Tuesday 4th november,2003 11359العدد الثلاثاء 9 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

«المنبر» و«البنك»: خريطة للطريق؟ «المنبر» و«البنك»: خريطة للطريق؟
أنور عبدالمجيد الجبرتي

ألقى، الخطيب الفاضل، خطبةً قوية، ومؤثرة، يوم الجمعة عن النظام الاقتصادي العالمي، والأزمات التي يمرُّ بها، وتأثير ذلك على الاقتصاديات الإسلامية، ولكن حجرَ الأساس في، الموعظة، كان، يتناول ما، أسماهُ، بنظام البنوك الرّبوية، أو، ما يُعرف، اصطلاحاً، في بعض الأحيان، بالبنوك التقليدية تمييزا لها، عما، يعرف، بالبنوك الإسلامية، ودور، تلك البنوك التقليدية، في المشاكل الاقتصادية، وعدَم شرعية معاملاتها، القائمة على الفوائد، عند الايداع، والاقتراض.
* وكاتب هذه السُّطور، ليس فقيهاً، ولا يدّعي ذلك، كما أنه، لا يتصدى للإفتاء، من قريب أو بعيد، في مثل هذه الأمور، البالغة الأهمية، أو، حتى، في أمور أقل أهمية، فللفقه، والافتاء، رجالهما، المؤهلون القادرون، الأتقياء، وان كنت أدّعي، بعض العلم، في أمور، المال والاقتصاد.
* ورغم أني، اطلعت، على بعض الآراء الفقهية، حول، جواز، تقاضي الفوائد على بعض ودائع البنوك، من فقهاء، مسلمين، معروفين خرَّجوا، هذه، الإجازة، على نحْوٍ، أو آخر، كما أن هناك أراء فقهية مختلفة، ومتخالفة، عن انواع العمليات البنكية التقليدية وغير التقليدية، الا، ان، هذه الآراء تمثل الأقلِّية، اذ ان هناك شبه، اجماع فقهي، حالياً، على تصنيف الفوائد البنكية، والاقراض البنكي التقليدي، بأنها معاملات، ربوية، غير شرعية.
* البنوك التقليدية في العالم الإسلامي، قائمة، ونشطة، ومتنامية وتستأثر بأغلبية الأنشطة المالية، وقد تم تأسيسها،والسَّماح لها بممارسة أعمالها، بناءً، على انظمة، وقوانين، وتشريعات رسمية، تصدرها، وتصادق عليها، وتراقبها، جهات رسمية صاحبة اختصاص، وولاية، وإلزام.
* وهذه البنوك، أصبحت، عنصراً أساسياً، مهيمناً، في الاقتصاديات الوطنية لجميع الدول الإسلامية يعتمد عليها في تمويل كثير من أوْجه النشاط الاقتصادي بما في ذلك، بالطبع التجارة الخارجية.،والدَين العام.
* والأهم من ذلك كله، ان هذه البنوك تستحوذ، تقريباً، على مُعظم السَيولة النقدية، ويمكن لها، وفقاً لضوابط، معينة أن تساهم في خلق النقود وتدميرها وبالتالي التأثير على الطَّلب الإجمالي في الاقتصاد الوطني، بكل ما يعنيه ذلك من نتائج على البطالة، والتضخُّم، ومُستويات النشاط الاقتصادي ومُعدَّلات النُّمو، وهذا دور قوي له دلالاته الاجتماعية والسياسية، خاصة، في زمن يكاد يكون فيه البعد الاقتصادي العنصر الأهم، في الاستقرار السياسي والاجتماعي.
* هذا الدور الاستراتيجي للنظام البنكي يجعلنا نطرح سؤالاً أساسياً حول التناقض بين فكرة البنوك التقليدية، وأنشطتها، وبين نظام القيم العام في مجتمعاتنا؟ هذه مؤسسات تحتل موقعاً في الاقتصاد الوطني، وتضطلع بمسؤوليات جسيمة، وتحكم قبضتها على تلابيب المؤسسات الاقتصادية، وتسيطر على عَصب الحياة في المجتمع، ومع ذلك فهي مؤسسات يتم لَعْنُها على المنابر، وتحذير المجتمع من أخطارها وآثامها، وحث المؤمنين المتقين على تجنب التعامل معها.
إن المنبر له مكانته الدينية والأخلاقية الفاضلة، والبارزة والمؤثرة، في مجتمعاتنا، والبنك التقليدي له وضعه الاقتصادي الهام، وحساسيته البالغة في اقتصادياتنا، وهذا التنافر البالغ بين المنبر، والبنك له آثار سلبية بالغة، على الأوضاع الاقتصادية، وعلى قدرة المؤسسات المالية على القيام بدورها الحقيقي المتوقع.
* إنني استطيع القول بأن هذا الوضع المتناقض، يجعل من البنوك، في كثير من الأحيان، عقبة كبيرة من عقبات النمو، وعبئاً ثقيلاً على الاقتصاد الوطني، وثُقباً هائلاً أسْود في الكوْن الاقتصادي الوطني. هذا الوضع الأعرج، يجعلُها أكثر فعالية في تدمير النقود بدلاً من خلقها، وفي امتصاص الحيوية من الاقتصاد بدلاً من ضخِّ الحياة في شرايينه، وفي اختلال البُنية الاقتصادية بدلاً من انسجامها وانسيابها، وفي الهبوط، بمعدلات النمو، والتوظيف، بدلاً من حثها والنهوض بها.
* الظروف الاقتصادية الحرجة التي تمر بها اقتصاديات الدول الإسلامية، واجراءات الإصلاح الاقتصادي التي تتبناها تلك الاقتصاديات، تتطلب مؤسسات تمويلية فعالة ورشيدة وقادرة ومن غير هذه المؤسسات لن يتمكن القطاع الخاص من اداء دوره المتوقع، ولن يتمكن الاقتصاد الوطني من توزيع موارده توزيعاً فعالاً، واستخدامها استخداماً أمثل.
* وعلى سبيل المثال، هناك اعداد هائلة من القدرات الاقتصادية الواعدة ، مؤسسات وافراداً، لديها الأفكار الجيدة، والتنظيم المناسب، والاستعداد لبذل الجهد، تأسيساً وإدارة، ولكنها لا تجد التمويل المُنظم، الميسَّر، وبشروط وتكلفة معقولة لكي تحقق امكاناتها، وهذا سيُفوِّت على الاقتصاد الوطني فرص إنتاج وتوظيف هائلة، ومعدلات نمو مرتفعة.
* ستجيب القيادات البنكية في بعض الدول، بأنه في غياب غطاء قانوني وقضائي لن تتمكن من ممارسة دورها التمويلي والتنموي الفعّال.
* والنتيجة بالطبع هي «شفط» السيولة المحلية، واستثمارها خارج الاقتصاد في ادوات ووسائل استثمارية أجنبية متنوعة.
* هذه ليست فتوى شرعية أو رأياً فقهياً في موضوع الفوائد والمعاملات البنكية التقليدية، وانما هي دعوة إلى البحث عن حل لهذه المعضلة، المكلفة، اقتصادياً، وسياسياً، واجتماعياً.
* يجب ان يتوفر حَدٌ أدنى من الانسجام والتوافق بين المنبر، والمؤسسات التمويلية تقليدية وغير تقليدية.
* ويجب ان يتوفر، حد أدنى من الانسجام، بين قيم المجتمع، وتفضيلاته الأخلاقية، وبين نظامه المالي، والنقدي.
* يجب البحث، عن اعلان للهدنة، أو، السلام، أو حتى خريطة للطريق، بين «المنبر» و«البنك».

* سبق، نشر، هذا الموضوع، مع بعض التعديل.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved