من أبجديات المعرفة المتعلقة بالمواطنة والمسؤولة في آن واحد تحديد طبيعة ومحددات العلاقة بين المواطن وبين الإطار المرجعي للوطن المتمثل في القيادات المسؤولة، كما أن من أعمدة قوة تلك العلاقة ودعائم سلامتها واستمرارها وتطورها أن يعي المواطن تلك المحددات وان يلتزم بمنظومة الحقوق والواجبات في الوطن الذي ينتمي إليه. ومن ضرورات هذا الوعي أن يكون المواطن على دراية واطلاع بها لتسهيل العمل بها والاحتكام إليها.
ويأتي كمقدمة جذرية لهذه الأبجديات ان نعرف الحيثيات التي أسست عليها هذه الأبجديات، دون ان يعني ذلك ان نسقط مرجعيتنا الوطنية في الأمر بما يعبر عن هوية الحضارة العربية الإسلامية لمجتمعنا.
لقد ساهمت في بناء المجتمعات المعاصرة مجموعة من العمليات التراكمية والمعقدة التي أفضت بها بعد جهد جهيد الى تأسيس مفهوم المواطنة وذلك بارسائه على ثلاث دعائم مركزية، وهي بناء الدولة الوطنية «Nation-State»، وتوفير الأطر للمشاركة السياسية والاحتكام الى القانون مع توزيع الاختصاص بين أجهزة السلطات في الدولة.
وفي هذا يحدد مفهوم المواطنة ضمن تلك الركائز بناء على طبيعة العلاقة بين المواطن والدولة كما تحددها قوانين تلك الدولة وكما تعبر عنها مجموعة الحقوق والواجبات بالتأسيس على تعريف والاتفاق على عدد من المحددات، ومن أهم هذه المحددات في جانب المواطن الانتماء المخلص الى الوطن والشعور تجاهه بالولاء مع الالتزام للنظام المتمثل في الدولة بمنظومة الواجبات والحفاظ على الأمن الداخلي والخارجي للمجتمع. بينما يقوم النظام من جانبه بضمان الحقوق لمواطنيه واستتباب الأمن وإعداد العدة واتخاذ الأسباب ضمن توفير الحماية للمواطن والوطن وكذلك توفير الكفاية من الحاجات للمواطنين.
وبالتأسيس على ذلك تأخذ العلاقة صيغتها القانونية التي تكون المصدر المرجعي لشرعية تلك العلاقة ولاستمرارها وتطورها بما يعزز الأواصر بين المواطن وبين دولته، وفي هذه الحالة لم يعد من الصعب على تلك المجتمعات المعاصرة التي تطورت من خلال العمل قدر الامكان باستيعاب تلك المحددات بين المواطن والدولة ان تعمل على مزيد من التأطير لمفهوم المواطنة والتنظيم لحقوقها وواجباتها حيث جرى تحديد الأمر في اربعة مجالات. هي مجال الحقوق المدنية التي تتيح للمواطنين الاحتكام الى منظومة متعارف عليها من الأنظمة والقوانين واللوائح ومنها على سبيل المثال حق التعلم والحصول على المعلومات، العمل، التنقل، وما إليه، الحقوق السياسية وتعني من ضمن ما تعني في المشاركةتحمل مسؤوليات العمل، الحقوق الاجتماعية ومنها كفالة مستوى معيشي كريم للمواطنين بما فيه السكن، والخدمات الصحية والعون المالي للمعوزين من قبل مؤسسات الدولة وبما فيها حق المواطنين بالمساهمة في خدمة المجتمع عن طريق العمل التطوعي في الجمعيات الأهلية والنقابية. وفي مجال الشؤون الثقافية يشمل ذلك تعبير جميع ثقافات المجتمع الفرعية عن نفسها في مناخ من التسامح الذي يحولها الى روافد تسقي وتثري المجرى العام من ثقافة المجتمع.
أما عن سؤال الغاية من الرجوع الى هذه الأبجديات ومراجعتها في هذا المقال فهو ما نشعر به اليوم وفي هذه اللحظة التاريخية الحاسمة من رغبة صادقة لدى القيادة والمجتمع للأخذ بكل أسباب الإصلاح التي تدرأ عن مسيرتنا الوطنية وعن وحدتنا الوطنية التي نعض عليها، قيادة وشعباً، بالنواجذ كل ما يحدق بهما من أخطار داخلية وتهديدات خارجية، وهذا لا شك يشكل دافعاً لكل مواطن غيور بما فيهم الكُتاب الذين عليهم مسؤولية لحمل مسؤولية الكلمة للمشاركة بالتفكير والمشورة بالكيفيات والمقترحات التي يمكن ان تؤازر وتدعم هذا التوجه الإصلاحي السديد.
ولعلنا نعلم ان التنظيمات الوطنية بالمملكة المتمثلة على وجه التحديد في كل من النظام الأساسي للحكم، نظام مجلس الشورى ونظام المناطق يشتمل كل منها على منظومة حقوقية تنظم العلاقة بين المواطن وبين الدولة متمثلة في مؤسسة الحكم والمؤسسات الرسمية الأخرى. ولعلنا نعلم ايضا وبخاصة للمختصين والمعنيين بالمتابعة ان المنظومة الحقوقية لكل من الأنظمة الثلاثة تشتمل على «كم» كبير من القواعد المنظمة لصلاحية السلطات ومهام كل منها ولعدد كبير أيضاً من حقوق المواطنين التي تعطي المواطنة مفهوماً عصرياً يشمل الحماية والرعاية والمشاركة كما لا يعارض تعدد الرأي ويشجع على التعبير، فعلى سبيل المثال وكما استعرض ذلك في مؤتمر حقوق الإنسان الشهر المنصرم في ورقته القيمة الدكتور صالح الشريدة يشمل النظام الأساسي للحكم حقوقاً جوهرية من حقوق المواطنة، ومنها حق المساواة، حق التقاضي، العدل والشورى، حق التكافل الاجتماعي، حق الحياة بما فيه حق حفظ كرامة المواطن، الملكية والحقوق الشخصية، الأمن في الدين والرزق والعرض والسمعة والنفس فلا تجريم إلا ببينة.
وفي هذا فإن الاقتراح المحدد الذي اتقدم به الى كل من يعنيه الأمر وأولهم القائمون على أمر هذا الوطن وأصحاب القرار السياسي فيه متمثلين في خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز هو البدء في وضع «مدونة» ان صح التعبير تشكل «وثيقة رسمية» تكون مرجعا للمواطن والدولة معا في كل ما جاء في نظام الحكم من حقوق وواجبات، ولا أظنه يعوزنا القرار المناسب من القيادة ولا المشورة من أبناء وبنات الوطن فيما يحتاجه هذا الاقتراح من جهد لتدارسه وتطويره بعد الاجماع عليه بطبيعة الحال، كما يمكن ايجاد بديل لهذا الاقتراح أكثر فعالية وأكثرتجاوباً مع مقتضيات الحاجة الوطنية إن أمكن، فالمهم ليس صيغة الاقتراح بل إن الأهم هو وجود وثيقة وطنية تشكل مرجعية قانونية للعلاقة بين الوطن والمواطن تكون في متناول الجميع قولاً وعملاً. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.
|