الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وخلق فيه من الغرائز ما هو وراثي تولّد معه وليس للخلق فيه تدبير وما هو مكتسب يكتسبه من البيئة المحيطة به من أسرته ومن يحيط به من أترابه في المدرسة والمجتمع ويترعرع وتنمو معه هذه الغرائز وخاصة المكتسبة، لذا تجد النفس البشرية مكونة من عدة غرائز ففيها الحب والكراهية والعطف والحنان والخلق الحسن أخذاً وعطاءً فإن نمّينا هذه الغرائز ووجهناها الوجهة الصحيحة أصبح الإنسان يتمتع بنفس بشرية متزنة لا خلل فيها يعيش حياة مستقرة آمنة، أما إن تُرِكت هذه الغرائز الموروثة والمكتسبة تنمو و تتطور تلقائياً دون وجهة صحيحة فإن النفس قد تصاب بالانتكاسة وبالتالي لا يعرف صاحب هذه النفس الحب والعطف والحنان إلى أقرب الناس إليه وهما والداه وبالتالي أسرته ومجتمعه عندها يفقد كيفية التعامل مع غيره من تقدير واحترام فنجده لا يرحم صغيراً ولا يوقر كبيراً في علمه وعمله ووظيفته حتى وان اعتلى المناصب وتقلد بعض الوظائف، وقد يكون تعلم ودرس بعض العلوم المقررة من المرحلة الابتدائية حتى الجامعة والتي غالباً ما تكون مواد دينية وتاريخية وعلوماً طبيعية التي تؤهله إلى أن يحصل على الشهادة وبالتالي الوظيفة، لذا نجد البعض لا يتعلم من أجل العلم والمعرفة إنما من أجل الوظيفة والمركز فإذا حصل عليها انتهى كل شيء فلو كان من أجل العلم تجد هذا ينعكس على سلوكياته وأخلاقه بالإيجاب.
وقبل أن أكتب هذا المقال تذكرت مدينة الرياض قبل ثلاثين سنة أو أكثر عندما كانت مدينة الرياض يحيط بها أربعة مراكز للشرطة إن لم تخني الذاكرة وهذه المراكز هي - الديرة - الشميسي - البطحاء - منفوحة وكان الإخوة العاملون في هذه المراكز من العسكريين يؤدون عملهم بكل جد وإخلاص لكن كان البعض منهم غير مؤهل تأهيلاً علمياً عسكرياً بخلاف حالنا الآن وكنت أسمع بحكم عملي قبل أكثر من ثلاثين سنة في دار الملاحظة الاجتماعية بالرياض وهذه الدار مخصصة لرعاية الأحداث الصغار أي بمعنى أنها «مؤسسة إصلاحية» وبحكم عملي في هذه الدار والتي لها علاقة مباشرة مع أقسام الشرطة كنت أسمع بعض التجاوزات من بعض الأفراد منهم مثل لو حصل نقاش بين أحد أفراد قسم من أقسام الشرطة مع أحد المواطنين وارتفعت حدة النقاش بينهما تجد أن هذا الفرد ليس له حيلة لكبح وإسكات هذا المواطن إلا بأمر أحد الأفراد الذين أقل منه رتبة بأن يوقفه في المكان المخصص للتوقيف حتى يرضخ الطرف الآخر للواقع وغالباً ما ينتهي الموقف بالاعتذار والصلح، لكن كما قلت هذا قد لا يستغرب لأن من يقوم بهذا من بعض الأفراد في بعض الأقسام لم يؤهل التأهيل الصحيح في كيفية التعامل مع المواطن أياً كان موقعه، أما الآن فقد تغيرت مفاهيم الناس وأصبح هناك شيء اسمه احترام الذات وإن الإنسان له كيان خاص لا يمكن المساس به حتى ولو بدر منه خطأ أو معصية إلا بطرق وعبر قنوات مشروعة وأصبح هناك ما يسمى بلائحة الاستيقاف.
وحسب ما أفهم أن أبناءنا طلاب كلية الملك فهد الأمنية يؤهلون تأهيلاً عسكرياً جيداً ومن ضمن هذا التأهيل إدخال بعض العلوم الاجتماعية مثل علم النفس وعلم الاجتماع والعلاقات الإنسانية والعلاقات العامة والتي يدخل من ضمنها تأهيل الطالب العسكري في كيفية التعامل مع الجمهور باللباقة وحسن الخلق واحترام الذات وإن هؤلاء الجمهور يتفاوتون في ثقافتهم وفي علمهم وفي مراكزهم فهناك رجل الشارع العادي والمثقف والأديب والطبيب والمهندس.. إلخ، فلكل مقام مقال وأنا أقول هذا وأنا لا أنتقص من قيمة أحد فالكل له التقدير والاحترام لكن الناس مقامات بحكم مكانتهم في المجتمع، يجب أن يجدوا التقدير والاحترام. أقول هذا نتيجة لما حصل لي من موقف في أحد مراكز الشرطة في مدينة الرياض حيث قدّر لي في أحد الأيام الماضية أن أحضر إلى هذا القسم بسبب سوء مفاهمة حول موقف مشادة بين ابني وبعض الشباب الذين يسكنون في الحي الذي نسكنه وعندما دخلت إلى الغرفة التي يجلس فيها الضابط المناوب والذي كان يعمل بكل جهده مع زميلين له في المكتب وجدت ابني وهؤلاء الشباب وقوفاً ما عدا ولي أمرهم الذي كان يجلس على كرسي لا يوجد غيره في هذه الغرفة. وقفت معهم ولكن الوقوف أتعبني. هل أجلس على الأرض؟ لكن المنظر سوف يكون غير حضاري لاسيما أن الغرفة غير مفروشة. عندها نظرت إلى منضدة موجودة في الغرفة وليس عليها موظف يعمل بدليل أنه لا يوجد خلفها كرسي وليس عليها أوراق أو معاملات فجلست على حافتها أمام الضابط المناوب منتظراً ماذا سوف يقول بشأن ابني. وأثناء انتظاري دخل أحد الضباط برتبة رائد وتبادلت معه التحية لكنه ختم تحيته بقوله كيف أجلس على حافة الطاولة فهذا دليل على عدم الأدب وقلة الاحترام وهذا أمام الحضور، حز هذا في نفسي، كيف يخاطبني هذا بهذه اللهجة!! انتظرت حتى خرج من الغرفة فلحقت به لمعرفة سابقة به فقلت له إن ما خاطبتني به أمام الحضور عمل غير لائق أنا فلان من الناس. وأخبرته أن مكانتي الوظيفية ومرتبتي تعادل «رتبة عميد» وكان الأولى ألا يعمل هذا التصرف لكنه أصر على أن جلوسي على الطاولة فيه قلة أدب وعدم احترام للضابط المناوب وحرصت على عدم تصعيد الموقف حفاظاً على سلامتي وسلامته الأدبية وقلت في نفسي لو أن هذا الضابط دخل نفس الغرفة وكان يجلس مكاني ضابط أرفع منه رتبة ماذا سوف يكون رد الفعل عنده؟ طبعاً سوف يؤدي له التحية وينصرف. هنا أقول إنه كان الأولى والأجدى عدم مخاطبتي بهذه اللهجة، بكل عنجهية ولو قدر أنه لاحظ على جلوسي شيئاً يخل بالأدب كان بإمكانه استدعائي والطلب مني وبيني وبينه تعديل الموقف الذي حصل مني.
لذا فإنني أهيب بمعالي مدير الأمن العام الفريق سعيد القحطاني ومديري الشرطة بأن تكون هناك دورات ولو مصغرة لمدة ثلاثة أيام أو أسبوع لأفراد الشرطة الذين لهم احتكاك مباشر مع الجمهور في كيفية التعامل والتخاطب مع الناس كل حسب مقامه ومكانته الاجتماعية لأن البعض منهم يحتاج إلى مثل هذه الدورات أو الندوات أو المحاضرات لتكون لديه القدرة والدراية بأن الإنسان له كيانه الخاص وأنه يتعامل مع نفس بشرية وألا يعمم تعامله وتربيته العسكرية على أبناء وطنه المدنيين كأنهم أفراد يتبعون له في عمله، يأمرهم وينهاهم كيفما شاء.
|