* تونس الجزيرة:
يحتفل التونسيون اليوم بالذكرى السادسة عشرة لتحول السابع من نوفمبر، التي أصبحت من أهم المحطات في تاريخ تونس الحديث، إذ انها مثلت بالنسبة للتونسيين جميعا بداية الأمل في انقاذ البلاد من الوضع المتردي الذي أصبحت عليه قبل أن يتولى زمام الأمور الرئيس زين العابدين بن علي، الذي بادر بإجراء تحولات جذرية وعميقة سريعا ما بددت المخاوف من نفوس التونسيين وأعادت إليهم الثقة بالنفس ووضعت تونس على طريق العمل والانجاز والطموح.
ولئن تعددت الاصلاحات وتتالت القرارات لفائدة جميع فئات المجتمع وفي كل الميادين، فإن جل الملاحظين سواء من الداخل أو الخارج أقروا لبن علي اقباله منذ الوهلة الأولى على إعادة الاعتبار للدين الإسلامي.فقد عمل منذ اللحظات الأولى من التغيير على رعاية الدين ورفع منارته واحياء شعائره واعلاء كلمته وتعاليمه السمحة، ساعيا إلى التوفيق بين الرصيد الثقافي والحضاري الذي تتمتع به تونس وبين مقتضيات العصر وضرورة مسايرة تطوره.
وباعتبار أن الدين هو أهم المكونات الرئيسية لشخصية التونسي، وانطلاقا من أن الاسلام هو من أبرز ما يوحد بين التونسيين، فقد حرصت تونس منذ تحول السابع من نوفمبر 1987، وبقيادة الرئيس بن علي على مصالحة التونسي مع ذاته ومع شخصيته الوطنية، وعلى بناء مجتمع متجذر في هويته العربية الإسلامية ينهل من تعاليم الإسلام، دين الاجتهاد والتفتح والتسامح والتضامن.
هذه المصالحة مع الذات، تتجلى في أبلغ مظاهرها وأرقى صورها خلال المواسم الدينية كشهر رمضان والأعياد. وهي مناسبة أصبحت في عهد بن علي تقترن بتكريس القيم الروحية وممارسة الفضائل من عبادات وأعمال خيرية ومدٍّ تضامني واسع لفائدة الفقراء والمحتاجين.وقد شهدت الشؤون الدينية نقلة مهمة بفضل ما أقر من إجراءات جزئية واصلاحات رائدة أعادت لهوية تونس العربية الإسلامية مكانتها الراسخة وللقيم الإسلامية السمحة أصالتها، وشملت هذه الاصلاحات الهيكلية الخاصة بالشؤون الدينية التي تطورت من مجرد مصلحة إلى إدارة عامة بعد 20 يوماً فقط من التغيير ثم إلى كتابة دولة «وزارة دولة» للشؤون الدينية لترتقي سنة 1992 إلى وزارة الشؤون الدينية.
ومن تلك الاصلاحات كذلك الارتقاء بكلية الزيتونة للشريعة وأصول الدين الى مستوى جامعة تسمى جامعة الزيتونة وهو اصلاح تاريخي أعاد الاعتبار لاحدى أقدم الجامعات في العالم، اضطلعت بدور كبير عبر التاريخ في المحافظة على الهوية العربية الإسلامية لتونس وكانت منارة للعلم والحضارة أشاعت على منطقة المغرب العربي بأكملها وعلى جزء مهم من القارة الإفريقية.ويعد المجلس الإسلامي الأعلى من أبرز المكاسب التي تحققت في عهد الرئيس بن علي في المجال الديني.
وقد تم الترفيع في عدد أعضائه إلى 25 عضواً تأكيداً لأهمية دوره في النظر في سير المؤسسات الإسلامية وتقديم المقترحات وابداء رأيه في البرامج التربوية وفي برامج جامعة الزيتونة وفي طرق تكوين الأئمة والوعاظ وكذلك اقتراح كل ما من شأنه أن يحصن المجتمع من التفسخ والانغلاق.
وإحياء لمجد القيروان، عاصمة الإسلام الأولى بإفريقية، التي كانت وجهة القصاد تشد إليها المطايا من كل مكان للتزود بالعلم والمعرفة، قرر الرئيس زين العابدين بن علي إنشاء مركز الدراسات الإسلامية بالقيروان، وتزويده بكل ما يحتاج إليه من مصادر ومراجع ومخطوطات في التراث الإسلامي المجيد وتوفير ما يشجع رواد العلم والباحثين والمحققين على الإقبال عليه، وإقامة ندوة إسلامية سنوية على المستوى العالمي والقومي والجهوي تحضرها وتشارك فيها شخصيات علمية مرموقة.
وخصت القيادة التونسية المعالم الدينية من مساجد وجوامع وكتاتيب بعناية متميزة شملت كل مجالات التعهد والصيانة والترميم واتمام ما كان منها معطلاً إضافة إلى إحداث معالم جديدة تمثل في مجملها نسبة الثلث مما بني في البلاد التونسية عبر تاريخها الإسلامي.ولم تقتصر العناية على هذه المعالم بل شملت كذلك القائمين على شؤونها وذلك بالترفيع في المنح المخصصة لهم كما تجسمت رعاية الكوادر الدينية من خلال الحرص على مزيد احكام تكوينها لما لها من دور في التوعية الدينية وفي ضمان حسن تأدية المسجد لرسالته التعبدية بنشر قيم الوسطية والتسامح والاعتدال والاجتهاد.وشهد الخطاب الديني في تونس من جهة أخرى تطوراً مهماً حيث أصبح يقوم على نشر الوعي بحقائق الاسلام واحكام الربط بين مضمون التوعية الدينية ومشاغل المجموعة الوطنية بالاعتماد على منهجية بيداغوجية تراعي اختلاف المستويات التعليمية والحاجيات والاهتمام وأصبح لذلك يتميز بتفتحه على أحداث العصر ومستجدات الحضارة وبالتزامه بالقيم الإسلامية السامية كالعدل والتسامح والوسطية والسعي الى تكريس مبادئ التكافل والتضامن التي تحرص تونس التغيير على تدعيمها.
وقد واكب الاعلام الديني بدوره هذا النسق الاصلاحي وذلك من خلال النقل الفوري والمباشر للأذان وخطب الجمعة والبرامج الدينية المتخصصة في الإذاعة والتلفزة الوطنية.
وقد تتالت الإجراءات والقرارات الهادفة إلى مزيد تجسيم المنزلة العليا التي يحتلها الدين الإسلامي الحنيف في تونس ونذكر منها بالخصوص اعتماد الرؤية في تحديد موعد دخول الأشهر القمرية وخاصة شهر رمضان المعظم، واعتماد التاريخ الهجري في الوثائق الرسمية الى جانب التاريخ الميلادي، وإيلاء موسم الحج أهمية خاصة من حيث أحكام التنظيم وتوفير الخدمات اللازمة والرعاية الطبية لحجاج تونس الذين ما انفك عددهم يتزايد من سنة إلى أخرى.
ومن أهم القرارات التي اتخذها الرئيس زين العابدين بن علي هو ذلك القرار الرائد والتاريخي القاضي بتلاوة القرآن الكريم في رحاب جامع الزيتونة المعمور على طول أيام السنة ليل - نهار ومن دون انقطاع.وإن تونس بقدر ما هي حريصة اليوم على أن تبقى متمكسة بمقومات هويتها، فإنها مصرة على الانخراط الكامل والفاعل في عصرها الحديث بكل ما يشهده من تطورات وتغيرات وتعمل جاهدة على مواكبتها والاستفادة من مزاياها وفق روح التفتح والتسامح والحوار والاعتدال التي ما انفكت تميز هذا البلد الذي سيظل أبد الدهر منارة الإسلام في شمال افريقيا.
|