Wednesday 5th november,2003 11360العدد الاربعاء 10 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
منعطفات 3
عبدالله بن بخيت

لم يكن الوصول إلى الكتاب في تلك الأزمنة سهلاً لا أتذكر في الرياض إلا عدداً محدوداً جداً من المكتبات التجارية التي تحوّلت بشكل متسارع إلى مجرد قرطاسيات حتى أصبحت كلمة مكتبة تعني قرطاسية. كان هناك مكتبة اسمها مكتبة الحياة تقع في شارع الثميري. لا أعرف هل كانت هي المكتبة الوحيدة الحداثية في الرياض أم لا، ولكنها المكتبة الوحيدة التي يمكن أن تشتري منها كتباً حديثة.
لقد أصبح كتاب اللامنتمي أكبر همي. قررت أن أعرف من هو أغسطين ومن هو برنارد شو ومن هو فلوتير.. كانت هذه الأسماء الأعجمية وغيرها تدور في مقالات كتاب الجرائد ومن يعرفها سيملك المفاتيح السحرية للثقافة. لا أتذكر كيف تدبرت المبلغ أتذكر فقط أني ركضت إلى شارع الثميري والى مكتبة الحياة ولكني أصبت بخيبة أمل عندما قال البائع انه لم يسمع بالكتاب من قبل.
هذا يعني أني سأبقى خارج العمل الثقافي. من فرط سذاجتي كنت أتساءل بشكل منطقي ومشروع: طالما ان كل الكتاب والمثقفين في الجرائد يتحدثون عنه ويشيدون به ويغرفون منه لماذا لا يوجد في المكتبات بل لماذا لا يدرس في المدارس؟ لماذا يترك الأمر لمدرس اللغة العربية بكتابه الساذج ذي القطاعة الحمراء جواهر الأدب الذي يعبئ رفوف مكتبات البطحاء.
لم تطل خيبة أملي فمع بداية سحب الكتب الجيدة من الأسواق وتحويل المكتبات إلى قرطاسيات تحول عدد من بائعي المجلات في حراج ابن قاسم وخصوصا بائعي مجلة العربي إلى تجارة الكتب الممنوعة. افتتحوا تجارتهم بكتاب «حياتنا الجنسية» الشهير فحقق لهم أرباحاً طائلة مما شجعهم على المضي قدماً في تهريب الكتب بكل أنواعها. اتصلت بأحدهم فواعدني ولم يحضر على الموعد ثم ضرب لي موعداً آخر ولم يف.. فمن تكتيكاتهم ألا يبيعك فوراً بل يماطل بك لسببين الأول يتعلق بالاحتياط والتحرز من السلطات، والثاني وهو الأهم ان يدخل في روعك خطورة ما يقوم به فيحق له أن يقرر السعر الذي يريد.
كان هو أول إنسان أتحدث معه عن كتاب اللامنتمي من خارج شلتي في الحارة. كان يتحدث معي بصوت خفيض وهو يطالع هنا وهناك لكيلا يسمعنا أحد، وعندما تأتي كلمة اللامنتمي كان يخفض صوته أكثر فأعرف انه قال الكلمة من حركة شفتيه. بعد ان أكد لي ان الكتاب في طريقه إليّ لم يتركني أرحل دون ان يعرض عليّ العدد الأول من مجلة العربي. كان يعرف هوس الناس بمجلة العربي ورغبتهم العارمة في تلك الأزمنة بجمعها واقتناء أعدادها كافة.. لم أكن بعيداً عن هوس الناس ولكني لم أكن أملك المبلغ الكافي لشراء مجلة العربي وكتاب اللامنتمي معا. فاكتفيت بالتأكيد على الكتاب ووعدته أن أتدبر أمري في المستقبل وأشتري العدد الأول من مجلة العربي. مضى أكثر من أسبوع قبل أن يتصل بي ويخبرني انه لم يحصل على الكتاب ولكنه أحضر لي كتاباً أهم من كتاب اللامنتمي. لم أتخيل انه يوجد في هذه الدنيا كتاب أهم من كتاب اللامنتمي. فركضت إلى بسطته في حراج ابن قاسم لأتحقق من الأمر. غمز لي بعينه اليمنى وأشَّر لي برأسه مع مجموعة من الحركات التي تدل على أننا كنا نتبادل شفرة سرية لتضليل الناس في الحراج. تركت الحراج واتجهت إلى قيصيرة آل وشيقر ومنها إلى سوق الحساوية ثم إلى سوق الربابين وأخيراً التقيته على تقاطع شارع العطايف مع شارع الشميسي القديم. كان يحمل في يده كيس ورق من تلك الأكياس التي تباع فيها الخضار. التفت يميناً وشمالاً ثم سلَّ من داخل الكيس كتاباً ضخماً جداً كتب في وسط قطاعته الخضراء «سقوط الحضارة» وفي أعلاه كتب «كولن ولسون».
شعرت بالرعب وأنا أقرأ العنوان واسم المؤلف ودون أدنى تردد نقدته مبلغ ثلاثين ريالاً عداً ونقداً.

فاكس: 4702164

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved