* القاهرة مكتب الجزيرة عتمان أنور على البلهاسي:
فيما تتصاعد عمليات المقاومة العراقية وتزيد حدتها يوما بعد يوم في وجه القوات الأمريكية تسعى الإدارة الأمريكية جاهدة إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه وذلك من خلال تدويل الأزمة في العراق خاصة بعدما أصبحت تعاني مأزقاً كبيراً في العراق حيث زادت خسائرها البشرية بسبب المقاومة والأوضاع تتجه إلى مزيد من التدهور في جميع المجالات فهل يمكن لتدويل الأزمة أن يحقق الاستقرار والهدوء في العراق أم أن وسيلة التدويل ما هي إلا محاولة أمريكية فاشلة؟!
يؤكد السفير عبدالرؤوف الريدى سفير مصر الأسبق لدى الولايات المتحدة الأمريكية أن تدويل الأزمة العراقية بالمفهوم الأمريكي لن يؤدي إلى أي استقرار في العراق فأمريكيا تريد إشراك أطراف دولية أخرى في العراق لإخراجها من المأزق الذي تعاني منه في ضوء تصاعد عمليات المقاومة العراقية لأن أمريكا بعد كل ما حدث في العراق وجدت أن حساباتها التي بنت عليها خطتها قبل غزو العراق حسابات خاطئة سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية والعسكرية والنفسية أيضاً وهي تحاول الآن إشراك أعضاء آخرين معها للتغطية على خسائرها وليس في حساباتها العمل على استقرار العراق فأمريكا قد أعلنت عن رغبتها في مشاركة عدد من الدول معها في مهام حفظ الأمن وإعادة إعمار العراق ووجهت دعوات وبالفعل إلى بعض الدول ومنها الدول العربية غير أنني أستبعد مشاركة الدول العربية والإسلامية بقوات في العراق فالشعب العراقي سينظر إلى القوات العربية على أنها قوات معادية وتساعد الاحتلال وقد قوبلت مشاركة قوات تركية في العراق برفض شديد من جانب العراقيين أنفسهم، كما أن القانون الدولي لا يضفي شرعية على جريمة احتلال قد وقعت بالفعل فغزو الولايات المتحدة وبريطانيا للعراق هو جريمة ثابتة في حق الشعب العراقي وتم دون إجماع دولي ودون صدور قرار من مجلس الأمن أو موافقه الأمم المتحدة فالأساس القانوني لوجود الولايات المتحدة وبريطانيا في العراق غير موجود ومسألة التدويل هي مسألة سياسية بالدرجة الأولى وكل دولة تراها من حيث المكسب والخسارة.
تدويل غير شرعي
يقول الدكتور هشام صادق أستاذ القانون الدولي جامعة الاسكندرية إن قرار الأمم المتحدة الخاص بتدويل الوضع في العراق سواء بمشاركة قوات دولية أو مساهمة الدول الأخرى في إعادة الإعمار في العراق وتمويله هو قرار غير شرعي رغم أنه صادر عن منظمة يفترض أنها منظمة شرعية لأنه يحقق سابقة لا مثيل لها في تاريخ القانون والشرعية الدولية حيث يدعو إلى تكريس الاحتلال وإضفاء الشرعية عليه ورغم كل ما يقال عن مبررات هذا القرار من أنه كان الفرصة الأخيرة أمام الأمم المتحدة لتجنب تهميشها أو إلغاء دورها إلا أن هذا القرار ما هو إلا حل براجماتي غير قائم على مبدأ وخارق لمبادئ القانون الدولي.
وأكد صادق أن العراقيين يدركون تماما أن هذا تكريس للاحتلال ولذلك فالقرار لم يلق ترحيباً داخل الشارع العراقي بل وردت عليه المقاومة العراقية بالعديد من العمليات ضد القوات الأمريكية اشتدت وتيرتها في الفترة الأخيرة ولعل هذه العمليات الأخيرة هي بمثابة دليل واضح على أن محاولات تدويل الوضع في العراق لن تنجح في تحقيق الاستقرار فعمليات المقاومة المستمرة جرس إنذار لكل دولة تفكر في المشاركة بقوات أو تسعى لدخول شركاتها ومستثمريها في عمليات إعادة الإعمار ولابد أن هذه الأوضاع غير المستقرة في العراق نتيجة للانفلات الأمني وربما تهدد من الأساس نجاح فكرة التدويل فأمريكا نفسها لم تلجأ إلى فكرة التدويل إلا للهروب من ضغوط المقاومة العراقية ولإنقاذ جنودها من المستنقع العراقي.
وعن امكانية نجاح فكرة التدويل في تحقيق الاستقرار في العراق أشار الدكتور هشام صادق إلى أن المقاومة العراقية لا ترتبط بتدويل أو غيره قائلا إن المقاومة تعمل من أجل هدف واحد وهو التخلص من الاحتلال وعودة السيادة للعراقيين على أراضيهم ولن تتوقف المقاومة إلا لو حققت هذا الهدف وربما زادت عمليات المقاومة ضد قوات الدول الأخرى باعتبارها قوات أجنبية متحالفة مع الاحتلال ضد المصالح العراقية وحتى المقاومة نفسها طبيعتها غير مفهومة فالواضح أن كل فئات الشعب العراقي تشارك فيها بل هناك إشارات لوجود قوى أخرى ويمكن القول بأنها مقاومة عراقية بالفعل تلقى دعما من الخارج وهذا أمر طبيعي في حالة أي شعب مقاوم يريد التخلص من الاحتلال.
وأكد صادق أن الولايات المتحدة ارتكبت العديد من الأخطاء في العراق وجعلت البيئة العراقية مهيأة للانفجار ووسعت من نطاق عمليات المقاومة وجعلت من فكرة العودة للاستقرار فكرة صعبة التحقيق حتى ولو خرجت أمريكا من العراق وتوقفت المقاومة فمن المتوقع أن تحدث صراعات داخلية بين القوى العراقية المختلفة وربما تطور الوضع لحرب أهلية والخلاف بين قوى المعارضة بعد خروج الأمريكان متوقع وهو ما يؤكد أن العراق غير مهيأ للاستقرار على المدى الطويل سواء تم تدويل الوضع أم لم يتم. وطالب صادق بضرورة إعطاء دور أكبر للأمم المتحدة في العراق يتجاوز القيام بأعمال إنسانية وترك الأمر لقوات الاحتلال لتقرير مصير الشعب العراقي وعلى هذا لابد من قرار جديد من مجلس الأمن يحدد خطوات فاعلة وجدول زمني لتسوية الأوضاع في العراق ويزيد من صلاحيات الأمم المتحدة ولعل صدور قرار جديد يفتح الباب أمام المجتمع الدولي لمعالجة ما أفسدته أمريكا في العراق سيمكن المنظمة الدولية من ممارسة دورها الذي افتقدته بعد حرب العراق.
زيادة الاضطرابات
من ناحيته يرى السفير على حجازي مساعد وزير الخارجية الأسبق للشؤون الآسيوية وعضو مجلس إدارة الدراسات الآسيوية بجامعة القاهرة أن مسألة تدويل أمريكا للوضع في العراق هي مسألة خطيرة جدا لأنها ستؤدي إلى تكريس الاحتلال وتوريط المجتمع الدولي وهي خطأ كبير فبدلاً من أن يساهم في إنهاء الاحتلال سيكون طرفاً رئيسياً فيه وهذا ما سيجعل القوات الدولية والشركات الدولية التي ستساهم في عملية التدويل معرضة لهجمات المقاومة العراقية التي يبدو أنها ستشن ما يشبه الحرب ضد هذه القوات ولعل تصاعد هجمات المقاومة العراقية في الآونة الأخيرة ضد القوات الأمريكية يعطى مؤشرات لما يمكن أن يكون عليه الوضع في ظل وجود قوات دولية.
وأكد حجازي أن المجتمع الدولي يدرك جيدا أن أمريكا تهدف من وراء هذه العملية إلى إنقاذ جنودها من المستنقع العراقى وإلى قلب الأوضاع بحيث يصبح وجودها شرعياً وتصبح المقاومة إرهاباً وقال إن أمريكا تهدف من مسألة التدويل إلى القضاء على المقاومة العراقية بمساعدة القوات الدولية وان القوات الدولية لو تدخلت وساعدتها في ذلك فستضع نفسها في مواجهة طوفان الغضب العراقي وتكون هدفاً لعمليات المقاومة كما أن هذا سيكون ضد الشرعية الدولية التي تعطي الشعب العرقي الحق في مقاومة الاحتلال. وأشار السفير حجازي إلى أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يحقق الاستقرار في العراق هو انسحاب القوات الأمريكية وترك العراقيين يحكمون أنفسهم بأنفسهم أما غير ذلك فكلها أعمال لتبرير الاحتلال في حين أن هذا الاحتلال سواء كان مدعوماً بقوات دولية أو حتى من الأمم المتحدة فإن ذلك لا ينفي عنه صفة الاحتلال غير المشروع للعراق. وطالب حجازى بتولي الأمم المتحدة ملف إعادة بناء العراق وعودة مقاليد السلطة إلى الشعب العراقي مؤكدا أن الأمم المتحدة ما زالت موجودة ولها شرعيتها التي تفوق أي شرعية أخرى والدليل أن أمريكا لجأت إليها في محاولة لإضفاء الشرعية على وجودها في العراق رغم أنها كانت ترفض ذلك منذ البداية. وأكد على أهمية دور الجامعة العربية في إعادة بناء العراق وعدم السماح لأي دولة عربية بالمشاركة بقوات مع قوات التحالف واستبعد أن تشارك أي دولة عربية بالفعل في هذه القوات أو في مسألة التدويل الأمريكى للعراق. ولم يستبعد مشاركة دول أخرى أجنبية سعياً وراء المكاسب الاقتصادية والنفط العراقي وعقود إعادة الإعمار ولكن هذه الدول سرعان ما ستدرك المأزق الذي وضعت نفسها فيه عندما تتعرض قواتها لنيران المقاومة العراقية وتدرك أن أمريكا ورطتها في المستنقع العراقي لأخذ صدمات المقاومة وفي النهاية فإنه حتى لو نجحت أمريكا في تحقيق بعض الاستقرار بتدويلها للوضع في العراق فإنها لن تنجح أبداً في القضاء على المقاومة أو حتى إضفاء الشرعية على وجودها في العراق.
ويرى السفير عبدالله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري السابق أنه لا شيء يؤدي لاستقرار العراق غير انسحاب القوات الأمريكية من العراق وأن الشرعية الوحيدة المتاحة للولايات المتحدة هي انسحاب قواتها من العراق وتركه للعراقيين يحكمون أنفسهم بأنفسهم أما غير ذلك فكلها أعمال لتبرير وجود القوات الأمريكية والبريطانية فنحن أمام احتلال عسكري وسواء كان مدعماً بقوات دولية أو حتى من الأمم المتحدة فإن ذلك لا ينفي صيغة الاحتلال غير المشروع للعراق وفي ظل وجود الاحتلال لابد من العمل بالفعل على توسيع دور الأمم المتحدة وتحديد دورها وهذا لا ينبغي أن يكون بقرار أمريكي ولكن بقرار من مجلس الأمن الذي لابد له من اتخاذ خطوات فاعلة من أجل تسوية الأوضاع في العراق وعلى هذا لابد من وقف الأوضاع المتدهورة وإصلاح الحياة الاقتصادية لعودة الاستقرار للعراق غير أن عودة الاستقرار الحقيقي لن يتم إلا بجلاء الاحتلال.
|