أذكر أننا عندما كنا نتسابق الى مشاهدة المصارعة الحرة، كنا نتضايق الى درجة الانفعال عندما يكون النزال بين طرفين غير متكافئين لكون نتيجة النزال حتما ستكون من صالح الطرف القوي الذي يمتلك السيطرة الكاملة على الحلبة بمن فيها. وكنا ونحن نشاهد النزال نتساءل ببراءة شديدة عن الاسباب التي دفعت بهذا المصارع غير العاقل على الدخول في تحد مع من يفوقه قوة وبسطة في الجسم مما يعرضه لكل اصناف الضرب والرفس دون ان يكون له دور مؤثر على طبيعة اللقاء. اقول ما تقدم توطئة للحديث عن حالنا كمسلمين اولا وكعرب ثانيا عندما نحاول او يحاول بعضنا تصوير حالة عدم التوافق بيننا وبين الولايات المتحدة الامريكية على بعض المواقف على انها حالة صراع وحرب مستمرة بين طرفين يمكن لكل منهما تحقيق نصر ملموس على الآخر. فعلى الرغم من شدة تأثرنا كمسلمين بالمواقف التي تتخذها الولايات المتحدة الامريكية من قضايانا المختلفة وفي مقدمتها قضية فلسطين، وعلى الرغم من التحيز الامريكي المتواصل لاسرائيل المحتلة في جميع المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، الا انه من غير المنطقي قبول فرضية الصراع بين الطرفين لاننا ببساطة كالمصارع الضعيف الذي لا يمتلك مقومات الدفاع عن نفسه فضلا عن منازلة الاقوياء. فمن غير المنطقي ان نقبل بحالة الصراع ونحن نعتمد وبشكل كبير على كل ما تنتجه الحضارة الامريكية بشكل خاص والحضارة الغربية بشكل عام من غذاء وكساء ومن وسائل نقل وادوات حرب ونحو ذلك من متطلبات الحياة الضرورية. فاذا كانت هذه الحال فان من واجبنا الا ننساق وراء الدعوات اليائسة التي تحاول بقصد او غير قصد تهيئة البيئة الملائمة لزيادة سيطرة اليهود على مقدرات الامة وتحاول بحسن او بسوء نية القضاء على كل مقومات النهوض لهذه الامة المسكينة. وبالتالي فان المنطق السليم يملي علينا عدم قبول مثل هذه الدعوة والاخذ بأسباب النهوض العلمية التي قادت هذا المصارع الى تحقيق السيطرة الكاملة على حلبة المصارعة بمن فيها. لابد لنا ان نعيد النظر اولا في انفسنا وفي انظمتنا وفي مجتمعاتنا حتى نستطيع اعادة بناء هذه المجتمعات على قواعد راسية تمكننا اولا من الاستغناء عن الآخرين ثم من منافستهم علميا ومنهجيا في بعض الميادين التي تتعارض فيها المصالح المجتمعية.
يا سادة لقد ثبت بالدليل القاطع فشل كل المحاولات العربية السابقة التي اعتمدت على بلاغة اللسان في تغيير واقع الامة وثبت بالدليل القاطع عدم قدرة العبارات البلاغية على صد هجمات الاعداء وحماية ارواح الاطفال والنساء كما ثبت عدم مصداقية الكثير من الخطب والخطط العربية مما ابقى الشعوب العربية تحت تأثير الخطاب العربي المظلل وقاد شبابها الى ميادين حرب وصراع غير مبررة. فهل نعي هذه الحقيقة ونبدأ في التعامل مع متغيرات الواقع بالعقل اكثر من العاطفة؟ اتمنى ذلك.
|