Wednesday 5th november,2003 11360العدد الاربعاء 10 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

البوارح البوارح
الافتراء على التاريخ
د. دلال بنت مخلد الحربي

مصادفة كنت استمع إلى حديث فنانة عربية معروفة في حديث إذاعي عبر إذاعة عربية وهي ترد على سؤال عن برنامجها اليومي الرمضاني، فذكرت ما ذكرت، واختتمت حديثها أن من ضمن برنامجها الالتقاء بصديقاتها ولعب لعبة (لا اتذكر اسمها) لكنها قالت عنها: «علموناها الأتراك أيام احتلالهم لنا يقصف عمرهم». انتهى كلام الفنانة.
في اليوم التالي طالعتنا الصحف المحلية بخبر، منه ما نشر في صحيفة الجزيرة (ع 11356 السبت 6 رمضان 1424هـ) تحت عنوان: (نظام عثماني بثوب أمريكي.. تقسيم دولة العراق إلى 9 ولايات شبه مستقلة». ومما جاء في الخبر: «حصلت موافقة مجلس الحكم الانتقالي في العراق على مقترح اللجنة المكلفة بالإعداد للدستور الذي يقضي بتقسيم العراق إلى 9 ولايات شبه مستقلة.. تقسيم العراق يفسره الكثير من المراقبين بأنه تفتيت لكيان الدولة التي غادرت نظام الولايات الذي كرسته الدولة العثمانية طيلة فترة احتلالها للعراق الذي انتهى عام 1917م عندما حل الاستعمار الإنجليزي محل العثماني». انتهى الخبر.
تعليق الفنانة. وخبر الصحافة المحلية رأي سائد في كثير من وسائل الإعلام العربية خاصة في بلاد الشام عن الدولة العثمانية حيث يشار إلى الفترة الزمنية العثمانية على أنها فترة استعمار واحتلال، وسبق أن عرضت مسلسلات تلفزيونية تصب في هذا الاتجاه حيث تضخم أحداث الفترة العثمانية المتأخرة.
والقارئ للتاريخ العثماني يتألم أيما تألم لتاريخ هذه الدولة الإسلامية الذي شوه وهوجم وانتقص الكثير من حقه، فلم يكن بنو عثمان مستعمرين، محتلين بحيث نصف وجودهم في البلاد العربية والإسلامية «احتلالاً» أو «استعماراً»، لقد كان بنو عثمان يمثلون دولة إسلامية كبرى هي امتداد للدول الإسلامية الكبرى المعروفة مثل الدولة الأموية، والدولة العباسية ثم ثالثتهم الدولة العثمانية التي من الصعب ذكر إنجازاتها على كافة الأصعدة في حيز ضيق كهذا، لكن يكفي الإشارة إلى دورها في الفتوحات الإسلامية في أوروبا، ودفاعها عن حياض الدين وعن الحرمين الشريفين ضد البرتغاليين ونواياهم السيئة لتطويق البلاد الإسلامية، كما كان بنو عثمان دعاة حضارة وبناء، وشواهد دعواهم ماثلة في البلاد العربية والإسلامية إلى هذا اليوم.
وتاريخ الدولة العثمانية مثل أي تاريخ لأي دولة في أي زمان ومكان لا يخلو من الأخطاء، ولكن هل يجوز التمسك بالأخطاء وتعميق حدتها دون النظر إلى الإيجابيات الأخرى وما قدمته الدولة العثمانية طوال فترة تاريخها الطويل؟
إن مقارنة الاحتلال الأمريكي الراهن للعراق وقبله الاستعمار الإنجليزي بالسيادة العثمانية في العراق أو حتى في غيرها، خطأ وتشويه وهو أمر يجب ألا تقع
فيه وسائل الإعلام المحلية والعارفة بمجريات التاريخ الإسلامي.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved