كم هو مزعج صوت صرير إطارات السيارات على الإسفلت.. دونما مبرر، وكم هو مزعج أيضاً ارتطام سيارة بعمود إنارة أو رصيف تم إنفاق الكثير من المال من أجل أن يكون، وتم تشويهه، وكم هو مؤلم جداً فقد شاب أو أكثر في ربيع العمر، وكم هو مؤسف أن نشاهد أو نسمع أو نقرأ عن تكرر مثل هذه الحالات في شوارعنا وطرقاتنا.
كم من الأرواح التي لا تقدر بثمن تزهق، وكم من الأموال والممتلكات تهدر هنا وهناك، وكم من الحرقات والأحزان التي تتجرعها الأمهات والأسر على فقد واحد أو أكثر، كل ذلك وأكثر يحدث بسبب التفحيط.
لقد أصبحت ظاهرة التفحيط ظاهرة تؤرق الأسر ورجال الأمن على السواء وخاصة في فترتي الاختبارات والإجازات، ظاهرة بدأت تتنامى بشكل مزعج وملفت للأنظار. إن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة وبشكل سريع ومدروس وفقاً لطرق عملية لا اجتهادية: ما هي الأسباب الحقيقية لبروز هذه الظاهرة واستمرارها وتناميها مع الوقت علماً أن هناك جهوداً مبذولة من رجال الأمن لمكافحة هذه الظاهرة؟ والمعضلة الأخرى والأهم أن هذه الظاهرة تكاد تقتصر على فئة الشباب في المرحلة المتوسطة والثانوية أي الطلاب الذين يمضون ما لا يقل عن 6 ساعات يوميا في المدارس التي أعدت بهدف تهذيب السلوك وإعداد الفرد وفقاً لطرق وأساليب تربوية سليمة تهدف إلى إظهار أو تخريج أجيال متعلمة وواعية تحافظ على الأرواح والممتلكات وتساهم في نمو الاقتصاد الوطني لا العكس.
لكن عندما نشاهد الواقع نجد أن هناك مفارقات عجيبة ومدهشة بل إنها تصل إلى حد الصدمة أحياناً كثيرة. إن وجود شباب بهذه الكثرة في الشوارع لممارسة التفحيط وفي المقاهي لمضيعة الوقت وهدر الطاقة يعني باختصار أننا فشلنا كمجتمع من أسرة و مدرسة ووسائل إعلام وغيرها في إعداد هذا الجيل أو ذلك من الشباب ولم نحقق أهداف المجتمع المتوخاة وبشكل خاص في التربية. لأن ما يشاهد الآن ليس حالات استثنائية بل إنه أصبح ظاهرة وبشكل أخص في أيام الاختبارات. إن هذه العلاقة بين الاختبارات وظاهرة التفحيط بحاجة ماسة لدراسة ميدانية علمية لمعرفة الأسباب والدوافع التي أدت إلى بروز هذه الظاهرة وتناميها مع الوقت والعمل على إيجاد الحلول العاجلة لها، دراسة تنطلق من المدارس، والالتقاء بالشباب ومحاورتهم وطرح كل الأسئلة التي قد تساعد على الوصول إلى أسباب الظاهرة وإيجاد البدائل التي من الممكن أن يتم توفيرها لهؤلاء الشباب.
أما عندما نتحدث عن المسؤولية بشيء من الحياد والموضوعية ففي اعتقادي أنها يجب أن تتوزع على فئات المجتمع ذات العلاقة بالظاهرة، وأنه لا يمكن حصرها في فئة أو جهة واحدة، لكن يمكن ترتيب هذه المسؤولية حسب الأولوية أو الأهمية. وبذلك فإن المسؤول الأول عن هذه الظاهرة هو المجتمع بشكل عام بعاداته وتقاليده وأنظمته، فعلى سبيل المثال عندما يشتري فلان سيارة لابنه فإن ذلك يعني أن كل شاب في سن فلان لابد من أن يحصل على سيارة في أسرع وقت وبأي ثمن، ومهما كان الثمن فيما بعد، المهم أن ابن فلان ليس أفضل من فلان فأصبحت العملية تنافساً حتى وان كان على خطأ للأسف، وعندما يكون مع فلانة هاتف نقال فمعنى ذلك أنه في الغد سيكون مع كل طالبات المدرسة هواتف نقالة، «وش دعوى» فلانة أحسن من فلانة أو علانة. وأصبحت هذه السلع سلعاً للمباهاة لا سلع حاجة أو ضرورة، وإلا ما هي الفائدة من حمل شاب أو شابة في سن حرجة لهاتف نقال في المدرسة فتتحول العملية من تعليم وتحصيل واحترام للعلم والنظام إلى تسلية وترفيه وتبادل رسائل واتصالات لا قيمة لها. وهذه معضلة كبيرة أعتقد أننا متى تخلصنا منها ومن هذا التنافس غير المجدي أو التقليد الأعمى فستحل مشكلات اجتماعية واقتصادية كثيرة في مجتمعنا.
والمسؤول الثاني هو الأب بصفته رب الأسرة والعائل لها، فلماذا يسلم ابنه سيارة وهو في سن حرجة ولا يتابعه ولا يقيد استخدامه لها بفترة زمنية معينة هي في الغالب الفترة التي جعلته يشتري لابنه السيارة «فترة الدراسة ذهاباً وإياباً».
المسؤول الثالث رجل المرور أو الأمن، والنظام الأمني بشكل عام وأعتقد أنه لو طبق النظام المروري بجزاءاته الحازمة في هذا الموضوع بكل دقة وموضوعية لم يتبق لدينا مفحط واحد ولم يفكر أي شخص آخر في ممارسة هذه الظاهرة فيما بعد.
المسؤول الرابع: المدرسة وبشكل خاص المرشد الطلابي ومدرس السلوك أو التربية الوطنية.
المسؤول الخامس: الإعلام بكافة وسائله وأساليبه.
المسؤول السادس: رجل الإصلاح أياً كان موقعه وجهته.
المسؤول السابع: المواطن، وهنا يجب على المواطن التعاون مع رجال الأمن على الإبلاغ عن الظاهرة وعدم التهاون في هذا الأمر.
يجب علينا جميعاً أن نقف معاً لصد هذه الظاهرة الحمقاء والقضاء عليها في أسرع وقت ممكن.
أخيراً فإنه يمكن الاسترشاد ببعض الحلول المتواضعة التي من المتوقع أن تساهم في الحد من هذه الظاهرة وانتشارها، ومن هذه الحلول ما يلي:
1- استخدام النقل المدرسي لطلاب المرحلة المتوسطة والثانوية قدر الإمكان برسوم مخفضة ومعقولة.
2- تفعيل الأنظمة المرورية بشكل جاد وصارم وعدم التهاون في هذا الأمر مطلقاً، والحد من إصدار تراخيص للقيادة وربط ذلك بالحاجة القصوى، كما يمكن رفع السن القانونية للحصول على رخصة القيادة إلى إتمام الثمانية عشر عاماً، والتوعية المستمرة عن أخطار هذه الظاهرة وآثارها السلبية على الفرد والأسرة والمجتمع من خلال وسائل الإعلام المختلفة وبشكل خاص من خلال الأجهزة المرئية المسموعة، كما يمكن الاستفادة من شبكة الإنترنت والمعارض في هذا المجال.
3- تنصيب كاميرات تصوير ومراقبة في الشوارع والمواقع التي تمارس فيها الظاهرة لأن ذلك سيؤدي إلى سهولة القبض على المفحطين من جانب، وكوسيلة وقائية من جانب آخر.
4- إقامة معارض مستمرة توضح بالصورة والحركة مآسي التفحيط الاجتماعية والاقتصادية.
5- إقامة محاضرات توعوية في المدارس وبالأخص المتوسطة والثانوية توضح مخاطر هذه الظاهرة وآثارها السلبية المختلفة الصحية والاجتماعية والاقتصادية.
6- التعاون من قبل المواطنين مع رجل المرور والأمن في الإبلاغ عن الحالات والمواقع التي تمارس فيها عملية التفحيط.
7- التعامل مع المكالمات الواردة لرجل الأمن بسرية تامة وعدم إبلاغ الأسر أو الأفراد أو أي كان عمن قام بعملية التبليغ حتى لا ينشأ عن ذلك خلافات اجتماعية.
8- إقامة دورات تدريبية لرجال الأمن وخاصة حديثي العهد بالخدمة في مجال المرور والدوريات بأهمية الجدية في التعامل مع هذه الظاهرة والأمانة في أداءالعمل وعدم التهاون مع المفحطين أو التستر عليهم لأي سبب كان.
9- هناك من يطالب أو يقترح بتخصيص مكان لممارسة هذه العملية بعيداً عن الأحياء السكنية والمدارس على غرار التلال والمرتفعات التي تمارس عليها عملية التطعيس في الثمامة وشرق المطار انطلاقاً من كسر قاعدة أن «كل ممنوع مرغوب». ورغم ما يعتري مثل هذا الاقتراح من انتقادات واعتراضات، وقد يقول قائل إن الدولة في هذه الحالة تعترف بالظاهرة وتساعد على حدوثها واستمرارها بل وتجيزها، إلا أنه في النهاية يظل مجرد اقتراح يطرح للنقاش وللمسؤولين والمجتمع قبوله أو رفضه. وهنا يقفز السؤال التالي: ماذا لو تم تقنين العملية فعلاً؟ أو بمعنى آخر تنظيم العملية وإضفاء طابع الرسمية عليها، بحيث تكون العملية منظمة من حيث اختيار الموقع المناسب وتجهيزه وفقاً لشروط ومعايير الأمن والسلامة التي تطبق على مثل هذه الأعمال أو الممارسات الخطرة في الدول التي تسمح بإقامة مثل هذه الممارسات، وتنظيمه من حيث العضوية أو الاشتراك والشروط اللازمة للانضمام لعضوية النادي أو التنظيم مثل موافقة ولي الأمر، والعمر، وقراءة التحذيرات الرسمية التي تتعلق بالظاهرة، والتعهد الخطي من قبل ولي الأمر والمعني بالأمر «المفحط» بعدم المطالبة بأية تعويضات لاحقة عن الأنفس أو الممتلكات من النادي أو الدولة، والإشراف من قبل جهاز مسؤول كالمرور وما إلى ذلك. أعتقد أن مثل هذا الإجراء سيحقق فائدة واحدة على الأقل من الفوائد المتوخاة من مثل هذا الإجراء وهي أن مثل هذا الإجراء سيعمل على الحد من ممارسة هذه الظاهرة، كما أن المكان الذي تمارس فيه العملية ستنخفض فيه نسبة الخطر إلى أدنى نسبة ممكنة، والأهم من ذلك أن الأخطار التي تنتج عن هذه الظاهرة ستقتصر على الممارسين لها فقط وسيسلم المجتمع وممتلكاته من تلك الأخطار. ولكن يجب أن يقابل مثل هذا الإجراء إصدار نظام صارم فيما يتعلق بممارسة العملية في مكان آخر كسحب رخصة القيادة ومصادرة السيارة مصادرة نهائية والسجن.
* الرياض
|