الحديث عن بيان رسالة الجمعيات القرآنية في المجتمع يستدعي منا تمهيداً وتوطئة، فنقول: إن من الثابت تاريخياً ان المجتمع العربي قبل مجيء الإسلام كان من أسوأ المجتمعات، إذ كان يعج بالمنكرات، والمخالفات، والتناقضات، فمن عبادة الأوثان والشرك بالله تعالى، إلى انتشار الفوضى الأخلاقية، وتفشي الرذيلة إلى العداوات الطائفية، والصراعات القبلية، والتفكك الأسري، واحتقار المرأة، ووأد البنات، وغير ذلك مما يطول شرحه.
ولما أراد الله عز وجل بالأمة خيراً، بعث فيها أفضل رسله وخاتمهم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه أعظم كتبه، كما قال تعالى : {لّقّدً مّنَّ اللَّهٍ عّلّى المٍؤًمٌنٌينّ إذً بّعّثّ فٌيهٌمً رّسٍولاْ مٌَنً أّنفٍسٌهٌمً يّتًلٍو عّلّيًهٌمً آيّاتٌهٌ وّيٍزّكٌَيهٌمً وّيٍعّلٌَمٍهٍمٍ الكٌتّابّ وّالًحٌكًمّةّ وّإن كّانٍوا مٌن قّبًلٍ لّفٌي ضّلالُ مٍَبٌينُ}، فالعمل بهذا الكتاب العظيم يطهر المجتمع من جميع المساوئ العقدية، والأخلاقية، والسلوكية، والاجتماعية، ويغرس فيه أسمى الفضائل، وأعظم الأخلاق، كما قال تعالى : {يّا أّهًلّ الكٌتّابٌ قّدً جّاءّكٍمً رّسٍولٍنّا يٍبّيٌَنٍ لّكٍمً كّثٌيرْا مٌَمَّا كٍنتٍمً تٍخًفٍونّ مٌنّ الكٌتّابٌ وّيّعًفٍو عّن كّثٌيرُ قّدً جّاءّكٍم مٌَنّ اللَّهٌ نٍورِ وّكٌتّابِ مٍَبٌينِ . يّهًدٌي بٌهٌ اللَّهٍ مّنٌ اتَّبّعّ رٌضًوّانّهٍ سٍبٍلّ السَّلامٌ وّيٍخًرٌجٍهٍم مٌَنّ الظٍَلٍمّاتٌ إلّى النٍَورٌ بٌإذًنٌهٌ وّيّهًدٌيهٌمً إلّى صٌرّاطُ مٍَسًتّقٌيمُ }.
ولم يكد يمضي وقت قصير حتى ظهرت آثار الرسالة المحمدية، والتعاليم القرآنية، فقام المجتمع المسلم الأول في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فكان أطهر المجتمعات وأزكاها، وهكذا كان الأمر في عهد الخلفاء الراشدين المهديين، وارتبط صلاح المجتمع الإسلامي عبر التاريخ بالقرآن الكريم، فكلما كان تمسك المجتمع بتعاليم القرآن قوياً كان المجتمع صالحاً متصفاً بالفضائل والأخلاق، بعيداً عن المساوئ والرذائل، والعكس بالعكس.
وهذه الحقيقة الدينية التي تؤكدها الوقائع التاريخية، قد أدركها ولاة الأمر في المملكة، فبذلوا قصارى الجهود في ربط المجتمع السعودي بكتاب الله وتعاليمه وأحكامه، وسلكوا في ذلك عدة مسالك ليس هذا موضع تفصيل الكلام فيها.
ومن هذه المسالك إنشاء الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في جميع مناطق المملكة وفروعها، ودعمها مادياً ومعنوياً، وهذه الجمعيات الخيرية تقوم بفتح حلقات لتحفيظ القرآن الكريم في جميع أنحاء المملكة، تقوم على اجتذاب شباب الأمة، وتنشئتهم، وتربيتهم على أخلاق القرآن الكريم، والتمسك بهديه، والبعد عن إضاعة وقت فراغهم فيما لا فائدة فيه، أو فيما فيه ضرر عليهم، مما هو معروف عند الجميع، وبذلك يكونون إن شاء الله تعالى رجالاً صالحين، يقودون مجتمعهم إلى ما فيه الخير والصلاح، ويقتدون بالرسول صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة الصالح.
ومن خلال ما تقدم يتضح بكل جلاء ووضوح ان رسالة الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في المجتمع رسالة عظيمة، ومهمتها في إصلاح الأفراد كبيرة، لأن برجوع المجتمع إلى القرآن الكريم، تستعيد الأمة عزها ومجدها، وسؤددها، وتمكينها، ونصرها، كما قال تعالى : {وّعّدّ اللَّهٍ الّذٌينّ آمّنٍوا مٌنكٍمً وّعّمٌلٍوا الصَّالٌحّاتٌ لّيّسًتّخًلٌفّنَّهٍمً فٌي الأّرًضٌ كّمّا اسًتّخًلّفّ الَذٌينّ مٌن قّبًلٌهٌمً وّلّيٍمّكٌَنّنَّ لّهٍمً دٌينّهٍمٍ الّذٌي ارًتّضّى" لّهٍمً وّلّيٍبّدٌَلّنَّهٍم مٌَنً بّعًدٌ خّوًفٌهٌمً أّمًنْا} .
وذلك يستوجب منا جميعاً دعم هذه الجمعيات، ومؤازرتها، وزيادة دعمها، ومضاعفة تطويرها، لأن ما يجنيه المجتمع منها من منافع وفوائد كثير، والخير المرجو منها وفير.
وبالله التوفيق.
( * ) وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف
والدعوة والإرشاد للشؤون الإدارية والفنية
|