انتقل إلى رحمة الله تعالى فخامة الرئيس علي عزت بعد معاناة مع المرض، وخلف بعده تاريخاً مملوءاً بالفكر والعمل والتخطيط والصبر والتأني في اتخاذ القرار، لقد كان الرئيس علي عزت ولد عام 1925م في بوسانسكي من أسرة متدينة مثالاً للمسلم الحي الواعي.
درس الرئيس علي عزت القانون في جامعة سراييفو لأنه رأى حقوق بني جلدته من المسلمين مسلوبين كثيراً من حقوقهم، وانضم إلى منظمة الشبان المسلمين في العهد الشيوعي واعتقل عام 1946م وزج به في السجن، ثم أفرج عنه واعتقل مجدداً في عام 1983م بتهمة العمل على توزيع منشورات إسلامية ثم أفرج عنه.
بعد سقوط النظام الشيوعي في يوغسلافيا أسس الرئيس مع كثير من أعوانه حزب العمل الديمقراطي ودخل الانتخابات، وفي نوفمبر 1990م فاز الحزب وأصبح الرئيس علي عزت ممثلاً للمسلمين في مجلس الرئاسة ولكن الصرب كانوا يحلمون بإقامة دولة صربيا الكبرى فأشعلوها حرباً ضروساً على الكروات أولاً ثم على المسلمين في البوسنة ثانياً ووقف الرئيس علي عزت بكل شجاعة في وجه الأطماع الصربية وذبح من المسلمين أكثر من مائتين وأربعين ألفاً في وحشية لم يسجل التاريخ الحديث لها مثيلا وكل العالم كان ينظر إلى تلك المجازر ببرود وكأن الأمر لا يعنيهم.
واشتد البلاء علي المسلمين ما بين عام 1991م وحتى نوفمبر عام 1995م ووصل الصرب الذين يملكون كل قوة صربيا العسكرية إلى وسط سراييفو ولم يبق بينهم وبين القصر الجمهوري سوى خمسين متراً، وكان على الرئيس علي عزت رحمه الله تعالى أن يقابل هذا العدوان بالإيمان بالله والصبر ومساعدة المسلمين ومن لديهم بعض من الضمير لقد طلب من الرئيس على الحضور إلى سراييفو عام 1993م في العاشر من اكتوبر تحت جنح الظلام وبواسطة طائرة الأمم المتحدة لأجد سراييفو بلدة لا ماء ولا أكل ولا هاتف ولا كهرباء، ولا أمن كان الرئيس رحمه الله تعالى يسكن في شقة صغيرة لا تتسع إلا له ولزوجته، أما بقية الأسرة ففي مكان آخر وكان مجمع النفايات عند باب شقته، دخلت عليه في قصر الرئاسة فوجدت وجهاً بشوشاً وثقة عجيبة بالله بلغته تحيات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد والنائب الثاني وسمو الأمير سلمان الذي أخذ على عاتقه بذل كل جهد للوقوف مع الأشقاء، في البوسنة وبين الرئيس رحمه الله تعالى حاجة البوسنة إلى الدعم السعودي مادياً ومعنوياً وتثبيت أقدام المسلمين لأن المسلمين معتدى عليهم.
واستمرت العلاقة الوثيقة مع الرئيس رحمه الله تعالى وكانت الهيئة العليا لمساعدة البوسنة والهرسك مثلاً يحتذى به في الاستقلالية والتعاون مع المسؤولين في الحكومة البوسنوية.
أذكر أن الرئيس طلب مني نقل تحياته إلى الأمير سلمان والعمل على إيصال الغاز لبعض مناطق سراييفو في أوج الحرب، وتم ذلك وكذلك طلب رحمه الله تبني مشروع برتشكو ذلك الفتح العظيم وتم ذلك، وكذلك طلب رحمه الله دعم مركز المعاقين، وتم ذلك حيث تبرع خادم الحرمين الشريفين بمليون دولار.
لقد كانت المملكة قيادة وشعباً أكبر دولة ساندت الشعب البوسنوي والرئيس علي ودعمته حتى تحقق نصر الله.
لقد كان الرئيس علي عزت رجل فكر وعمل وتنظيم وحينما سقط حزب العمل في الانتخابات السابقة للانتخابات الأخيرة، ولم يحفظ الذين وصلوا إلى الحكم لهذا الرجل مكانته وفكره حتى جردوه من الجواز الدبلوماسي ومع ذلك صبر وثابر وأدخل تحسينات على الحزب حتى فاز بأكثرية الأصوات في الانتخابات الأخيرة ولم يتوف رحمه الله حتى اطمأن إلى من يخلفه في الرئاسة من بعده فكان زميله سليمان.
إن من أهم ما تحقق من رؤى وطروحات الرئيس بيجوفيتش التركيز على استقلالية الشخصية المسلمة للمواطن البوسنوي، وكذلك الإبقاء على وحدة البوسنة مسلمين وصرباً وكرواتاً، ثم تثبيت المبدأ الديمقراطي الذي أثر على النظام الدكتاتوري في كرواتيا وبلغراد، ألا رحم الله علي عزت بيجوفيتش رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته إنه سميع مجيب.
* عضو مجلس الشورى المشرف الإقليمي على مكاتب الهيئة العليا في أوروبا
|