من جازان إلى جدة، فالطائف إلى الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية وصف هذه المدن مع المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة فوق مستوى أي كاتب يحاول الاستيعاب الا ان يقطع شطراً من عمره.
اني شاهدت في هذه المدن من التقدم والعمران ما يقف المتأمل دونه حائراً، الا ان توفيق الله وحسن رعايته لهذه الحكومة الجليلة تحت ظل عاهل المسلمين وحامي الحرمين (الفيصل المعظم) قد حققت ما كان يعد مستحيلا، ويحلو لي أن أتكلم وبكل سرور بعد أن هدأت اليمن من الحروب الأهلية الطاحنة ووضعت أوزارها بفضل العاهل العظيم وكنت موافقا حين قلت من قصيدة قبل سكون الحرب بأكثر من ثلاث سنين في بعض الصحف.
في العاهل الملك العظيم
رجا حل المبهم
ويقيم في اليمن السلام
على عيون من دم |
فقد ساد الوئام والسلام واستتب الأمن واجتمع الإخوة بعد فرقة وشاء الله أن يكون من تلك الحروب ايقاظ واتعاظ وعبر وفكر ومودة، وقد ظهرت شخصيات على مسرح الاحداث لها شأنها في اصلاح الوطن.
وبعد يا أخي القارئ فالوعي في السعودية والمعارف التي يشترك فيها الرجل وتظهر المرأة الفاضلة في حدودها ومستواها الشرعي الديني، فقد لقيت كثيرا من الشباب من أديب وشاعر وكاتب ومتطلع ومتعطش وان لم يكن الكل فالجل منهم، واذكر على صفة التلميح حادثتين احداهما ان بعض الشباب كان يحمل مجلة أو جريدة مصورة وفيها ما فيها، وكنت أحمل المنهل للشيخ الانصاري، ابقاه الله، فأرشدتهم إلى أن المنهل فيه تاريخ وأدب وقصص ومواعظ وشعر ولغة، وانه ينبغي لكل شاب ان يجعل له رصيدا لمستقبله فكنت واياهم كطرفي نقيض، مما حفزني على التعريض في قصيدتي المنشورة بالمنهل في عدد ذي الحجة 1390هـ - والتي منها:
أمن بعد ست ومن قبلها
ثلاثون عاما نقيا حميدا
بهذا يقاس به أو يقاس
كوخا خرابا وقصر مشيدا
أنترك بلبها زاعمين
بأن الغراب يجيد النشيدا
وان الحمير تشق الفضا
وان الصقور تسير الوئيدا |
والأخرى أن بعض الصبيان وهو يدل على نبوغ متوثب سألني يا محسن لو فقد الشعر من على وجه الارض هل يحصل نقص على الانسانية فقلت في الابدان لا، ولكنها تفقد ثروة عظيمة، فضحك ثم انه قال: انه يرجح مذهب الفن للفن، لا الفن للحياة فقلت لكل مذهب أنصار.
هذه قطرة من مطرة ومجة من لجة.
أما الطريق التي سلكتها من الطائف إلى الرياض فقد سبق أن مررتها في العام الماضي وقد وصفها الاستاذ الكبير عبدالقدوس الأنصاري في رحلتين وفي وصفه البليغ ما فيه كفاية ولكن النهر العظيم اذا شط عنه فقد يستحسن الوثل، ان الطريق المعبدة المسفلتة من الطائف إلى الرياض الطويلة التي تبلغ مايقرب من الف كيلومتر التي كان يلقى فيها المسافرون عبئا ومشقة عظيمين لبعد المسافة، اما انا فقد لقيت سفرا وشاهدت مناظر طبيعية خلابة ومن حسن الحظ ان الجو صاف، وكنا نشاهد الجبال السوداء تحيط بها الأودية الخضراء والأشجار التي نبتت نتيجة السيول وهطول الامطار على تلك المرتفعات وكأن الجبال جمال طليت بقار ومما زادها حسنا وجمالا القرى المتمدنة الجميلة المنتشرة على جانبي الطريق، فقد عرجنا على بعضها للاستراحة فنجد فيها من الحاجيات ما نجده في كبريات المدن وبعد الاستراحة نقوم مع رفقاء السفر لنمتطي السيارة (التكسي) فتهوى بنا هويا حلوا، ونحن في لذة تفوق لذة الجندول التي غنى بها (الشاعر علي محمود طه) ويداعبنا النسيم العليل فأتذكر قول (قيس بن الملوح)
الايا صبا نجد متى هجت من نجد
فقد زادني سراك وجدا على وجد
بل وقول الامام ابن الامير التي مدح بها الإمام محمد عبدالوهاب رحمه الله:
(سلام على نجد ومن حل في نجد).
وكنت أتمنى أن أحفظ ما قاله الشريف المرتضى في نجد فإني أعتقد انه أراد مزاحمة أخيه الشاعر الشريف الرضي فيكون للأول النجديات وللآخر الحجازيات.
وقفنا السيارة في قهوة قريبة لكي نشاهد العاصمة ليلا نشاهد العروس متحلية في عقود الكهرباء والشيء بالشيء يذكر كلمني بعض الادباء هل يوجد اسم الكهرباء في لغة قديمة قبل حدوثه فقلت أجل هي لغة «فارسية» ذكرت في مذكرة داود وغيره من مؤلفي المفردات ان الكهرباء بضم الراء معناه جانب التينة فقال: لا جديد تحت الشمس.
اقتربنا من المدينة الرياض العاصمة فوجدناها في قاع فسيح ممتدة كأنها المجرة، فدخلناها فرحين مستبشرين بالمدينة القديمة الحديثة ذات الشوارع المنسقة النظيفة والحدائق الغناء والمياه الوفيرة والمتاجر الواسعة والأسواق المفعمة بالناس والسيارات المتنوعة والمساجد العامرة والمآذن الرشيقة والمكاتب المحتوية على كل فن والمدارس الابتدائية والمتوسطة والعالية وكأنها التي يصفه الحريري بقوله: (بها ماشئت من دين ودنيا).
ولي عودة أخرى في الكتابة حول الموضوع، اذا ثم ملاحظة فلا ملاحظة في هذه البلاد الوحيدة في بلاد العرب والاسلام باستقرارها وأمنها وخيراتها وما منحهم الله به من إمام عظيم وقائد مصلح خلا ان بعض الموظفين وهم أندر من النادر يخاطبون بقسوة لا تليق بمناصبهم وتنزيل الناس منازلهم سنة نبوية.
|