في العادة تمتلك شركات المقاولات العملاقة طاقما كاملا من المهندسين والفنيين مختلفي التخصصات، وعندما تحدث مشكلة فنية أثناء التنفيذ تتطلب تعديلا في المخططات والواجهات، ترجع تلك الشركات إلى المكتب الاستشاري الذي تولى عملية تصميم المبنى، لمناقشة تلك المشكلة وطرح الحلول العملية والجمالية المناسبة، ويتم في ذلك عقد اجتماعات، وإعادة دراسة التصميم، وحساب جدوى اقتصادية.. الخ. أما شركات المقاولة التي تحتوي على مقاول عربي ومجموعة من العمالة السائبة غير المؤهلة فقد شوهت حضارتنا.. كيف ذلك؟
الكثير من هؤلاء المقاولين لا تحضرهم أبجديات الفن المعماري، والكثير من الناس يثقون في آرائهم ويؤمنون بأهليتهم، ويسمحون لهم بالتدخل في الأمور الجمالية للمبنى، ويتبنون أفكارهم واجتهادهم التي كثيراً ما كانت غير صائبة.. وكل ذلك يحدث في ظل غياب المهندس المشرف، لأن الكثير من أفراد مجتمعنا يقومون بالاشراف على المقاول بأنفسهم، وذا بالتأكيد يؤدي إلى تلاعب المقاول واخفاقه، فمن يشرف على أعماله ليس بأعلم منه، وبديهي أن يجهل الزبون «صاحب المبنى» الكثير من الأمور المعمارية والهندسية لثلاثة أسباب، ثانيها أن هذا الزبون مدرس أو ضابط أو طبيب أو غير ذلك ولا يحمل شهادة في علوم العمارة، وكذا المعماري لا يحمل شهادة تخصصية في الطب، لذا لا يمكن له معالجة المرضى، وسبحان من خلق ويسر..، وثالث الأسباب أن زملائي المعماريين والمهندسين أخفقوا في تثقيف المجتمع معمارياً وهندسياً.. وأما السبب الأول فيتعذر ذكره في هذا المقال..
بالأمس قابلت شخصاً من الذين يتاجرون في عملية بناء وبيع المباني - وكان رجلاً وقوراً عريض المنكبين - وطلب مني إعداد التصميمات المعمارية لأحد منازله، فتفاجأ عندما بدأت أناقشه في شكل الواجهات وقال: وما لك أنت بالواجهات أريد مخططاً «ويقصد المساقط الأفقية» قلتُ ومن يصمم الواجهات قال: إنها مسؤولية المقاول، الذي أتعامل معه منذ بدأت الاستثمار العقاري، وقد قمنا سوياً بتصميم وتنفيذ العديد من الواجهات بعد انتهاء العظم.(*)
جميع نقاد وأساتذة العمارة في المملكة يدركون المآسي العمرانية والاقتصادية التي سببها هؤلاء المقاولون، وزبائنهم الذين يعتقدون أنهم يقتصدون عندما يذهبون لمكتب هندسي أبو اثنين وثلاثة «وله مقال خاص بإذن الله».
عندما أطلعتُ على بعض المباني التي أنتجها ذلك الزبون ومقاوله، وجدتها مجموعة من العيوب والمساوئ تتشكل في صناديق قبيحة لا تمت للفن المعماري بصلة، ولا تعترف بالمتطلبات الجمالية التي تحتاجها المباني.. وعندما أبديتُ عدم الرضا قال: البيوت بيوتي وأنا حُر في واجهاتها..
آن الآوان أن يعلم الجميع بأن المبنى من الخارج ملك المدينة، والمدينة ملكنا جميعاً، وأي اخلال بالنواحي الجمالية الخارجية للمبنى، يؤثر مباشرة في الواجهة الحضارية للمدينة، وتفتخر الحضارات بجمال مبانيها..
(*) عظم المبنى هو الجزء الإنشائي الذي يحمل المبنى، مثل الأساسات والجسور (الكمرات) والأعمدة.. الخ
|