. ويمكن إجمالاً اختصار جوانب التحول في هذا المفهوم على النحو التالي:
1 لم يعد مفهوم الخبر مقتصراً على مجرد الإعلان عن الذات المرسلة فقط محاولاً إلغاء الآخرين من مساحة الفضاء الخبري المقدم للمتلقي، لأن القنوات الفضائية تعرض لكل أنواع الأحداث من مختلف وجهات النظر الدولية، وغياب هذا التنوع الخبري في وسائل إعلامه المحلية يجعل المتلقي أمام خيار البحث عن تعددية المواقف الخبرية في محطات إعلامية أخرى.
2 تغير مفهوم الزمن بالنسبة للخبر.. فقد اعتدنا ان نصافح الأخبار التي انتهت والأحداث التي توارت، أما اليوم فإن التقنيات الفضائية وفّرت لنا معايشة آنية للحدث ومتابعة مباشرة للموضوع.. فها هي طائرة تحترق أمامنا.. وهذا رئيس دولة يتحدث في مؤتمر صحافي.. وهذا اجتماع ينفض.. وها نحن نشاهد الثلوج تسقط. ونعيش لحظة اختطاف حية لاحتجاز عدد من الرهائن.. ونرى المدفعيات تضرب.. والأطفال يصرخون والأمهات يبكين. كل هذا وغير هذا وأكثر من هذا يحدث أمامنا في نفس اللحظة، ودون ان يكون هناك فاصل زمني أو حاجز مكاني.. فالأخبار بمفاهيمها الجديدة ألغت عاملي الزمن والمكان. وأصبحنا نعيشهما معا أينما كنا وحيثما أصبحنا. ولا شك ان المتلقي يبحث عن مثل هذه المعايشة المستمرة للأحداث والتواجد الدائم في كل مكان من خلال القنوات المتاحة، وكلما استطاعت القنوات الإعلامية المحلية أن توفر له بعضاً أو جزءاً من هذه الخدمات أمكن له ان يستمر في متابعتها والإخلاص لها، وبالتالي تزيد مصداقيتها لديه وتنمو ثقته بها.
3 نظراً لما وصلت إليه تقنيات الفضاء الإعلامية من متابعة دائمة للأحداث والمواقف، فان مفاهيم المواعيد الثابتة للأخبار لم تعد تتناسب مع مفاهيم الخبر الجديدة، ولم يعد هناك متلقٍ مرتبط بالوقت الذي تفرضه عليه محطة من المحطات من أجل ان يعرف ما يدور في هذا العالم، ولهذا تتجه معظم محطات العالم إلى تعويد المتلقي على بث الحدث وإعلان الخبر الهام مباشرة في أي وقت ودون الانتظار للأوقات المعينة للأخبار، وفي نفس الوقت تقوم هذه المحطات بالإبقاء على المواعيد الثابتة لنشرات أخبارها وبرامجها الإخبارية بهدف تلخيص أهم الأنباء والإعلان عن الأخبار الأقل أهمية وإعطاء التحليل المناسب واستضافة أصحاب القرار للتعليق ومعرفة ردود الأفعال.

(*) رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال أستاذ الإعلام المساعد بجامعة الملك سعود

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved