لكل عضو في المجلس تجربة خاصة من خلال عضويته في المجلس اكتسب منها الكثير وخرج بآراء وافكار تعزز من مسيرته وخبرته..
في كل اسبوع نستضيف احد اعضاء المجلس نتعرف على تجربته وآرائه حول تجربة المجلس ونتيح له المجال بأن يخاطب ابناء وطنه الذي يمثلهم هو في هذا المجلس .. ضيفنا في هذا الاسبوع عضو المجلس د.حسين العلوي:
* بداية حدثنا عن تجربتك في المجلس وبماذا خرجت منها؟
- كثر أولئك الذين يتطلعون إلى نيل شرف العضوية والخدمة في المجلس، أما أنا فلم أحظ بذلك إلا مع بداية الدورة الثانية في 3/3/1418هـ، لذا فإن تجربتي قصيرة نسبياً مقارنة بأولئك القلائل من الأعضاء الذين امتدت عضويتهم للدورة الثالثة. ولا أخفي سراً إن قلت ان نبأ اختياري كان مفاجأة لم أكن أتوقعها على الإطلاق، فبعد تقاعدي من الجامعة (جامعة الملك سعود) عقدت العزم على الإقامة في جدة لظروف خاصة، وبعد استقراري هناك بعام تم اختياري عضواً في المجلس.
وخلال سنوات الدورة الأولى كنا نتداول في المجالس الحديثة عن مدى فاعلية هذا المجلس، خاصة لظهوره بعد فترة غياب طويلة، فهناك من كان يشكك في جدواه، حتى ان البعض أتقن صناعة بعض الطرف (النكات) عنه، وهناك من كان يؤكد ايجابياته العديدة باعتباره صورة من صور المشاركة الشعبية، وهناك من وصمه بنعوت لاتليق بمقامه أو مقام اعضائه، وهناك من يرى ان لا دور له سوى الموافقة على ما يطلب منه أو يحال إليه للدراسة.
بهذه الخلفية دخلت المجلس متوجساً هيبة المكان وعظم المسؤولية، وكنت أخشى ان خلفيتي الأكاديمية على مدى 34 عاما وعملي الاستشاري في عدد من الجهات الحكومية قد لا تكون كافية لتأهيلي لإبداء رأي متزن أمام حشد من الخبراء ورجال الفكر والمهنيين من شرائح المجتمع، ففي أروقة الجامعة يتحدث الأكاديميون فيما بينهم كل بلغة اختصاصه سواء في قاعات الدرس أو الندوات أو المؤتمرات أو في اعداد الأبحاث، أما تحت قبة المجلس فالأمر مختلف، حيث تتباين الخلفيات، وتتنوع الاختصاصات، وتتغلب لغة أدب الحوار ساعية إلى التوفيق والمواءمة تحسمها ضغطة السبّابة على الحاسوب لتنطلق أصوات الأعضاء من مؤيد ومعارض بكل هدوء ودقة وفي نسق قلّما نجده في أعرق برلمانات العالم.
أمضيت الأسابيع الأولى من انضمامي إلى المجلس في دراسة نظامه وإجراءات العمل فيه في محاولة للتكيّف مع عالم الشورى الجديد، وبالرغم من ذلك فقد كان الخروج على قواعد واجراءات العمل أمر طبيعي لا مفر من الوقوع فيه للعضو الجديد، فطلب الكلام، ومدة الحديث، وتوجيه الحديث، بل كل كلمة تقال محسوبة على قائلها وتحكمها القواعد والإجراءات التي وضعها المجلس لنفسه (قواعد العمل) فبيئة العمل في المجلس بيئة مشبعة بالنظام والأنظمة والتنظيم. ومن الإنصاف القول بأن ترسيخ معظم أعراف وتقاليد العمل داخل المجلس تعود بالفضل بعد الله إلى ذلك الشيخ الوقور الفاضل، صاحب الأريحية والصدر الرحب، وصاحب الحكمة والحنكة ودماثة الخلق، وصاحب القيادة الكرزمية المصقولة بعمق المعرفة واتساع الخبرة القضائية في صناعة الأنظمة وتطبيقها، إنه فضيلة الشيخ محمد بن ابراهيم بن جبير رحمه الله ، الأب الروحي لمجلس الشورى الحديث.
وتحضرني بهذه المناسبة واقعة بالرغم من طرافتها إلا أنها تؤكد دور ذاك الرجل في ترسيخ بعض تقاليد العمل داخل المجلس، ففي إحدى الجلسات عندما هم أحد رؤساء اللجان بالصعود إلى منبر الإلقاء لعرض تقرير لجنته فات عليه ان يرتدي عباءته، فما كان من الشيخ إلا أن استوقفه وطلب منه العودة لارتداء العباءة (البشت)، هذه الواقعة وان كانت شكلية إلا انها تؤكد ان الوقوف على منبر الإلقاء تحت قبة المجلس لابد ان يكون رسمياً احتراماً للمقام والمقال والموقف.
يقولون ان المجلس مدرسة، وأنا أقول انه أكثر من ذلك بكثير، ففي المدرسة أو الجامعة يتعلم المرء مبادئ وأسس علم ما أو مهنة ما ليكتسب منها ما قدره الله له من رزق بها، ومهما تعمق في المجال الذي اختاره تظل معرفته محصورة في إطار التخصص والمهنة، أما في المجلس حيث تعرض المقترحات بكل تجرد وموضوعية، وتأتي المعلومة من مصادر متباينة ومتعارضة في أحيان كثيرة، ويطرح الرأي والرأي الآخر، يشعر العضو بقلق ممتع إلى حين اتخاذ القرار، فلطالما استمتعت إلى زميل يعرض رأيه ويسرد حججه ومبرراته بشكل مقنع يجعلني اعتقد ان رأيه هذا هو الأصوب، ثم يتناول ذات الموضوع زميل آخر معترضا ً على من سبقه في الحديث ويطرح هو أيضاً حججه وأسانيده بشكل أقوى اقناعاً يجعل المتابع يعتقد ان رأي هذا هو الأصوب، وهكذا تناغم الآراء والاعتراضاتت في نسق لا يحسمه إلا التصويت، ولا يفوز إلا القرار الذي يحظى بأغلبية الأصوات (61صوتا) مهما كان عدد الحاضرين، ان هذه الآلية في اتخاذ قرارات المجلس هي التي اسقطت مقولة ان المجلس لا دور له سوى الموافقة على ما يطلب منه، ولطالما اتخذ المجلس قرارات تختلف فيه مطالب الحكومة أو إحدى الجهات التنفيذية عما يراه أعضاء المجلس من توجهات وان بدت متعارضة في مرحلة النقاش.
ومن منظور فردي فإن تجربة الشورى تمثل ثروة ثقافية ومهنية لا تقدر بثمن ولا يستطيع العضو الحصول عليها من أي مكان آخر سوى من تحت قبة المجلس، فعندما تنسكب الآراء، وتطرح التوجهات، وتصهر المعلومات في شكل قرارات نهائية يشاهد الفرد كيف تتضافر الجهود وتتكامل آراء الطبيب، والمهندس، ورجل الدين والشريعة، ورجل الاجتماع، وعالم الاقتصاد، وخبير الإدارة والأنظمة وغيرهم للوصول إلى قرار متزن يأخذ في الاعتبار معظم التوجهات ان لم يكن جميعها، ومن هذا المنظور يمكن القول بحق ان مجلس الشورى بتركيبته الحديثة مركز تدريب وطني في اتخاذ القرارات على أعلى مستوى.
وجدير بالذكر ان تجربة الشورى في بلادنا لم تولد مع صدور نظام المجلس في 27/8/1412هـ، بل يعود تاريخها كما هو معروف إلى السنوات الأولى من فترة التأسيس في عهد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود حين أصدر أول نظام للمجلس في عام 1346هـ واخضع منذ ذلك العام وقبله للعديد من التعديلات، ويعتبر النظام في شكله الحالي مفصلاً أساسياً في اتجاه التطوير وخطوة محورية في فتح باب المشاركة الوطنية التي تبناها خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، ولاشك ان حركة التطوير هذه مستمرة ولن تتوقف وسوف يتبعها خطوات أكثر ايجابية ليتكيف النظام مع الحفاظ على الثوابت مع معطيات العصر ومتطلبات التغيير.
* هل ترى ان هناك حاجة لتطوير المجلس وتعزيز صلاحياته أم ان مكونات المجلس تتناسب مع المرحلة الحالية؟
- وإذا أردنا ان نبحث في جوانب تطوير النظام الحالي فلابد لنا من العودة إلى المادة الخامسة عشرة منه التي تحدد اختصاصات المجلس في خمس وظائف هي: إبداء الرأي في السياسة العامة للدولة، مناقشة الخطة العامة للتنمية، دراسة الأنظمة واللوائح والاتفاقيات الدولية، تفسير الأنظمة، ومناقشة التقارير السنوية للوزارات والأجهزة الحكومية. ولذا فإن مدخل التغيير أو التطوير هو من خلال هذه المادة، ومن خلال هذه الوظائف، فمناقشة التقارير لا تعطي المجلس صلاحية محاسبة الجهات الحكومية عند التقصير، وهذا وضع لابد من استداركه في حال مراجعة النظام، كما ليس كل الجهات الحكومية ذوات الميزانيات المستقلة ترفع تقاريرها السنوية إلى المجلس بالرغم من ان المادة (29) من نظام مجلس الوزراء تلزم كل جهة حكومية ذات ميزانية مستقلة برفع تقريرها إلى الملك حفظه الله خلال مدة اقصاها (90) يوماً من نهاية السنة المالية.
ولإضفاء المزيد إلى قوة المجلس فلابد ان يكون له مستقبلاً دور في مناقشة واعتماد ميزانيات الجهات الحكومية ودراسة حساباتها الختامية وكذلك الميزانية العامة للدولة لتكون المساءلة أو المحاسبة مبنية على أسس موضوعية ومعايير مقننة وليس مجرد توصيات قد تأخذ بها الجهة وقد لا تأخذ، إذ من المعروف ان الجوانب المالية هي الأساس وتتبعها الجوانب الإدارية والبشرية في مدى التأثير المباشر في أداء كل جهة حكومية، لذا فإن إضافة هذا الاختصاص إلى فقرات المادة (15) أصبح ضرورة ملحة تتطلبها الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها المملكة.
وهناك جانبان آخران لا يقلان أهمية عما سبق وهما مسألتا عضوية المرأة والانتخابات ولاشك ان ما صدر مؤخرا بخصوص الأخذ بمبدأ انتخاب نصف أعضاء المجالس البلدية خطوة موفقة في الاتجاه الصحيح، وسوف تتيح للدولة تقويم تجربة الانتخاب على مستوى محدود أولا ومن ثم تصعد إلى مجالس المناطق ومجلس الشورى، أما مسألة عضوية المرأة فلا أرى مبرراً لتأجيلها، فبإمكانها ان تشارك عبر دائرة تلفزيونية مغلقة تنسجم مع ثوابتنا الدينية والاجتماعية، وهي تشارك الآن في العديد من المناشط بذات الأسلوب، إذ ان كثيراً من القضايا التي تطرح للنقاش داخل المجلس تهم المواطنين ذكوراً وإناثاً ولا حرج في نظري ان يستمع المجلس إلى رأي المرأة في قضايا وان بدت بعيدة عن اهتماماتها، ففي ذلك اثراء وقوة لقرارات المجلس.
* ماذا نقول لأبناء الوطن وأنت منهم في هذا المجلس؟
- أقول لهم، ثقوا في ان كل قرار يتخذه المجلس تراعى فيه أولا وأخيراً مصلحة المواطن ومصلحة الدولة في آن واحد. وان المعضلة الكبرى التي يواجهها المجلس هي في كيفية الوصول إلى حالة التوازن تلك التي تخدم مصلحة الفرد ولا تتعارض مع مصلحة المجتمع ككل وان كل عضو منا في المجلس يمثل جميع شرائح المجتمع دون فئوية أو حزبية أو قبلية، هذه هي خصوصية مجلسنا، كما أود ان أؤكد ان المجلس ليس جهة تنفيذية، بل هيئة استشارية كبرى ترفع توصياتها إلى ولاة الأمر ليتولوا بدورهم توجيه الجهات التنفيذية على الأخذ بها، لذا فإن تأثير قرارات المجلس على حياة المواطن لا تكون مباشرة بل هي غير مباشرة من خلال الأنظمة التي لا يلحظ تأثيرها إلا بعد مرور فترة من الزمن أو من خلال قرارات الجهات التنفيذية المرتبطة مباشرة بتقديم خدمات للمواطنين.
وبالإضافة إلى ما تقدم فإن لأي مواطن الحق في إبداء رأيه كتابة ان كان لديه من الحلول أو الاقتراحات لمعالجة مشكلة ما يعاني منها المجتمع شريطة ان لا تكون ذات طابع خاص، فلدى المجلس آلية لدراسة مثل هذه الاقتراحات من قبل لجنة العرائض وهذه اللجنة تعتمد في أدائها على اللجان التخصصية التي تدرس الاقتراح دراسة متعمقة، وقد يأخذ الاقتراح طريقه إلى المزيد من الدراسة والتمحيص ليصبح نظاماً أو لائحة فيما بعد في حال ثبات جدواه.
هذا واسأل الله ان يوفقنا جميعا لما فيه خير أمتنا، وصلاح ديننا، ورفعة شأن وطننا، والحمدلله رب العالمين.
|