Monday 3rd november,2003 11358العدد الأثنين 8 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ومن مؤتمر إلى آخر -1- ومن مؤتمر إلى آخر -1-
عبدالله الصالح العثيمين

دار الحديث في المقالات السابقة حول مشاركتي في ندوتين: أولاهما في دمشق.. فيحاء الشام. وكانت عن أثر العقيلات في العلاقات السعودية السورية. وثانيتهما في باريس. وكانت عن الحركات السلفية المعاصرة وفي مقدَّمتها - بطبيعة الحال- دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وما نتج عنها.
ولقد كنت قرير العين.. مبتهج الفؤاد.. عندما أنهيت ما شعرت بأنه واجب عليَّ في ندوة باريس. وفي هذه المدينة ما فيها من جمال متنوِّع السمات، ونشاط اجتماعي وثقافي متعدِّد الوجوه. وإلى التمتُّع بذلك الجمال وهذا النشاط تهفو نفوس كثير من الناس؛ باذلين كل غال ونفيس لنيل هذا التمتُّع. على أن سعادتي كانت غامرة وأنا أغادر العاصمة الفرنسية متوجهاً إلى وطن عربي أكنُّ له ولأهله ما أكنّه لكل قطر عربي وأهله. وما كانت باريس بعيدة جغرافياً عن ذلك الوطن. لكن بُعْد مشاعري وأنا متوجه إليه عن مشاعري وأنا مازلت في تلك العاصمة كان لديَّ بُعْد ما بين السماء والأرض.
كان المغرب ذلك الوطن العربي الذي توجهت إليه من العاصمة الفرنسية. وكانت مدينة فاس الجميلة.. مهد تراث المعرفة في ماضيه، وأحد مراكز العلم المهِّمة في حاضره، هي مكان المؤتمر الذي سبقت روحي جسدي في الوصول إليه. ولقد عبَّرت عن شيء مما أكنُّه لذلك الوطن من ودِّ ضمن أبيات سعدت بتقديمي فيها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل في أمسية من أمسياته الشعرية الجميلة في الرباط قبل أربع سنوات. ومستهلُّها:


أملي في الحضور أن يعذروني
إن أتى قاصراً أداء لحوني
رهبة الموقف الجليل أضاعت
ما تبقَّى من عزمي المظنون
الأساطين من ذوي النقد حولي
والمواضي من أعين الغيد دوني
قُدْرتي في الكلام كيف توفِّي
وصف من طاوعته شوس الفنون
أنطق الريشة البديعة فنًّا
عربيَّ الهوى أصيل الغضون
والقوافي له استقامت صبايا
من جمالٍ ولوحة من فنون

ومنها:


قد أتى يحمل الوداد صفاء
من رحابٍ بين الصفا والحجون
وثرى طيبة التي مجتلاها
فيض سعدٍ وقرَّة للعيون
وأتى حاملاً أصالة نجدٍ
موطن الشعر من تليد القرون
قد أتى يا رباط.. هل أنت إلا
ما اقتضت رغبة العلا أن تكوني؟
تتملَّين طنجة وهي تهدي
قُبلة الود فوق خدِّ العيون(1)
وفخاراً يزين غرَّة فاسٍ
مورد العلم والتراث المصون
وربوعاً بهيجة أثملتها
نكهة البرتقال والليمون

ما كان أسعدني والطائرة تنزل في مطار الرباط! لقد أصبحت أشعر أني بين أهلي وفوق ثرى وطني، ورأيت أن أقيم في تلك المدينة الجميلة ليلة أغسل فيها كل ما علق بذهني من إجهاد نفسي كان يلازمني بعيداً عن وطني العربي؛ وذلك قبل أن أذهب إلى فاس لحضور المؤتمر الذي سعدت بالمشاركة فيه.
بعد ظهر يوم الخميس الثالث عشر من شهر شعبان ركبت القطار إلى فاس ترفرف بي أجنحة السعادة إلى فضاء غير محدود، وأنعم في ظلال وارفة من البهجة التي لا تضاهى. ولم يكن حظي في رحلتي إلا سعيداً جدا. فما كان أجمل أن تتملّى العين ربوع وطن تحبه! وما كان أروع من الحظوة برفقة سفر تبادلك الود وينتشي قلبك بحديثها العذب! وما دام ذلك هو الجو النفسي والأمر الواقعي فقد كان سيَّان لديَّ أسرع القطار في سيره للوصول إلى نهاية مطاف الرحلة أو لم يسرع. فأجنحة السعادة مرفرفة، وظلال البهجة وارفة.
كان المؤتمر، الذي سعدت بالمشاركة فيه، أحد وجوه نشاط جمعية فاس - سايس، التي تقوم بجهود متعدّدة الجوانب؛ ثقافية واجتماعية. ومن أبرز وجوه نشاطها الثقافي عقدها سنوياً مؤتمراً تحت اسم «خيمة الفكر والإبداع». وكان المؤتمر المشار إليه هو الرابع من مؤتمراتها.
وقد خصصت بحوثه للحديث عن عالم اللغة العربية الفذّ، وواضع علم العروض أو بحور الشعر العربي المشهورة.. الخليل بن أحمد الفراهيدي. على أن ذلك المؤتمر لم يقتصر على البحوث، وإنما اشتمل، أيضاً، على قراءات شعرية لشعراء من أقطار عربية مختلفة ومن إيران.
وكانت منسِّقة المؤتمر.. الشعلة المتقدَّة نشاطاً وحيوية وإصراراً على النجاح.. الدكتور الشاعرة لويزا بولبرس، أستاذة الأدب في كلية الآداب في فاس. وكان النجاح الذي أصرَّت على تحقيقه رفيقها أينما سارت وحيثما تحرّكت. وما كان كاتب هذه السطور المقدِّر لجهودها المعجب بما قامت به إلا واحداً من أولئك الذين كانوا يخشون عليها من وطأة الإجهاد والإعياء. لكن من الواضح أن العزيمة تتغلَّب على كل مشقة جسدية.
افتتح المؤتمر مساء يوم السبت الخامس عشر من شعبان (1424هـ)، واستمر ثلاثة أيام. وكان بين المتحدِّثين في حفل الافتتاح مستشارالملك المغربي، الأستاذ الفاضل محمد القباجي، ومنسِّقة المؤتمر الدكتورة لويزا بولبرس، والمدير العام لمنظمة الاسيسكو، الدكتور عبدالعزيز التويجري، ومندوب اليمن الدائم لدى الجامعة العربية، الدكتور عبدالولي الشميري، والمدير العام لمديرية الثقافة بعمان، الأستاذ خالد الغساني.
وقد تلا حديث المتحدِّثين في ذلك الحفل قراءات شعرية قام بها كل من الدكتور عبدالعزيز خوجة، سفير المملكة في المغرب، والأستاذ عبدالعزيز البابطين، صاحب المؤسسة الثقافية المشهورة، والأستاذ هارون هاشم رشيد، الشاعر الفلسطيني المعروف، والشاعرة المجيدة أمينة المريني، التي كانت قصيدتها أروع ما يكون الشعر سبكاً وصوراً ومضموناً (2). وأجد من المناسب أن تكون هذه الإشارة إليها خاتمة هذه الحلقة.
1- العيون: مدينة في جنوب المغرب.
2- القصيدة بكاملها موجودة ضمن مجموعة دمشق وقصائد أخرى، التي صدرت قبل ثلاثة أسابيع عن دار العلوم.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved