إن الدراسات الحالية تهدف إلى التعرف على محددات السلوك الإداري أي تلك العوامل التي تؤثر على نمط أداء وتصرف المدير في عمله. تلك المعرفة تمكننا من فهم هذا السلوك والتنبؤ به ومحاولة ضبطه والتحكم فيه.
إن السلوك الإداري في تفكيرنا هو محصلة التفاعل بين عناصر ثلاثة «المدير، التنظيم، المجتمع». وأي محصلة لفهم هذا السلوك لابد وان تأخذ في اعتبارها تأثير كل من تلك العناصر في ذات الوقت.
من ذلك نرى اننا لكي ننجح في توجيه السلوك الإداري في اتجاه مزيد من الكفاءات والفعالية ينبغي لنا ان نعمل على جبهات ثلاثة في ذات الوقت وسوف نتناول كلاً من تلك الجبهات على التوالي.
أولاً: المدير الفرد
إن العنصر الأول في تحديد السلوك الإداري هو المدير ذاته. ولذلك فإن عملية بناء فرق الإداريين تتطلب معرفة البيانات التالية عن فئة المديرين:
ما هي القدرات، المهارات، أو الصفات التي يجب ان يتمتع بها المدير الكفء؟
ما هي العوامل التي تدفع المدير الذي توفرت له القدرات والصفات المطلوبة إلى أداء عمله بكفاءة؟
ما هو التكوين النفسي للمدير من حيث اتجاهاته، أساليب تفكيره، مدركاته وخصائصه الشخصية؟
يرى رالف ستوجديل Stogdill الأستاذ بجامعة أوهايو الأمريكية ان المدير ينبغي ان يتصف بالصفات التالية:
الطموح إلى تحقيق الأهداف «المعرفة، العلم، الخبرة».
المسؤولية «يُعتمد عليه، الصبر، موالاة العمل، الثقة بالنفس».
المشاركة «النشاط، التعاون، القدرة على التأقلم».
وفي دراسة أخرى قامت بها إحدى الجامعات الأمريكية تبين ان الصفات الآتية هي أكثرها أهمية:
القدرة على اختيار الأفراد.
القدرة على تدريب الأفراد.
الحكم السليم على الأمور.
القدرة على تنظيم العمل.
الرغبة في العمل.
الثقة بالنفس.
العدالة والاحترام للآخرين.
التأهب والاستعداد للتغيرات المختلفة.
كما أبرزت دراسة أخرى تمت في 200 شركة أمريكية ان الأسباب الآتية هي الأساس في فشل المديرين:
عدم القدرة «أو الرغبة» في تفويض السلطة للآخرين.
نقص المعلومات والمعرفة.
عدم القدرة على التحليل والتقييم للأمور.
عدم القدرة على إصدار الأحكام على الناس.
عدم القدرة «أو الرغبة» في التعاون مع الآخرين.
عدم القدرة على اتخاذ القرارات.
وأظهرت دراسة أخرى قام بها الأستاذ كريس أرجيرس الصفات الإدارية الأساسية التالية:
القدرة على العمل بكفاءة في ظروف صعبة وغير مستقرة.
القدرة على «والرغبة في» الحصول على مشاركة الآخرين في حل المشاكل.
القدرة على النقد الذاتي ومساءلة النفس.
القدرة على تحمل الصعاب أو الشدائد بدون شكوى.
القدرة على رد الهجوم باستراتيجية وتنظيم محكم.
القدرة على تقبل الفوز أو الخسارة باعتدال.
القدرة على تحمل قرارات الرؤساء غير العادلة.
القدرة على تحديد الأهداف المعقولة.
ونستطيع ان نجمل كل تلك الصفات والخصائص في الآتي:
القدرة التحليلية:
وهي القدرة على تصور العلاقات بين الأشياء من خلال تحليل الأمور وطرح الأسئلة الصحيحة، وتجميع البيانات الضرورية والحصول على الإجابات المطلوبة ومراجعة تلك الإجابة والتأكد من صحتها.
إن أساس القدرة التحليلية هو التعرف على العلاقات بين العوامل المختلفة في أي موقف وتبين اتجاه تلك العلاقات.
القدرة على وضع الأمور في موضعها وتخيل الموقف بأكمله:
وبنفس المنطق الذي يدعونا إلى مطالبة المدير بتحليل المواقف المختلفة إلى أجزائها وتفهم العلاقات بين تلك الأجزاء، فإن العمل الإداري في كثير من الأحيان يتطلب من المدير القدرة على تجميع بيانات متفرقة ومعلومات مجزأة ووضعها في قالب متكامل بحيث يستطيع تفهم حقيقة الموقف بأكمله أي هي القدرة على التقاط العلاقات بين الأشياء التي تبدو منعزلة أو منفصلة والبحث عن الروابط بينها.
القدرة على الابتكار والتجديد:
القدرة على الاكتشاف والتجديد في أساليب العمل ونظمه والابتكار في مجالات الإدارة المختلفة.
القدرة على حل المشكلات.
القدرة على التعبير والاتصال.
القدرة على التعايش مع المجتمع.
وهناك اتجاه آخر يحصر تلك القدرات في ثلاث أساسية:
قدرات إنسانية: تفهم الناس والتعامل معهم.
قدرات فنية: تعرف طبيعة العمل الذي يقوم به.
قدرات فكرية: القدرة على تصور المواقف وحل المشكلات.
ثانياً: التنظيم
إن المدير الفرد بكل ما يتمتع به من خبرات ومهارات وما يشعر به من رغبات وحاجات تدفعه إلى مزيد من الجهد والإنتاج ليس إلا عنصراً يتفاعل مع غيره من العناصر التي يحتويها التنظيم العام الذي يعمل به المدير. وعلى ذلك فإن سلوك المدير في العمل لا يتوقف على مهاراته وقدراته الخاصة فحسب، بل يتأثر أيضاً بقدرات ومهارات الأفراد الآخرين في التنظيم سواء كانوا رؤساء زملاء أو مرؤوسين. كما ان هؤلاء الأفراد لهم رغباتهم ودوافعهم للعمل التي قد تتفق مع أو تختلف عن رغبات ودوافع المدير. وبالتالي فإن السلوك الإداري إنما هو محصلة التفاعل بين المدير والأفراد الآخرين في المشروع. ويسهل أو يعقد ذلك التفاعل بعض النظم السائدة في المشروع أهمها نظم الاتصالات، نظم اتخاذ القرارات، والأنماط السائدة في المشروع من حيث توزيع السلطة أو تركيزها.
من هنا نرى ان المدير الفرد لا يعمل منعزلاً عن المحيط الاجتماعي الذي يسود المشروع بل تتوقف فاعلية المدير وكفاءته في عمله الإداري على قدرته على التعايش مع الآخرين وحل الصراعات والخلافات التي تنشأ نتيجة الاحتكاك بأفراد آخرين قد تختلف اتجاهاتهم وتتناقض مصالحهم مع مصالح وأهداف المدير.
|