أبحرتُ ما لي غيرُ حبّكَ مركَبُ
وضلَلْتُ ما لي غيرُ ضوئِكَ كوكبُ
وسئمتُ ما لي غيرُ أُنسِكَ سُلوةٌ
وعطشتُ ما لي غيرُ غوثِكَ مَشربُ
يا من علا فوقَ السماواتِ العُلا
لكنه من نبضِ قلبي أقربُ
يا من تُقِرُّ له العوالمُ أنه
لجميعِ أسبابِ الوجودِ مُسبِّبُ
يا من تقومُ الكائناتُ بأمرهِ
وإذا حكمتَ فليس ثَمَّ مُعقِّبُ
العينُ دونَ سناكَ يَخْبو نورُها
والقلبُ دونَ هداكَ قَفرٌ مُجْدِبُ
والكونُ إنْ لم تَحْنُ سجنٌ ضَيّقٌ
والسجنُ لو تَحْنو فضاءٌ أرحبُ
والعيشُ دونَ رضاكَ مُرٌّ عَلْقَم
والموتُ كي ترضى ألذُّ وأعذبُ
ذكراكَ لو سُلِبَتْ من الأعماقِ هلْ
يبقى من الأعماقِ شيءٌ يُسْلَبُ؟
إن كان من ينساكَ منا خائباً
إنَّ الذي تنساه منا أخيَبُ
أشفقتُ منكَ وأنتَ وحدَكَ مَلْجئي
منكَ التُّقى وإليكَ أنتَ المهربُ
أنا مذنبٌ حقاً ولكن يا تُرى
مَن مِن عبادِكَ سيدي لا يذنبُ؟
يا من له خشعتْ جميعُ جوارحي
والقلبُ من شوقي إليه مُذَوَّبُ
اقْبَلْ مُحبّاً عندَ بابِكَ لم تَزَلْ
عيناهُ من دمعِ الصبابةِ تَسْكُبُ
أنتَ الملاذُ فإنْ تَذَرْني في الدُّجى
وحدي فلا أدري إلى من أذهبُ
إن لم تَهَبْ لي نظرةً ليتَ التي
قد أنجبتي قبلُ لم تَكُ تُنجِبُ
يا ليتني ما كنتُ غيرَ قُصَاصَةٍ
في ساحةٍ مهجورة تتقلَّبُ
أو ريشةٍ في عَرْضِ بحرٍ مظلمٍ
باتت تُشَرّقُّ تارةً وتُغَرِّبُ
إنْ كان لا يحظى بقربِكَ مذنبٌ
أسواكَ ربٌّ يرتجيه المذنبُ؟
جسدي الشقيُّ ولو عصاكَ فإنما
ذرّاته لكَ تستكينُ وتَرْهَبُ
ما نبضُ هاتيكَ العروقِ سوى صدى
تسبيحةٍ لكَ في دمي تتذبذبُ
يا من يفيضُ على الصدورِ مسرةً
وبأنسِه تسلو النفوسُ وتَطْرَبُ
يا من كسا وجهَ الحياةِ طلاوةً
وبضوئه خدُّ السماءِ مخضَّبُ
والأرضُ من أبهى الورودِ توشّحتْ
والريحُ توّجَه العبيرُ الأطيبُ
والبحرُ طرّزه الشروقُ جواهراً
فأراقَ من دَمِه عليها المغربُ
ما أجملَ الدنيا إذا جمّلتَها
يا من مَعينُ جمالِه لا ينضُبُ
ما أبهجَ الأيامَ حين تنيرُها
فبغيرِ نورِكَ كلُّ شيءٍ غيهبُ
حسبي هناءً أنني بكَ عارفٌ
هل من هناءٍ بعد هذا يُطلبُ؟