Sunday 2nd november,200311357العددالأحد 7 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

سر السحر في إلقاء العشماوي سر السحر في إلقاء العشماوي

قبل عشرين عاماً تقريباً، حضرت أمسيتين شعريتين، شارك فيهما الدكتور عبدالرحمن بن صالح العشماوي، فافتتنت بإلقائه، وعشقت الفصحى وهي تجري على لسانه كالسلسل العذب، وراجعت قافيتي بعد طلاق غير بائن، طال أمده، وكتبت قصيدة تحت عنوان «إنّي أراك لهذا العصر حساناً»، ونشرتها آنذاك في ملحق الاربعاء من جريدة المدينة المنورة، وكان مطلعها:


يا بلبل الدوح كم هيجت أشجانا
ألهبت بالشعر سماراً وركباناً

وبعد فترة وجيزة تناول الدكتور محمد خضر عريف قصيدتي هذه بالنقد والتحليل، فأشاد بها، وأجاد، كما أشاد بشعر الدكتور العشماوي وأسلوبه وذلك في جريدة عكاظ.
ومرت الأيام والأعوام سريعة، وشاء الله لي أن أحضر إحدى أمسيات الجنادرية هذا العام، وكان العشماوي واحداً من فرسانها، وإذا بي أسمع شاعراً من دولة عربية أخرى، يقدم لقصيدة ألقاها على هامش الأمسية أمام الحاضرين فقال:«ما استصغرت نفسي وأنا ألقي شعري إلا في مجلس يضم هذا الشاعر «ويعني بذلك الدكتور العشماوي، فعرفت أن هناك من يصيبه ما يصيبني. عندما أستمع لهذا الرجل، والشعر يتدفق على لسانه، غير أني لم أقف على سر السحر في القاء هذا الشاعر إلا عندما حضرت خلال الأسبوع الماضي دورة في «فن الإلقاء المتميز» قدمها الدكتور عبدالرحمن العشماوي وهو المشرف العام على «مركز تأصيل لتنمية مهارات الفصحى».
كان الحاضرون في الدورة يتابعون الدكتور العشماوي، ويسجلون كل ما يفيدهم في تحسين أدائهم في مهارة الإلقاء، وكنت مشغولاً بمتابعة كل حركاته، وسكناته، ونبراته، ونظراته.. حتى توصلت إلى بعض جوانب سر السحر في إلقائه، فكتبت:
1- جعبته مليئة بالجديد دائماً، ولديه ما يقوله، ويشد به انتباه السامعين باستمرار، وأنا أنصح أي متحدث ألا ينبس ببنت شفة، ما لم يتأكد بأن لديه ما يقوله.
2- إنه مؤمن بما يقول، فهو يعتقد أن الشعر رسالة سامية، ولها هدف سامٍ أيضاً، وأنا أقول: إن الإيمان بفكرة نص «ما» هو الروح التي تشيع فيه وتشعُّ منه.
3- التلقائية في التفاعل مع الكلمة، وذلك من حيث: نبرات الصوت، والمسح البصري وتوزيع النظرات، وقسمات الوجه، ولغة البدن.. وكل ذلك يشارك صياغة العبارة في إبراز مضمونها على أكمل وجه، وهنا لا بد من القول: ما أسرع الملل إلى نفوس الذين يستمعون إلى من يتصنع التفاعل مع ما يقول، ولو ألقى على مسامعهم أعذب الشعر، أو أكذبه، أو أصدقه.
4- تدليله الكلمة، وذلك بإعطاء كل حرف حقه في المخرج والجرس، حتى يبرز أثره في معناها، وبذلك يتجلَّى دوره فيها، كما يتجلَّى دورها المتناسق مع أدوار أخواتها في الجملة الواحدة في تناغم وانسجام تامين.
5- طريقته الآسرة في الوقف، أو الوصل، أو السكتات على المتحركات، بحيث تبقي النفوس مشدودة حتى عند الوقفة أو السكتة، وهذا ما لا يحدث عند غيره.
هذا، ولا يسعني أن أختم إلا بما ختمت به قصيدتي سابقة الذكر:


فانظِم وغرّد على أفنان دعوتنا
إنّي أراك لهذا العصر حسانا

محمد بن مصطفى البلخي

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved