الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
فإن من منهج أهل السنة والجماعة، تعظيم الحق، ورحمة الخلق، والحرص على هدايتهم، قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله:«ومن سلك طريق الاعتدال، عظِّم من من يستحق التعظيم، وأحبه ووالاه، وأعطى الحق حقه، فيُعظم الحق، ويرحم الخلق، ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات، فيُحمد ويذم، ويثاب ويعاقب، فيُحب من وجه، ويبغض من وجه، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافاً للخوارج والمعتزلة، ومن وافقهم» أ.هـ 4/42.
والناظر في سيرة الإمام محمد بن عبدالوهاب، ومصنفاته ورسائله، يعلم - يقيناً - ما يتصف به رحمه الله، من تعظيم للحق، ورحمة للخلق، وإخلاص لله تعالى، ولجوء الى الله تعالى في جميع الأوقات. فكان من ثمرة ذلك، هذه الدعوة المباركة، التي نتفيأ ظلالها، ولله الحمد.
ومن الأمثلة على تعظيمه رحمه الله للحق، ورحمته بالخلق ما يلي:
أولاً: أمثلة تدل على تعظيمه للحق
1- قال رحمه الله، لأحد مخالفيه: «وأرجو أني لا أرد الحق إذا أتاني، بل أشهد الله، وملائكته، وجميع خلقه، إن أتتنا منكم كلمة من الحق، لأقبلنّها على الرأس والعين، ولأضربنَّ الجدار بكل ما خالفها من أقوال أئمتي حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقول إلا الحق».
2- قال رحمه الله، في احدى رسائله: «وأنا أجيبك عن الكتاب جملة، فإن كان الصواب فيه، فنبهني، وأرجع الى الحق، وإن كان كما ذكرت لك من غير مجازفة، بل أنا مقتصر، فالواجب على المؤمن أن يدور مع الحق حيث دار».
3- وقال رحمه الله، لأحد مخالفيه، وهو يحاوره:«دين الله تعالى ليس لي دونكم، فإذا أفتيتُ، أو عملتُ بشيء، وعلمتم أني مخطئ، وجب عليكم تبيين الحق لأخيكم المسلم، وإن لم تعلموا وكانت المسألة من الواجبات، مثل التوحيد، فالواجب عليكم أن تطلبوا وتحرصوا حتى تفهموا حكم الله ورسوله في تلك المسألة».
4- وقال رحمه الله: «فإن سمعتم أني أفتيتُ بشيء خرجتُ فيه من إجماع أهل العلم، توجه عليَّ القول».
ثانياً: أمثلة تدل على رحمته بالخلق
1- قال رحمه الله في بعض رسائله، عن بعض مخالفيه «وإن كان كبر عليه الأمر، فيوصي لي، وأعني له، فإنَّ الأمر الذي يزيل زعلكم، ويؤلف الكلمة، ويهديكم الله بسببه، نحرص عليه».
2- وقال رحمه الله في بعض رسائله لأحد مخالفيه «فعليك بالتضرع الى الله، والانطراح بين يديه، خصوصاً أوقات الاجابة، كآخر الليل، وأدبار الصلوات، وبعد الأذان، وكذلك بالأدعية المأثورة خصوصا الذي ورد في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول «اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء الى صراط المستقيم» فعليك بالإلحاح بهذا الدعاء بين يدي من يجيب المضطر إذا دعاه.. الى أن قال رحمه الله.. فإني أحبك، ودعوتُ لك في صلاتي، وأتمنى من قبل هذه المكاتيب، أن يهديك الله لدينه القيم».
3- وقال رحمه الله «والمسألة مثل الشمس، ولكن من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وإن لم يتسع عقلك لهذا، فتضرع الى الله بقلب حاضر، خصوصاً في الأسحار، أن يهديك للحق، ويريك الباطل باطلاً، وفر بدينك، فإن الجنة والنار قدامك، والله المستعان، ولا تستهجن هذا الكلام، فوالله ما أردتُ به إلا الخير».
4- وقال رحمه الله «ولا يدخل خاطرك شيء من النصيحة، فلو أدري أنه يدخل خاطرك ما ذكرته، وأنا أجد في نفسي أن ودي من ينصحني كلما غلطت» أ.هـ.
رحم الله الإمام محمد بن عبدالوهاب، وأدخلنا وإياه الجنة بغير حساب.
وأخيراً: فإن المرء عندما ينظر الى الأسلوب الدعوي الذي كان ينتهجه الامام محمد بن عبدالوهاب مع المخالفين حتى وإن كان في أمرهام كالعقيدة، ويقارنه بأسلوب كثير من المنتسبين للدعوة اليوم، في ردهم على مخالفيهم حتى وإن كان في أمر يسير، يرى البون شاسعاً، ويعلم يقيناً أن الدعوة الى الله، لا يحسنها إلا أقل القليل.
فلتق الله الدعاة الى الله، وليتكلفوا الرحمةوالرفق إن لم يكونوا رحماء حتى يكتسبوها، ويألفوها، ولا يكونوا منفّرين عن الإسلام، بسوء أخلاقهم، وغلظة قلوبهم، وخشونة طبعتهم، وبذاءة كلامهم، فإن عجزوا عن اكتساب الرحمة، وحمل نفوسهم على أخلاق الاسلام فمن الخير لهم وللدعوة، ترك الدعوة، والانصراف الى علاج نفوسهم».
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
(* ) حائل
|