لم تكن الإنسانية في يومٍ من الأيام كحالها الآن وفي حاجتها الملحة إلى هذا النموذج الوحيد الفريد من البشر الذي لا تطيب الحياة إلا به ولا تسود القيم الصحيحة والرفيعة إلا بوجوده وهو غير متحقق إلا بتربية مثلى ليست من صنع البشر، وهذا ما اهتم به الرسول صلوات الله وسلامه عليه في صدر دعوته، اهتم برجال يتجسد فيهم الإسلام الصحيح قولاً وعملاً ولما رأى الناس المنهج الفريد الوحيد أقبلوا مسرعين نحو هذا الدين فدخلوا في دين الله أفواجاً، وهذه هي مهمة المعلم الكفء الذي يراد منه دوماً بعد الله إيجاد جيل طاهرة أرواحهم من لوثة ورجس التصورات التي تثقل الروح الإنساني وتطمره.. كما طهرت أرواحهم من لوثة الشبهات والشهوات والنزوات فلا ترتكس أرواحهم في الحمأة الوبيئة وكلها صفات تزري بإنسانية هذا الإنسان، والمعلم الفطن مطلوب منه دوما تحصين ووقاية طلابه من خطر وضرر كل فكر هزيل أودخيل حيث التربية الصحيحة هي التي تحمي عقول الشباب والطلاب من التحلل والتمزق وتهيئتهم للحياة الصحيحة والعاقبة الحميدة، والمدرس المهتم يتشرب الطلاب لديه روح الجماعة والائتلاف كما يتشربون ذلك من المدرسة النابهة من خلال نظمها واتجاهاتها وسلوك العاملين بها كما أن المدرسة المرادة تربوياً تؤصل روح الجماعة عملياً في نفوس التلاميذ ويتجلى ذلك كله واضحاً من خلال برامج ومناهج المدرسة وفي الجماعات المدرسية المختلفة، وإذا كانت التربية لدى المختصين تعني التنمية بكامل معانيها ومباينها ومقاصدها فإن كل شيء في المدرسة النابهة يهدف إلى التنمية الصحيحة في نفوس التلاميذ فهي تطبع وتصبغ الطالب بها بالصبغة الإنسانية الصححية التي دعا إليها الشرع المطهر {صٌبًغّةّ اللَّهٌ وّمّنً أّّحًسّنٍ مٌنّ اللَّهٌ صٌبًغّةْ وّنّحًنٍ لّهٍ عّابٌدٍونّ}.
هذه الصبغة التربوية ذات الدلالة الكبيرة التي عناها القرآن بأسلوبه الموجز المعجز لتقوم عليها أجل وأنبل تربية عرفها الإنسان في حاضره وماضيه ومستقبله ولتقوم على هذه التربية الفاضلة والتي يمثلها معلم نادر وقادر ومهتم أقول يراد منها أن تقوم عليها وحدة بشرية واسعة الآفاق والأبعاد لا تعصب ولا تقلب فيها ولا حقد ولا حسد ولا أجناس ولا ألوان كما يشاهد خلاف ذلك في تربية غير المسلمين، ونحن في تربيتها الإسلامية الصحيحة لا نريد تسطيحاً ولا تنظيراً ولا تعاميم ولا نشرات إنما نريد تأصيلاً وتجذيراً وتعميقاً لتربيتها الإسلامية، فقد قل الناس كثيراً التنظير والكلام الكثير والنقل والاجترار وعرض بضاعة الآخرين وإن كانت مزجاة، نحن نريد معلما كفواً صادق القلب يقظا مفتح البصيرة متنبه تماما لرسالته وواجبه يشعر جيداً بمسؤوليته عن رعيته، والوثيقة التربوية المثلى تقول: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته والحديث متفق على صحته» فهو بمفهومه ومنطوقه يحارب الاتكالية والسلبية واللثان هما علة العلل في كثير من المجتمعات وخاصة ذات القصور التربري وما أكثرها في دنيا الناس المليئة بالآلام والآثام والإجرام، إلا من عصمه الله وحماه، والتربية الإسلامية المثلى تريد من المعلم أن يكون شامة مميزة بين الناس لأنه يحمل إرثاً نبوياً عظيماً يريد إبلاغه لطلابه ولينهجوا منهجه ويقتفوا أثره لذا لزم المعلم أن يكون متميزاً في زيه وقوله وفعله وهيئته وتصرفاته كلها حتى يكون قدوة حسنة وأسوة صالحة مصلحة تجعله جديراً بحمل الرسالة وتحمل الأمانة يتحبب إلى طلابه بشتى الطرق والوسائل الممكنة يدنوا كثيراً منهم ويراعي جيداً مستواهم العقلي والمعرفي يسمعهم القول الطيب والحديث الحسن مباعداً الأثرة مقبلاً على الإيثار والمحبة الصادقة، ومدرس كهذا يحبه طلابه ويقبلون عليه وعلى درسه بلهفةٍ وشوقٍ ويطيعونه طاعةً صحيةً نابعةً من قناعةٍ تامةٍ ولذا نجد الفرق شاسعا والبون كبيراً بين طاعةٍ صادقةٍ مليئةٍ بالحب والقرب وبين طاعة عمياء كاذبةٍ كما نجد الفرق الواضح بين طاعةٍ قائمةٍ على الحب والاحترام المتبادل والقناعة التامة وبين طاعةٍ قائمةٍ على الجلف والصلف والعنف والقهر ومصادرة الآراء والكبت والزجر، هذا ولم تكن الإنسانية في يوم من الأيام كحاجتها اليوم إلى التراحم والتلاحم والتعاطف واللطف وزرع الفقه بين الناس وخاصة الشباب والطلاب، والمعلم الأسوة من واجبه الأصل والنبيل أن يفجر ينابيع الشفقة والرحمة والحب والحنان والوئام ويغرس ويؤصل فيهم الأخلاق العالية والمثل الرفيعة وهذا التوجه السديد من المعلم المسلم هو الذي يحقق للقلب الطهارة وللنفس التزكية وللتربية الصحيحة معناها الكريم في غير إكراهٍ ولا تضررٍ ولا تبرم وبدون مللٍ أو كسلٍ أو خمولٍ، إنه يقود طلابه قيادةً لطيفةً مريحةً بلا اعتسافٍ ولا إسرافٍ ولا افتعالٍ ولا تشديد ولكن بتسديد ومقاربةٍ، والإنسانية اليوم وغداً وبعد غدٍ تتخبط في تربيتها وستدوم على ذلك ما لم تهتد إلى المنهج التربوي الفريد الذي اختاره لها الحكيم العليم وهي لن تصل إلى بغيتها وخاصة التربية الخلقية بغير هذه الوسيلة الإسلامية التي تربط صاحبها بخالقه جل وعلا فيستجيش في قلبه بحقٍ وصدقٍ صلته الحقيقية بالله في جميع ما يأتي وما يذر وفيما يضمر من نيةٍ أو شعور وبذا تستقيم الحياة الصحيحة ويعلو شأنها وبخطى ثابتة لا مهزوزة ولا متأرجحةٍ، إن التربية الإسلامية منهج واقعي للحياة وهي لا تقوم لا على رؤى وأحلام وخيالات وتخيلات ورؤى مجنحة لا تقدم ولا تؤخر ولا تجدي في واقع الحياة شيئاً ولا يقتنع بها لا الآمر ولا المأمور لا المدرس ولا الطالب كحال بعض النظريات الوافدة والتي جربت مرارا وبقيت الآن حبيسة في أدراجها أو في عقول بعض أصحابها وهكذا كل المثاليات الخيالية الجامدة التي أعطيت للناس في قوالب نظرية وعجز الناس عن تطبيقها أو عافوها ولم يألفوها لكن الإسلام بتربيته الماجدة الخالدة يواجه الناس والحياة عموما ليقودهم قيادة واقعية سلسلة مسيرة قاصدة هينة سهلة يواجه الناس بتربية حية عملية مقبولةٍ لا ترفرف في خيال هائم حالم والتربية النبوية توقف المسلمين على أرض صلبة لا تتأرجح فيها أقدامهم ولا تدع ضمائرهم قلقة متحرجة أحياناً إنها تربية تطمئن إليها النفوس وتسكن إليها وتستريح، ويعتدل في يدها الميزان الصحيح فلا يرجح بدعوى كاذبة ذات لآلئ وبريق خادع.
والله المعين،،،،
|