«رمضان».. «رمضان».. كلمة تتكرر هذه الأيام كثيراً..
«رمضان».. جاء.. سيجئ تشنف الآذان كثيراً هذه الأوقات مثل هذه الكلمات! ومعها يحس الانسان.. وتحس المجموعة بدفقات روحية تسري في كيانها.. وتتغلغل في جوانحها.. رمضان يوحي بأشياء عميقة.. عميقة جداً لقلب كل مؤمن يسلم وجهه له.. «رمضان» لحن يمر بدورة الزمن مرة كل «اثني عشر شهراً» يا سادتي القراء .. ها هي بدور لياليه توشك أن تنبلج عن بهائها وبياضها وسكونها؟!
وفي «الرياض» كل شيء يستعد للقاء رمضان..
كل الناس في «العاصمة» تتهيأ لمقدم هذا الوافد الكريم.. «أصحاب الأسر» يستعدون لشراء «مستلزمات هذا الشهر».
و«أصحاب الحوانيت» يجهزون «حوانيتهم» بكل متطلبات هذا الشهر حتى «بائعو السنبوسة.. وبائعو الفلافل» يحضرون كل مستلزمات عملهم.. حيث سيكثر الطلب على بضاعتهم خلال هذا الشهر؟!
كل شيء يوحي لك بأن هنالك شيئاً جديداً سيأتي.. سيأتي عن قريب.. وسيحل ضيفاً معززاً على كل سكان العاصمة؟!
تدخل «الديرة».. أو «البطحاء».. وبالمناسبة يا ويلك بالطفران.. أقول عندما تدخل إلى أسواق البيع والشراء تجد أشياء معروضة بكثرة.. وبأعداد لم تألفها عينك.. تزرع «حدقاتك» في أيدي البائعين فتجدهم لا يبتاعون ولا يعطون إلا أشياء خاصة.. وتبحلق بما يشتري المبتاعون فتلقاها أشياء مخصوصة.
تأتي إلى دكاكين الأطعمة فتنظر أشياء خاصة أبرزها أصحاب «المخازن» لأن الطلب لا يكون إلا عليها.. فتجد شخصاً يقلب «أنواعاً من الحليب» وآخر يقلب كرتون «شوربا».. الخ.. أجل في العاصمة كل شيء يستعد لاستقبال شهر رمضان.. حتى أصحاب الكماليات!!
تذهب إلى صاحب الساعاتي فتجده منهمكاً بإصلاحات الساعات المنبهة وضجيجها يغطي على كل شيء!!
وتأتي إلى أصحاب المكتبات فتجدهم قد أبرزوا القرآن الكريم في أحجام كبيرة وصغيرة.. وتجد «المبتاعين» يتزاحمون عليهم..
حتى أصحاب القطاعات الحكومية والخاصة فتأتي إلى محطة التلفزيون أو محطة الإذاعة، فتجد نشاطاً كبيراً جداً لإعداد الكثير من البرامج ليعيش معها الناس في سهراتهم البريئة في ليالي هذا الشهر الكريم.. وما أحلى لياليه؟!
وحتى «الصحفيون».. يستعدون لاستقبال هذا الشهر.. فيفكرون في الزوايا.. والصفحات.. والمادة التي يصافحون بها وجوه قرائهم لتتناسب مع حرمة هذا الشهر وروحانيته..
وتأتي إلى تصرفات الناس فتلحظ كيف تغلغل مفهوم هذا الشهر في أذهان الناس وأعمالهم.. فتجد الكثير يفكر في رحلة.. في آخر جمعة قبل هذا الشهر المبارك.. لأنهم سيتفرغون في غضون هذا الشهر لعبادة ربهم.. وتلاوة قرآنهم..
وتعرج على أحاديث الناس هنا.. فتجد الكثير من مثل هذه العبارات تتكرر.. «استعن بالله» الله يرحم اللى ما عادوه».. الخ
كما تجد الفرد يفكر كيف سيقسم وقته.. وكيف سينظم عمله.. بحيث يرضي ربه ومطالبه.. فيضع بذلك برنامجاً معيناً لأيام رمضان قبل أن تأتي وتأتي إلى «بيوت الله» فتلاحظ أن كان هنالك «ثريات» أكل عليها الزمان وشرب قد غيرت.. أو يسعى لتغييرها.. وإن كان هنالك «سجاجيد» متمزقة.. يعمل لاستبدالها بأخرى.. الخ.
أجل.. كل شيء يخضع لمفهوم هذا الشهر.. حتى الأندية الرياضية.. فتجدها تستعد وتخطط لهذا الشهر لتوجد «ألعاباً» تتناسب والشهر إياه حيث ان بعض الألعاب ككرة القدم تتقلص وتختفي خلال شهر رمضان.. ولكي تتجسد لك وتتجسم مظاهر استقبال شهر رمضان في الرياض، فدونك ما يسمى بحلة «العبيد» فستجد كل شيء يشير بكلتا يديه لاستقبال هذا الشهر.. فأصحاب «البقالات» في عمل وتنظيم.. وأصحاب «الفلافل والسنبوسة» في شغل شاغل لتجهيز حاجات ومتطلبات عملهم حيث سيكثر« «العرض والطلب عليهم» - وعلى حد تعبير الاقتصاديين - خلال هذا الشهر بشكل لم يعهدوه فالكل سيعمل «14» ساعة متواصلة من بعد صلاة العصر حتى أذان الفجر، أخيراً كل شيء يخضع لرمضان .. كل شيء بالعاصمة يوحي لك بأن وافداً سيقدم على بلدهم.
وبعد..!!
حق لهذا الشهر أن يتغلغل في كل القلوب.. وفي كل النفوس.. إنه في نظري الشر «المعلم» لكل المبادئ والمثل الخيرة.. للعدالة في أسمى معانيها.. وللمساواة في قمة ابعادها.. انه شهر المناجاة الصامتة.. مناجاة أهل الأرض لرب الأرض والسماء؟! فلا غرو بعد هذا أن كان له كل التأثير.
إن لحظات من العمر تلتقي فيه كل الناس على بساط «الجوع» و«العطش» رمضان يمثل وداعاً.. ويجسد استقبالاً.. وداعاً لأحد عشر شهراً مضت.. واستقبالاً لشهر آخر يأتي؟!
فأهلاً بك يا رمضان.. بعدما ما أضنتنا شدة الشوق إلى تلثيم أيامك وكل عام - سادتي القراء - وأنتم بخير.. وإعاده الله على أمتنا وقد انجلت عنها أشباح التمزق.. والتفت على مبدأ الاخوة.. وعسى أن يكون هذا الشهر العظيم جسراً صلداً لتعبر عن طريقه أمتنا إلى شواطئ الطمأنينة.. وعسى أن تستمد من روحانيته ما يمدها بالقوة والالفة والعزة.
|