تأتي ندوة الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - وجهوده العلمية المنعقدة في 4-5/8/1424هـ، في ظل اهتمام جامعة الملك سعود بقضايا التاريخ والتراث والثقافة من بلادنا الغالية - ممثلة في كلية الآداب - والتي تبناها أبناؤه وطلابه ومحبوه في مركز حمد الجاسر الثقافي، تقديرا لجهود علامة الجزيرة في خدمته للتراث تأريخا، ولغة وأدبا، وجغرافية، واهتمامه بالصحافة والاعلام، وخدمته أيضا للمخطوطات العربية، وتسجيله لرحلاته وسوانح من ذكرياته، وكل ما من شأنه جعل حمد الجاسر يتبوأ مكانة علمية، فهو محقق نادر في جيله، أفحم من بعده بتقريراته وآرائه، وبرحلاته وتحقيقاته فقد كان له دور كبير في تحقيق النصوص واخراج المخطوطات العربية مثل كتاب «التعليقات والنوادر» لأبي علي الهجري التي جمعها من مخطوطتين فلم يكن كاملا وكان غير مرتب وبما أنه كذلك رتبه على الحروف الهجائية للشعراء الوارد ذكرهم والذين لم يترجم لهم في أي كتاب آخر حيث ان الهجري أورد شعراً لشعراء نادرين ويمكن أن نقول إنهم مقلون واستعان بما عند الأستاذ محمود شاكر - رحمه الله - من المخطوطتين فكثيراً ما يتبادلان الاطلاع بما عند كل واحد منهما، ومما تناولته الندوة: منهج الجاسر في تحقيق النصوص، وجهوده في تحقيق الأماكن الجغرافية، وتحقيقه «معجم أسماء خيل العرب وفرسانها» وما فيه من ديوان شعري تراثي ضم كثيرا من أشعار العرب عن الخيل والفروسية ودرس فيه أيام العرب وحقق مواضعها وأزمانها وأشعارها، وكانت له عناية بالأنساب بتطوير مفهومها كعلم تاريخي شرعي، وله جهود في مجال الصحافة حيث إنه رائد الصحافة السعودية وأول من أنشأ صحيفة سعودية، وكان له اهتمام باللغة كما في نقده اللغوي لمعجمي «تاج العروس» للزبيدي و«المعجم الكبير» لمجمع اللغة العربية ومصادرهما أيضا ودراسة فصاحة الألفاظ ونطقها والتنبيه على نطق عامة زماننا لبعض الألفاظ وبيان الفصيح فيه واهتمامه بالرسم الاملائي، ودراسته للشعر والشعراء، وتحقيقه التراث العلمي للجزيرة العربية كتصنيع الذهب والفضة وتاريخ العمارة الاسلامية والأحجار الكريمة من خلال تحقيق الكتب، واهتمامه برحلات الغربيين للجزيرة العربية، ورحلاته الى أوروبا، وحديثه عن جوانب من شخصيته وحياته ومواقفه وبلدته «البرود» التي ولد فيها، وقد جاء ترتيب الندوة في زمن ضيق لا يستوعب الأبحاث التي طرحت في ظرف ربع الساعة لكل بحث، فلكي يتسنى القاؤها ومناقشتها لابد من وقت أوسع لكل بحث ومع غزارة علم الشيخ لئلا نفقد جوانب مما لم يذكر عنه حتى ترى الأجيال سيرته العطرة وصبره وجلده على تحقيق التراث وطلبه العلم وتحصيله الذاتي، وتجربته في اخراج المخطوطات وتحقيقها، ومعاينته للأماكن الجغرافية من الجزيرة العربية وهي فريدة لا نجد في هذا العصر من يقوم بذلك إلا نادرا كتجربة الأستاذ تركي القهيدان على أرض القصيم مؤخراً واستعانته بالوسائل الحديثة وكان له استفادة من تجربة الشيخ رحمه الله وعلمه، وكذلك دراسة وتحقيقات الأستاذ عبدالله الشايع لبعض المواطن والآثار، وتعتبر هذه الندوة الثانية التي قدمت فيها دراسات وأبحاث عن علامة الجزيرة العربية وكانت الأولى قد اقامتها الملحقية الثقافية السعودية في دمشق عام 1421هـ، فآمل من مركز حمد الجاسر الثقافي مع شكري لهم وتقديري لجهودهم وجهود جامعة الملك سعود اقامة ندوة أخرى في دورة قادمة ودعوة أصحاب الفكر والثقافة والتراث في العالم العربي والأجنبي لاستكمال دراسة حياة الشيخ حمد الجاسر وجهوده العلمية أيضا بما فيها من الاستدراكات والتعليقات على كتبه ومقالاته وحواشيه، ولا بأس باقتراح مجالات محددة ومهمة على أن تقوم بمناقشتها وتدوين ذلك في كتاب، ورصد جائزة تقديرية للمشاركين، ولا أنسى جهود صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز في حرصه ودعمه لمؤسسة حمد الجاسر الخيرية وتبنيه مشاريعها العلمية، وأملي أيضا من أصحابه المقربين وطلابه ومحبيه أن يسجلوا مواقفهم وأحاديثهم وسوانح من ذكرياتهم مع الشيخ في هذه البلاد خاصة وفي الوطن العربي والأجنبي عامة ويبثوه في كتب ومقالات للقراء والدارسين مع شكري لهم وللباحثين في هذه الندوة، وما ذلك إلا حرص على أمانة الشيخ العلمية ودراساته الهامة لبلاد الحرمين الشريفين، ورحلتي الاستطلاعية عبر كتبه ومقالاته ومحبتي له. رحم الله الشيخ رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
|