* إن هذا الرجل الذي وصفه الدكتور عبدالعزيز النهاري بأنه شاغل الناس، هو بحق كان ومازال شاغلاً للناس، ولا أدل على ذلك من مرور نحو ربع قرن على وفاته،
وما يؤكد هذا المفهوم تلك الحلقات المتتابعة التي نشرها الأخ عبدالعزيز النهاري، وهي بلا ريب أتت من إحساس برجل مهم ذي تاريخ حفيل بالمهمات والمسؤوليات في زمن مبكر من حياة بلادنا، حيث بزغ نجمه من عهد باني هذا الكيان الكبير الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله ورطب ثراه.
* إن الشيخ محمد سرور الصبان ذو خصال كريمة منها الصبر في الشدائد وتقلب الأيام، وهو كريم، لا يعطي الناس ليشاد بذكره، ذلك أن عطاءه الخفي ربما تجاوز الظاهر بكثير، للذين يقصدونه ويسعون إليه، وصبر هذا الرجل وكرمه يضرب بهما الأمثال، حتى الذين يسيئون إليه يحسن إليهم، ولا أقول إنه قادر على النيل منهم، فذلك ليس خلقه، ولعل أحدنا إذا عودي فإنه يعرض عمن أساء إليه؛ لكن الشيخ محمد سرور يحسن، أي يقابل السيئة بالحسنة، وليس مرد هذا التصرف خشية ممن يسيء إليه، ولكنه يفعل الإحسان لأن نفسه كبيرة وكبيرة .. وصدق أبو الطيب القائل:
وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام
|
* لقد حادثني الأخ عبدالعزيز أبو خيال رحمه الله، أنه سأل رجلاً من رجالاتنا الكبار، فقال له: لو انتقدك إنسان في صحيفة من الصحف فما أنت صانع به؟ قال: أبعث إليه من يضربه.. لكن خلق محمد سرور ليس كذلك، فهو متسامح، ويعفو عمن أساء إليه، وهذا الخلق قليل ونادر في الحياة، ذلك أننا لسنا في عصر حاتم الطائي وأمثاله من الذين حفظ التاريخ أسماءهم، وأشاد بهم وبأخلاقهم وكرمهم النادر.!
وكأني بهذا الرجل يمارس على نفسه قول من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم: ليس القوي بذي الصرعة، وإنما القوي من يملك نفسه ساعة الغضب.. وهكذا كان خلق الرجل الكبير النفس.!
* إن الرجل ذو الخلق العالي تكفيه هذه الصفة العالية، ولقد أثنى الحق سبحانه على خاتم رسله صلى الله عليه وسلم فقال: {$ّإنَّكّ لّعّلّى" خٍلٍقُ عّظٌيمُ}، وأنا لست مع الذين ينبشون في أنساب الناس، وأحسبه تطفلا بعيدا عن أدب النفس وأدب الخطاب، وأذكرهم بقول خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم: «كلكم لآدم وآدم من تراب»، وقال عليه السلام: « سلمان منا آل البيت» وهو سلمان الفارسي رضي الله عنه.. وقال الفاروق عمر رضى الله عنه: «أبو بكر سيدنا أعتقد بلالاً سيدنا». وقال صلى الله عليه وسلم لصحابي ذكر أخاه بقوله ابن السوداء، فكان رد ذي الخلق العالي: «إن فيك لجاهلية» .. وقال عليه السلام: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».. وقال صلى الله عليه وسلم: «رب أشعث أغبر ترده الأبواب لو أقسم على الله لأبره».!
* إنني لا أنصب نفسي واعظا فيما أكتب وأقول، فرجال هذه المهمة كثر والحمد لله، غير أني أجنح إلى مبدأ النصيحة، وهي واجب كل مسلم، ذلك أن «الدين النصيحة» كما قال سيد الخلق العظيم صلى الله عليه وسلم.. والنصيحة لا تكون إلا بالحسنى، ولا ريب أن المرء يبدأ بنفسه أولاً، فيما يريد أن يقوله للناس.
* لقد تابعت ما قدم الأخ النهاري عن الشيخ محمد سرور الصبان، وكثير فيما نشر استنتاجات، من خلال قراءاته ومطالعاته، وما سمع ممن حدثه عن الرجل.. والاستنتاجات عرضة لكثير من الخطأ والغلط.!
* والذي تبين لي من هذه المتابعة فيما نشر، هو توظيف المعلومة توظيفاً صحافياً، يلعب بالمعاني ويخلخل الثقة في الرمز؛ لأن الصحافة أشبه بالسياسة، تجمع المتناقضات في سلة واحدة، وهذه الممارسة تقود إلى التشكيك، الذي لا ينبغي أن يكون في مجال الصدق والبحث والحديث عن الحقائق، ذلك أن هذا المسلك الصحافي يهز المصداقية بتلك الخلخلة المصطنعة، باسم استنطاق النصوص وتفسيرها وتأويلها وفق أمزجة، لا تكون دقيقة، لأن الشقشقة الصحافية تعكس المفاهيم وتشوه الصور، باسم الصناعة الصحافية والطرح الاجتهادي.
* وقبل المضي في الحديث ومحاورة النصوص التي نشرت؛ وبين يدي «17» سبع عشرة حلقة، وهي كل ما نشر، فإني أورد تلك العنوانات البارزة الكبار، التي تصدرت هذا الحديث الطويل، لتأكيد ما ذهبت إليه من الجنوح إلى الإثارة الصحافية، في موضوع أصبح ماضيا، غير أن الصحافة تجنح دائماً إلى ما ألفت من التضخيم والإثارة والجمز، لتستحوذ على مشاعر القارئ، وتشده إليها لمتابعة ما يقدم إليه من هذه الأنماط المستفزة، في نبش التاريخ وقضاياه بالخوض فيه بهذه الفبركة الصحافية المتجددة، التي دأبت عليها الصحافة، لاسيما المتجدد منها والمتطور، وفيما يلي عنوانات السبع عشرة حلقة وهو كل ما نشر.!
|