تتشابك القضايا وتتعقد المشكلات في أي مجتمع نتيجة عدم مواكبة مستجدات العصر أو عدم الرغبة في التطوير والتحديث.. وعند ذلك يبادر أهل الحل والعقد والمتخصصون إلى تفكيك التشابك وتخفيف التعقيد بما لديهم من خبرة وتجربة.. ضماناً لاستمرار نهضة المجتمع ونموّه وتقدمه نحو الأفضل.. انطلاقاً من المقولات الشهيرة «لكل مشكلة حل» و«لكل داء دواء» و«لكل مجتهد نصيب».
وقضية الاستثمار من أهم القضايا الحيوية وعصب رئيس في الاقتصاديات العالمية لما ينتج عنها من حلول لمشاكل كبيرة ومعقدة.. أقلها معالجة قضية البطالة، وما يترتب عليها من إفرازات سلبية متعددة، وذلك من خلال توسيع قطاعات الأعمال وبالتالي زيادة فرص العمل.. ولكن الاستثمار في المملكة ظل على مدى عقود طويلة يرتكز على أنظمة غير مرنة أحدثت تراجعاً في إقدام رأس المال المحلي والخارجي للعمل بنشاط وحيوية بسبب البطء في الإجراءات.. وتغير البنود التشريعية والقضائية.
اطلعت على دراسة قدّمها المحامي الأستاذ عبدالعزيز القاسم في مؤتمر الرياض الاقتصادي الذي عقد بتاريخ 11/8/1424هـ تحت عنوان البنية التشريعية والقضائية في المملكة.. قسمها الأخ عبدالعزيز إلى بابين رئيسين.. الأول التشريع والبيئة الاستثمارية.. والثاني البنية القضائية والاستثمار.. هذه الدراسة تكاد تكون أروع ما قرأت في هذا الجانب الحيوي حيث إنها وصفية وكمية معاً من ناحية.. واعتمدت المقارنة مع الدول المتقدمة والنامية.. من ناحية أخرى.
يقدم البحث معلومات وتحليلات وتشخيصات.. وتوصيات قيمة يشكر عليها الأستاذ عبدالعزيز القاسم والمشاركون معه في إعدادها.. والمأمول هو الاستفادة المثلى منها وبأسرع وقت.
الدراسة اعتمدت في بعض محاورها على استفتاء رجال الأعمال.. وتشير نتائج الاستفتاء في الدراسة في محور التشريع إلى التالي:
«66%» من المستثمرين تراجعوا عن استثمارات أساسية بسبب مشاكل تتعلق بصعوبة تطبيق اللوائح والنظم الحكومية.. مقابل «35%» في الدول المتقدمة.
«30%» من وقت الإدارة العليا في القطاع الخاص يستنفذ في مراجعة الدوائر الحكومية حول تفسير التشريعات والتغيرات الحادثة فيها.. مقابل «7%» في الدول المتقدمة.
أبدى «89%» من المستثمرين تخوفهم من التغير المهم في التشريعات .. مقابل «23» في الدول المتقدمة.
أشار «90%» من متعددي الأنشطة إلى أن صعوبة توقع الإجراءات والأحكام القضائية يمثل صعوبة رئيسة في إدارة الأعمال.. مقابل «41%» في الدول المتقدمة.
«81%» من متعددي الأنشطة يتجاوزون النظام عبر وسائل متعددة أهمها الواسطة «62%»، التحايل «20%»، الرشوة «5%».
أما في محور البنية القضائية فإليكم بعض الأرقام:
معدل القضاء في المملكة «2 ،4» للألف.. بينما بلغ «79 ،27» في مصر و«77 ،41» في فرنسا و«5 ،43» في ألمانيا، و«17 ،55» في بريطانيا و«8 ،22» في أمريكا.
ينشغل القاضي في المحاكم الكبرى بمعدل «6 ،362» قضية انهائية في إثبات الحياة وحصر الورثة وإثبات الغربة.. مقابل «9 ،287» قضية حقوقية.. بما يعني انشغال القاضي في أمور غير قضائية مثل أعمال التوثيق التي يمكن إحالتها إلى موظفين ذوي مهارة أقل، وهذا يشغله عن عمله الأساسي وهو الحكم في الخصومات.
بلغ عدد معاوني القضاة في ديوان المظالم «01 ،2» ووزارة العدل «9 ،7» لكل قاضٍ.. بينما بلغ عددهم لكل قاضٍ «38 ،10» في ايطاليا و«75 ،12» في هونج كونج.. «65 ،13» في ألمانيا و«7 ،20» في أمريكا.
بلغ متوسط إنجاز القضايا، في ديوان المظالم في الرياض «57%»، وجدة «43%»، فيما بلغ متوسط إنجاز القضايا في أمريكا وألمانيا «98%» في سنغافورة «94%».
ولقد خلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج والتوصيات التي ستبقى حبيسة الأدراج ما لم يتصد لها ويفعلها المسؤولون وعلى رأسهم وزير العدل.. فالزمن زمن تغيراته متسارعة والتأخير عواقبه وخيمة.. خاصة في ظل التحديات الداخلية والخارجية الحالية.
|